القدس والضفة الغربية.. محاولات التهويد بالقطعة

لا شك بأن وحشية الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة  منذ أكثر من 130 يوما، وأعداد الشهداء والجرحى الذين يتجاوزون 800 شهيد وجريح في اليوم الواحد، ووقوف الدول العربية باستثناء الأردن، جامدة بعيدة عن أي فعل، وإطلاق المجتمع الدولي وخاصة أميركا وحلفاءها الأوروبيين عبارات تدعو ليس إلى وقف الحرب العدوانية، بل إلى تخفيف وتلطيف عمليات القتل تحت ستار حق الدفاع عن النفس،لا شك أن كل ذلك لم يترك فرصا كافية لمتابعة الحرب العدوانية الموازية التي تشنها إسرائيل على الضفة الغربية والقدس وعلى الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. وما زالت قوافل المساعدات تتدفق على دولة الاحتلال من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأميركا دون توقف، تحمل الأموال والأسلحة والمعدات والذخائر لإسرائيل لكي تواصل حرب الإبادة الجماعية اللانسانية في فلسطين، رغم العبارات الدبلوماسية المتعاطفة التي تنطلق بين آونة وأخرى. وأصبح الجميع يترقب مذبحة مخيفة باجتياح إسرائيل لرفح، دون أن تكون هناك إجراءات فاعلة تضع سقفا للهمجية الصهيونية ضد الأبرياء من أطفال ونساء ومرضى يعيشون بدون ماء أو غذاء أو دواء أو كساء أو مأوى منذ أشهر. كل ذلك دفع الحاقد نتنياهو وزمرته الفاشية إلى مزيد من المغالاة والتطرف بالقتل والتشريد. فهم يرون العالم بزعمائه وسياسييه يطلب منهم، بل يرجوهم لوقف الاجتياح المنتظر مقابل إصرارهم دون تردد ودون اكتراث. إن دخول الحرب الحاقدة على قطاع غزة شهرها الخامس دون قرار دولي ملزم أو موقف عربي مهدد، كل ذلك طمأن إسرائيل إلى أنها تستطيع أن تفعل في الضفة الغربية وفي القدس بل وفي فلسطين كلها ما تشاء دون سؤال. ولذا غدونا نرى تسارع الخطوات الإسرائيلية في مصادرة البيوت المقدسية، وتدمير المباني في ضواحي القدس، وإقامة تجمعات سكنية في كل قطعة أرض يمكنها أن تصلح لذلك. أما القيود المفروضة على المقدسيين فهي في تصاعد مستمر، ابتداء من الحركة المحدودة والتضييق الاقتصادي ومنع التجول ومنع الصلاة في المساجد والكنائس ومصادرة وثائق المواطنة واستبدالها بوثائق إقامة مؤقتة، مرورا بتشجيع المستوطنين المتوحشين على الاستيلاء على بيوت المقدسيين وإزالة أي معالم معمارية أو تراثية تشير إلى عروبة تلك المنازل والأحياء، وزرع شارات يهودية مستجلبة من مصانع وورش تقوم بصناعة تلك الشارات والرموز بعد إعطائها طابع القدم سواء بالدهانات أو المعدنيات أو نقش الحروف العبرية، وانتهاء بالتدخل في شؤون المدارس والجامعات المقدسية. وفي الجانب القانوني أصدرت السلطات الإسرائيلية قانون التنظيم والتخطيط والذي بمقتضاه تجرى مصادرة أراضي الفلسطينيين بحجة المصلحة العامة بتحويلها الى مناطق خضراء. يضاف إلى ذلك أن تراخيص المباني الجديدة للفلسطينيين تكتنفها تعقيدات ضخمة، وتكاليف باهظة، مما يضطر الكثيرين منهم الى بناء منازلهم أو توسيع القائم منها بدون ترخيص، لتأتي السلطات الإسرائيلية بعد ذلك وتقوم بهدمها أو إجبار أصحابها على هدمها. وبحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فقد كان معدل هدم البيوت 65 بيتاً شهرياً ارتفع في الآونة الأخيرة إلى ثلاثة أضعاف أو ما يقرب من 200 بيتاً شهرياً. وهذه السياسة تدفع إلى التهجير الصامت الذي تعمل عليه إسرائيل. أما الأقصى فقد أصبحت سيطرة إسرائيل الزمانية عليه أمراً واقعاً، في حين تتنامى السيطرة المكانية يوما بعد يوم، تماما كما وقع في الحرم الإبراهيمي في الخليل. وتستمر الحفريات العميقة في محيط المسجد الأقصى ادعاء بأن علماء الآثار يحاولون اكتشاف أطراف الهيكل، ولكن الهدف الخفي يتمثل في وضع البنية الإنشائية للمسجد في خطر لتكون عرضة للانهيار الطبيعي أو المفتعل.
وفي الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، فإن سياسة التفتيت والعزل بالطرق الالتفافية وبناء المستعمرات تشمل جميع الأراضي الفلسطينية، التي أصبح اجتياحها من قوات الجيش والأمن والمستوطنين المستعمرين المسلحين ممارسة  يومية، ولا يتحمل الجندي أو المستوطن أي مسؤولية قانونية تجاه ما يرتكبونه من جرائم ابتداء من القتل المباشر وانتهاء بالاعتداء على الأراضي والمحاصيل الزراعية. إن دوي القذائف وبشاعة الفظائع في قطاع غزة تغطي على ما تقترفه إسرائيل في القدس والضفة والتي تعدى معدل الاعتقالات اليومية فيها 55 مواطنا ومعدل القتل والاغتيال 6 مواطنين. إن محاولة نتنياهو وزمرته العسكرية إطالة زمن الحرب تهدف إلى شراء الوقت لتدمير القطاع وتهجير سكانه من جهة، كما تهدف إلى إرهاق الضفة الغربية بكاملها من جهة أخرى، تمهيداً لاجتياحات كبيرة ربما تحقق التهويد والأسرلة التي يعمل عليها المستعمر الإسرائيلي.
وباستثناء الأردن وما يقدم من مساعدات ودعم رسمي وشعبي، والجهود الموصولة المؤثرة للملك عبد الله الثاني لتغيير مواقف قادة الدول الكبرى، فإن مواقف الدول العربية تحتاج إلى مزيد من الفاعلية. ذلك أن المساندة الأوروبية الأميركية لإسرائيل والغياب المزمن للفعل العربي، فتح للحركة الصهيونية الاستعمارية باباً رحبا لاستكمال المشروع الذي بدأته قبل 85 سنة، والعمل بشتى الوسائل، المخالفة للقانون الدولي والإنساني ولمعاهدات السلام، للتخلص من السبعة مليون فلسطيني، بتهجيرهم قسرا أو اضطرارا من أرض فلسطين.
وهنا لا بد من النظر في عدد من المسائل تأتي في مقدمتها:
 أولا: ضرورة العمل العربي والإسلامي والدول الصديقة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعلى حدود 1967 والإفادة من المبادرة الأميركية الراهنة، والمحافظة على الأونروا إلى أن تنتهي مسألة اللاجئين.
 ثانيا: ضرورة التوافق الفلسطيني على الأساسيات وانضمام حماس إلى منظمة التحرير وإعلان إنهاء الانقسام وإنشاء إدارات جديدة.
 ثالثا: أن اللجنة العربية للقدس والتي يترأسها المغرب، ومنظمة القمة الإسلامية والأزهر عليها أن تتحرك وتحرك الدول الإسلامية  لتدفع عمليا باتجاه ردع إسرائيل من خلال المقاطعة الكاملة وإقرار الحماية الدولية للفلسطينيين، ورفع شكاوى الى المحاكم الدولية ذات العلاقة.
 رابعا: أن دعم صمود الفلسطينيين في أرضهم مالياً وقانونياً وإنسانياً سواء في الضفة أو القدس أو القطاع ينبغي أن يتحول إلى إجراءات مؤسسية عربية دائمة وملموسة.
 خامساً: أن الدول الأكثر عرضة للعدوان الإسرائيلي بعد فلسطين وهي الأردن ومصر وسورية ولبنان والسعودية لا بد أن تتوافق على برنامج عمل مشترك يضمن سلامة أراضيها من خلال سلامة الأراضي الفلسطينية وإفشال مخططات التهجير.
وأخيرا فإن الانتظار ليقوم المجتمع الدولي بما يجب أن يقوم به الجانب العربي، سيعطي حكومة نتنياهو وزمرته الفاشية الوقت الكافي لتنفيذ مخططاتهم العدوانية الهادفة الى خلق واقع جديد عماده التهويد والتهجير وتجريد المنطقة العربية المجاورة لفلسطين من القدرة على المبادرة. فهل يتحرك الجانب العربي؟