النفط والماء واليورانيوم والحقائق التائهة

لا يكاد يمر عام أو أقل أو أكثر حتى يعود السؤال الكبير على السنة الجمهور أو النواب أو بعض من يقدمون للناس كخبراء،  أو حتى بعض المسؤولين: أليس لدينا نفط؟ أليس لدينا ماء؟ هل يعوم الأردن على بحيرة نفط؟ أو يعوم على بحيرة ماء؟ هل حقيقة ان لدينا كميات هائلة من اليورانيوم؟ هل هناك نفوط كثيرة،  و مياه وفيرة،  و يورانيوم وغاز؟ هل لدينا ثروات طبيعية ضخمة ؟ ولكن القوى الأجنبية والشركات العالمية لا تريد لنا استثمارها؟ هل هناك ضغوط من إسرائيل والولايات المتحدة لإخفاء النفط الأردني والمياه الأردنية وكل الثروات الطبيعية حتى يبقى الأردن بحاجة للمساعدات؟ يتساءل المواطن العادي وغير العادي . أسئلة لا تكاد تنتهي،  وإجابات في كل تجاه،  ومع هذا،  فالمواطن لا يشعر أنه وصل إلى جواب شافٍ يريحه ويقنعه..
ومن جهة أخرى فإن هيئة الطاقة النووية  دأبت على إصدار تصريحات وبيانات منذ العام 2007 حول اليورانيوم توحي بأن إمكاناتنا في اليورانيوم كبيرة. وأننا سنبدأ تصدير اليورانيوم العام 2012 (ولم يحدث). ثم يصدر تقرير آخر عن شركة أجنبية تلغي تقريرا سابقاً.. وترتفع الآمال من جديد بأننا سنصبح دولة يورانيومية (على غرار دولة نفطية) في غضون أشهر وسنبدأ بتصدير الكعكة الصفراء. وسوف نموّل مشاريع المحطات النووية من عائدات بيع الكعكة الصفراء وغير ذلك. ولا أحد يوضح للمواطن لماذا؟ وكيف وبناء على ماذا؟ ولا احد يبين للمواطن أن الاستكشاف شيء والتعدين والاستخراج شيء آخر؟ ومن أين سيتم توفير مستلزمات التعدين بما في ذلك المياه؟ لا إجابات.. وتسأل أساتذة الجيولوجيا في الجامعات الأردنية فنادرا ما تشعر انك -تماما- وصلت إلى قلب الحقيقة.
هل يعقل أن الأردن بما لديه من جامعات وأساتذة وباحثين وسلطة مصادر طبيعية (قرر البرلمان إلغاءها بعد 55 عاما من نشاط متواصل) غير قادر على إيصال الحقيقة المقنعة والمطمئنة للمواطن وللبرلماني ولصانع القرار؟ هل يعقل أننا لا زلنا نخلط بين العلم والخيال،  والحقيقة والأماني،  والأمل والوهم؟ على أي أساس سوف نتقدم في المشاريع وبأي صورة سنتعامل مع المستقبل؟
أن يكون هناك نفط في الأردن فالاحتمال قائم. ولكن “الأدلة والمؤشرات” العلمية جميعها تشير إلى أن مثل هذا النفط، إن وجد،  سيكون على شكل حقول صغيرة وعلى أعماق كبيرة،  ربما تتجاوز الـ (4000) متر وقد تصل إلى (7000) متر  أو أكثر. وهنا تصبح المسألة بالنسبة للشركات ليست مسألة وجود نفط أو عدمه،  وإنما مسألة كلفة
وجدوى اقتصادية وفنية لاستخراج النفط عند مثل هذه الأعماق. وما يهم الشركات هو أية كلفة سيصل إليها البرميل،  وما مقارنة ذلك مع أماكن أخرى من العالم؟ فإذا كانت الأرقام تشير إلى عدم الجدوى فإن الشركات تنصرف إلى أماكن أخرى وليس هناك من شك أن العلم والهندسة والجيولوجيا والتكنولوجيا  كل ذلك من شأنه أن يساعد  مع الزمن على الوصول إلى الحلول المناسبة،  ولكن في المستقبل،  وليس في الوقت الذي نتمنى نحن ونرجو.
أما وجود المياه وبكميات وافرة فالاحتمالات واردة ولكن الكميات محدودة بسبب الفرصة لتجدد المياه في الأحواض المائية. أما الثروات الطبيعية الأخرى من معادن ومركبات متنوعة فالعبرة بالكميات والجدوى الفنية والاقتصادية للاستخراج والتعدين. وهذا يحتم على الدولة والمجتمع مسائل اربع: الأولى- عدم الهلع والفزع والجزع والاستعجال. والثانية- النفس الطويل في البحث والتنقيب،  وعدم تعليق المستقبل الاقتصادي للبلاد على حبال النفط .الثالثة- المراجعة المستمرة للبيانات والمعلومات والتكنولوجيات  والاقتصاديات وتحديثها وتطويرها.الرابعة- الجدية المتواصلة في تطوير واستثمار البدائل سواء أكانت طاقة شمسية أم صخرا زيتيا أم تحلية مياه أم غير ذلك.
وأن يكون في الأردن يورانيوم فهذا لا شك فيه. ولكن المسألة هي : ما هي الكميات وما هي نسبة التركيز؟ وأين نحن،  هل بالمستويات العليا أو المتوسطة أو الدنيا؟. وحسب هذه التراكيز ونوعية الخام،  يتم اختيار التكنولوجيا، وتتحدد كميات المياه اللازمة. وعلى ضوء كل ذلك تتحدد قيمة الاستثمارات اللازمة،  وجدوى المشروع خاصة على ضوء انخفاض أسعار اليورانيوم في السوق الدولي.
ولكي تدفع هيئة الطاقة النووية بمشروع المحطة النووية تحت كل الظروف فإنها تلجأ إلى تعظيم كميات اليورانيوم المقدرة وتبالغ بأسعار اليورانيوم وتنسى متطلبات التعدين المائية والتكنولوجية والبيئة وتوحي للمواطن أننا سنتحول إلى دولة يورانيومية ذات ثروات هائلة. وهذا محض وهم وافتراض، فاستراليا أغنى بلد في العالم في اليورانيوم (31%) من الاحتياطي العالمي لم تتحول إلى أغنى دولة في العالم.
وبعد،  فنحن اليوم في عصر الشفافية ومشاركة الشعوب في متابعة شؤونها وصنع قراراتها. والحكومة بحاجة لأن تكون القوى السياسية والمجتمعية مقتنعة بسياساتها وبرامجها. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال المعلومة الصحيحة الخالية من المبالغة والخالية من المناكفة والتشكيك. والبعيدة عن التسييس.
هل يمكن تشكيل مجلس من العلماء والمهندسين والخبراء يشمل (21) عضواً متطوعاً من دون رواتب؟، يكون  مرجعية علمية للقضايا الخلافية،  فيصدر وثيقة وطنية من آن لآخر في المسائل الخلافية،  ويعتمد على من شاء من الباحثين والمختصين.  هل تبادر الحكومة أو حتى الجامعات أو منظمات المجتمع المدني أو النقابات أو كلها مشتركة لتكوين مثل هذه المرجعية.
قد يكون هذا هو المخرج الضروري في جو تختلط فيه الأشياء ويعكر فيه الضباب سماء المستقبل.