تفكيك الأونروا.. مشروع إسرائيلي خطير

ما إن خرج “ خبر” من إسرائيل بأن 12 موظفاً من العاملين في الأونروا قد شاركوا مع المقاومة في هجوم 7 اكتوبر، حتى سارعت الولايات المتحدة الأميركية لتتبعها بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا إلى إعلان تعليق مساهماتها في ميزانية الأونروا والتي تبلغ سنويا في حدود 1200 مليون دولار. ومع هذا ورغم أن الأونروا أعلنت توقيف الموظفين المشارإليهم وبدء التحقيق معهم فورا، إلا أن دولا أخرى تبعت القافلة الانسياقية في مقدمتها فرنسا وفنلندا وكندا وهولندا وسويسرا حتى بلغ العدد 16 دولة. وحتى اللحظة لم يتم التأكد من المزاعم الإسرائيلية، ولا انتهاء التحقيق مع الموظفين المتهمين، ولكن الأنسياق الأعمى للتحالف الغربي (الأميركي الأوروبي) خلف الكيان الصهيوني لم يسبق له مثيل في تاريخ أميركا أو أوروبا. والأونروا هي الوكالة الدولية الوحيدة المتخصصة في شؤون اللاجئين الفلسطينيين وهي المسؤولة عن إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في خمس دول وقد تم انشاؤها لهذه الغاية بالتحديد بالقرار رقم 302 من الأمم المتحدة في عام 1949. وهي تضم في قطاع غزة فقط 13 ألف موظف في حين أن مجمل موظفيها هم أكثر من 30 ألف موظف في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان. ويصل أعداد المستفيدين من خدماتها ما يزيد على 6.5 مليون لاجئ فلسطيني منهم 2 مليون في قطاع غزة يعتمدون في حياتهم اليومية على هذه المنظمة الأممية. من جانب آخر فإن الأونروا مؤسسة ذات أهمية سياسية كبيرة بالنسبة للقضية الفلسطينية لان سجلاتها من اللاجئين الفلسطينيين الذين تنطبق عليهم القرارات الدولية مثل حق العودة والتعويض هي السجلات المعترف بها دوليا، وهي المصدر الدولي الموثق الوحيد لهذه الغاية في إطار الأمم المتحدة.

ولهذا فإن وجود الأونروا كمنارة دولية حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين، هو بمثابة شوكة سياسية حادة في حلق إسرائيل التي تسعى إلى طمس الوجود الفلسطيني وشطب حق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة بقرارها رقم 194 عام 1948. ولهذا ومنذ أكثر من 40 سنة وإسرائيل تبذل جهودا مكثفة متواصلة لتفكيك الأونروا وصولا إلى إلغائها وإلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين ليفقدوا بذلك حقوقهم السياسية بالعودة.
والأونروا لا تندرج موازنتها ضمن موازنة الأمم المتحدة وبالتالي فهي تعتمد في تمويلها على دول مانحة عديدة، تتجدد سنويا، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والأردن (تمويل عيني للخدمات) وغيرها من الدول. وخلال الأربعين سنة الماضية كانت إسرائيل تحث الدول الأوروبية وأميركا وحلفاءها على إيقاف تمويلها لمنظمة الأونروا وعدم التجديد لها والتي هي مسؤولة عن تقديم خدمات التغذية والصحة والتعليم للاجئين المسجلين لديها. وقد استجاب ترامب لطلب الكيان الصهيوني فاعلن تجميد مساهمة أميركا ليأتي بايدن فيلغي قرار ترامب. وقد عمل الأردن بقوة منذ الثمانينيات على إفشال محاولات إسرائيل الرامية إلى تفكيك الأونروا، وشارك في مؤتمرات دولية عديدة كانت تنعقد لهذه الغاية. وكانت واحدة من محاولات إسرائيل تفكيك الأونروا، واقترحت إسرائيل، تحت ستار تخفيض النفقات، تحويل خدمات الأونروا إلى شركة مقاولات أوروبية أميركية أو مشتركة، بحيث تتولى الشركة تقديم المؤن والخدمات الصحية والتعليمية. وبالتالي تختفي المنظمة المعترف بها دوليا والتي تحتفظ بسجل اللاجئين الفلسطينيين. إلا أن موقف الأردن كان رافضا بشدة لهذا المشروع واستطاع اقناع الدول الممولة بالابقاء على الأونروا كمنظمة دولية ذات مصداقية عالية.
اليوم تجد إسرائيل أن فرصة تفكيك الأونروا متاحة بسهولة اولاً بسبب حالة الحرب ضد غزة وثانياً: ان الانسياق الأوروبي الأميركي الأعمى يتيح لها اليوم ما لم تتمكن منه في السنوات الماضية ثالثاً: لأنه بتفكيك الأونروا والغائها يسجل نتنياهو وحكومته الاستعمارية العنصرية انتصارا سياسيا كبيرا يعوضها عن الخسائر التي منيت بها في حربها على غزة. وبالتالي راحت إسرائيل تختلق الأكاذيب حول الأونروا لدرجة أن الإعلام الصهيوني يصف الأونروا “ بأنها ذراع مدنية لحركة حماس”. بل ذهب الى الإدعاء الأحمق بأن “ الأونروا تزود حماس بالاسلحة وتتعاون معها”. وهذا يفسر لماذا ركزت إسرائيل في عدوانها المتوحش على غزة، على تدمير المدارس والمستشفيات والمخازن التابعة للأونروا. ورغم أن الأمين العام للأمم المتحدة ومساعدوه ناشدوا جميع الدول وحثوا الدول المانحة خصوصا على عدم تعليق مساهماتها في أعمال الأونروا، إلا أن الضغط الأميركي والبريطاني في هذا الاتجاه لا يتوقف حتى الآن.
وهنا على الدول العربية مجتمعة ومنفردة وعلى الجامعة العربية، إذا كانت ما تزال تمارس شيئاً من النشاط، التحرك في خطوات عملية في اتجاهات رئيسية للمواجهة، منها أولاً: المبادرة إلى مساهمة جميع الدول العربية في موازنة الأونروا. بما يضمن عدم انهيارها واستمرار تقديمها لخدماتها، والمهددة بالتوقف تماما في الشهر الثاني أو الثالث من هذا العام. ثانياً: التواصل العربي مع الدول الست عشرة التي أعلنت تعليق مساهماتها في تمويل الأونروا، لتبيان حقيقة الأمر، وان الأونروا منظمة دولية تقدم خدمات إنسانية للاجئين الفلسطينيين وأن الادعاءات الإسرائيلية لم يثبت عليها أي دليل، وهي مجرد اختلاق إسرائيلي، وان توقف الأونروا عن خدماتها هو نوع من العقاب الجماعي. فلا يجوز أن يعاقب 6.5 مليون لاجئ فلسطيني نتيجة لاتهام غير مثبت لبضعة موظفين في الأونروا ثالثاً: إن قرار محكمة العدل الدولية باتخاذ الإجراءات التي تحول دون العقاب الجماعي والإبادة الجماعية يستدعي دعم أعمال الأونروا وتعزيز إمكاناتها، وتيسير أعمالها باعتبارها تقدم الأساسيات الصحية والغذائية للاجئين. رابعاً: ان تسعى الدول العربية وأصدقاؤها، من دول آسيا وآفريقيا وأميركا الجنوبية  
وبعض الدول الأوروبية لأن يصبح الجزء الأكبر من موازنة الأونروا فصلا من موازنة الأمم المتحدة. خامسا: العمل على اعتراف أكبر عدد من دول العالم بالدولة الفلسطينية.
واخيراً، فإن المؤامرة الإسرائيلية ضد الأونروا وضد اللاجئين الفلسطينيين هي مؤامرة خبيثة وسياسية بالدرجة الأولى بالغة الخطورة على فلسطين والدول المضيفة للاجئين، وتهدف إلى إلغاء التوثيق السياسي للاجئين وحقهم في العودة حسب قرارات الأمم المتحدة. ولا بد من العمل المكثف لإحباط هذه المؤامرة.