محاور الخطاب…. و أولوية البرامجً

في الدورة الثانية للبرلمان السابع عشر، تضمن خطاب العرش سبعة محاور رئيسية هي محل اهتمام الأردنيين جميعاً: الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري وإصلاح التعليم والخدمات الصحية . ثم القضية  السياسية  الأكبر القضية الفلسطينية و بعدها الأزمة السورية، وأخيراً موضوع التكفير والإرهاب . وإذا استثنينا المسألتين الأخيرتين، فإن المحاور السابقة تتكرر تقريباً من سنة إلى أخرى ومن دورة برلمانية إلى التي تليها. ودون التقليل من الجهود التي تبذلها الإدارات المتعاقبة، إلا أن الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد، والأحداث السياسية في المنطقة، تتطلب اقترابا مختلفا يؤدي إلى إنجازات نوعية واسعة، قادرة على أن تحدث تغييراً ايجابياً عميقا يشعر به المواطن على صعيد الاقتصاد والسياسة والإدارة والتعليم والصحة والخدمات الأخرى. بمعنى أن السرعة في التغييرالفعلي أصبحت ضرورة وليس خياراً. فلا يمكن أن يستمر العمل على قانون البلديات وقانون اللامركزية        وقانون الانتخاب وغيرها سنوات وسنوات. كما أن إقرار مدونة السلوك لمجلس النواب لا يجوز أن تنتقل من دورة إلى أخرى، ومن مجلس إلى آخر. أما الإدارة الحكومية فإن عليها أن تستوعب خطورة المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة، والضغوط الاقتصادية والحياتية والنفسية المرهقة التي يعاني منها المواطن، الأمر الذي يتطلب “ انتفاضة إدارية” أو “حالة طوارئ إدارية “، يلتزم الموظفون في جميع الوزارات والمؤسسات فيها “بالخدمة السريعة الأمينة للمواطن، بعيداً عن التأجيل والتسويف، وبأقصى درجة من النزاهة والشفافية والبعد عن الفساد الإداري أو المالي أو المهني أو الأخلاقي” ، باعتبار ذلك يمثل عنصرا هاما في جسر الثقة بين المواطن والدولة. ومثل هذا التغيير على بداهته يتطلب تعليمات صارمة و محددة، وفورية من الحكومة تخرج على شكل “دليل عمل”.
ومع التقدير للتشريعات الاقتصادية التي تستغرق الوقت الطويل دون مردود حقيقي، إلا أن الأهم من التشريعات الجديدة هو العمل على تطوير الإقتصاد ذاته، وحل مشكلاته المزمنة و تفعيل التشريعات القائمة بعقلية علمية منفتحة على الفرص المتاحة، وعلى تجارب الدول الناهضة. فالحكومة مطالبة بقوة بالمبادرة بتنفيذ المشاريع الإنتاجية و خاصة في المحافظات حتى لا تتسع مساحة الفقر فيها التي أصبحت تغطي 39% من السكان، وحتى تبعث الأمل لدى الشباب العاطل عن العمل، والذي تحاول الفئات المتطرفة استغلال حالة اليأس والإحباط لديه واجتذابه إلى ساحتها.
ما الذي يمنع الحكومة من التشارك المؤقت أو الدائم مع القطاع الخاص في إنشاء مشاريع إنتاجية متنوعة ؟ ما الذي يمنعها من تشكيل التعاونيات وإصدار شهادات استثمار لتمويل مثل هذه المشاريع ؟ ما الذي يمنعها من وضع حد أعلى للمكافآت التي يتقاضاها موظفو الدولة فيترك ذلك أثرا نفسيا ايجابيا لدى محدودي الدخل من المواطنين؟ ما الذي يمنعها من إنشاء بنوك للتنمية الصناعية والزراعية في المحافظات؟ ما الذي يمنعها من وضع حلول للشركات المتعثرة ، و هي كثيرة، حتى يعود العمال الذين فقدوا وظائفهم إلى العمل فيها ؟ ما الذي يمنعها من وضع ضوابط للعمالة الوافدة بدون حساب وأهمها العمالة السورية التي انتشرت في كل مكان على حساب العامل الأردني ؟ ما الذي يمنعها من توجيه الشركات التي سجلها سوريون مهاجرون وعددها 420 شركة للعمل في مخيمات اللاجئين السوريين ؟ أو وفق برنامج خاص يضيف إلى الإقتصاد ولا يشتري أجزاء منه؟  كل ذلك ليس من باب التمييز والتفرقة بقدر ما هو من ضرورات الأمن الاجتماعي الوطني.
أما محاربة التطرف والإرهاب، فبداية المسألة هي الدعم الكامل لجيشنا العربي الأردني وأجهزتنا الأمنية. أما الخطوة الموازية والمؤازرة فهي أن تضع الحكومة بمساعدة الخبراء خطة وطنية عملية  لتبيان زيف الفكر المتطرف، ونتائجه العبثية التدميرية . إذ يحاول أولئك أن يصوروا للشباب أن التطرف الديني والطائفي سيوصلهم إلى الجنة، وسيقضي على الفساد والفقر وكل الشرور في العالم. وسوف يوصلهم إلى المال والسلطة والقيادة. وهذه الإدعاءات والمقولات موجودة على شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد ينخدع بها بعض الشباب، خاصة وإن داعش قد أتقنت أساليب الدعاية الإلكترونية بشكل غير مسبوق .
ما الذي ستفعله المؤسسات التربوية والتعليمية على مختلف مستوياتها في هذا الموضوع؟ وماذا تفعل المؤسسات الثقافية على تنوعاتها؟ وماذا تفعل المؤسسة الدينية على انتشارها ومكانتها؟ وماذا تفعل المؤسسة الإعلامية على شموليتها؟ و ما هو دور الأحزاب و النقابات و منظمات المجتمع المدني؟ كل ذلك يتطلب خطة وطنية حاسمة و فاعلة وجيدة الدعم والتمويل.
و إذا كان العالم يعيش اليوم في عصر السرعة الفائقة، فإن المنطقة يجتاحها فوق تلك السرعة إعصار الفوضى والتدخلات الأجنبية و الإخفاقات السياسية والإقتصادية. الأمر الذي يتطلب عقولا واعية، وأيادي غير مرتعشة، و إجراءات ناجزة،و جهودا متكاتفة، واستنفارا لجميع القوى والخبرات الخيرة المعطاءة في البلاد .
إن ما ورد في خطاب الملكي بحاجة إلى برامج كثيرة وسريعة وعلى الحكومة أن تتحرك بمشاركة ومساندة أبناء الوطن باتجاه المستقبل بالأفعال لا بغيرها.