المشكلات الكبـرى … والحلول المبتكـرة

في ندوة “ الآفاق المستقبلية لإدارة الدولة “ التي عقدها مركز الدراسات المستقبلية في فندق الريجنسي في 26/10/2013، أشار الدكتور جواد العناني في محاضرته القيمة حول “ إدارة الدولة للإقتصاد” الى خمس مشكلات رئيسية حادة يواجهها الأردن، ويصعب عليه الانطلاق إذا بقيت هذه المشكلات عالقة تراوح مكانها . الأولى : الطاقة والمياه والثانية : عجز الموازنة والعجز في ميزان المدفوعات والثالثة : البطالة والرابعة : الفقر والخامسة : جذب الاستثمارات.
ولا خلاف على أولوية هذه المشكلات وخطورتها وتعقيداتها. ولكن التحدي الأكبر للمفكرين والسياسيين على حد سواء يتمثل في السؤال  : كيف يمكن حل هذه المشكلات؟ والتي أصبحت مزمنة وتكاد تكون جزءاً من البنية الإدارية الاقتصادية الاجتماعية  للدولة.؟
كيف يمكن حل مشكلات الطاقة التي تستنزف 20% من الناتج المحلي الاجمالي للأردن؟ ليس فقط بسبب ارتفاع اسعار الطاقة، وإنما بسبب تواضع حجم الناتج المحلي والذي لا يتجاوز (22) مليار دينار وضآلة نصيب الفرد من هذا الناتج. هل الحل هو القفز الى الطاقة النووية لنصلها بعد عام 2021 . وننفق خلالها (12) مليار دولار مضافا اليها (10) مليارات دولار قيمة الفرص الضائعة للصخر الزيتي والطاقة الشمسية ؟ كيف يمكن أن تحل مشكلة الطاقة ونحن نبحث عن مستثمرين جاهزين من الخارج، دون تحفيز كاف للإستثمار الوطني ؟ ودون اتاحة الفرصة لمئات الآلاف من المواطنين للمساهمة في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ؟.
أما المياه فلا بديل لنا عن تحلية مياه البحر و إعادة تدوير المياه، وهذا يتطلب كميات كبيرة من الطاقة ينبغي أن يكون مصدرها قريبا من البحر. في حين أن هيئة الطاقة النووية تريد أن تبني محطتها النووية على بعد (300) كم من البحر. و إذا لم تحل مشكلة الطاقة بأساليب جديدة و مناسبة للبلاد، فكيف يمكن حل مشكلة المياه ؟
و بالنسبة لعجز الموازنة والعجز التجاري،  فيعودان إلى عشرات السنين ،ولكن الإشكال أن العجز يتزايد سنة بعد سنة ،مما يدفع الدولة الى مزيد من الاقتراض . الأمر الذي رفع المديونية إلى مستويات غير مسبوقة . و السؤال: هل يمكن حل هذه المشكلة دون زيادة الإنتاج السلعي والخدمي بمعدلات كافية ؟ ودون وضع حدود للإستيراد من خلال تشجيع ودعم الصناعات الاحلالية ؟
أما البطالة التي أخذت تتافقم عاماً بعد عام وخاصة في المحافظات فهل يمكن تخفيضها دون خلق فرص عمل جديدة حقيقية ودائمة ؟ وهل يمكن خلق هذه الفرص دون الاستثمار في مشاريع انتاجية حديثة سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة ؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في طول البلاد وعرضها دون وجود برامج خاصة بالمحافظات للإفادة من الميزة النسبية والمطلقة لكل محافظة، ودون الاستثمار الجاد والمأمون في المحافظات ؟ هل يمكن أن يتحقق ذلك دون خلق عاصمة اقتصادية في كل محافظة، حتى تتفاعل المحافظة اقتصادياً واجتماعياً مع عاصمتها ؟ ودون تغيير أولويات المحافظة لتصبح التنمية هي الأولوية الأولى؟ و دون إنشاء برامج خاصة لكل محافظة ؟ وهل يمكن حل مشكلة الفقر دون تطوير آليات جديدة لزيادة الدخل للأفراد والعائلات من خلال تسريع النمو الإقتصادي وخلق مزيد من فرص العمل؟ ودون استثمارات اجتماعية جديدة ؟
أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة ،فتلك مسألة أخرى.فالمنطقة و لمدة ليست بالقصيرة، سوف تستمر مضطربة غير مستقرة و لسنوات، وليست جاذبة للإستثمار بما يكفي باستثناء الأسهم والعقارات أو أية أصول قابلة للشراء. والسؤال ألا يمكن تحفيز الاستثمارات الوطنية؟. ألا يمكن التفكير بالإقتصاد الاجتماعي بشكل جدي كما فعلت دول كثيرة في أوروبا وأمريكا اللاتينية ؟ما هو المشروع الذي لا يمكن تمويله محليا من خلال قاعدة واسعة من صغار المدخرين والمستثمرين؟ إذا اطمئن المواطن لضمانات حكومية لمدخراته؟ وضمن النزاهة في إدارة العمل والشفافية في المعلومات وعدم تسييس الإدارات ؟ ووضع ضوابط تمنع تغول الإدارات على أموال المساهمين كما يجري الآن في العديد من الشركات المساهمة العامة؟.
ومن الناحية العملية هل يمكن أن تحل هذه المشكلات الكبرى وما ينبثق عنها من قضايا فرعية دون الدخول في تصنيع الإقتصاد الوطني ؟ و دون الإفادة من حالة الفقر والبطالة لتكون قاعدة للتصنيع المتواضع الكلفة كما حدث في كوريا والهند والبرازيل؟ وان يكون التركيز على الاقتصاد الاجتماعي كمدخل لمحاربة الفقر ؟ وأخيراً فإن المشكلات الكبرى لا تحل تلقائياً ، و لا تتلاشى مع الزمن، ولا تختفي فجأة، و لم تتجاوز دولة  في العالم أزماتها الا من خلال خطط طموحة و مجهدة . والسنوات تمر بسرعة، والأزمة تتفاقم ،والمساعدات والمنح والقروض  ليست الدواء، بل هي جزء من الداء.
المطلوب أن تدرك الدولة و جميع هيئاتها الأهلية والرسمية بعقل ومسؤولية، حرج الموقف وتداعياته الخطيرة. وأن تعمل من خلال أهل الخبرة والفكر والعقل والعلم على وضع البرامج الوطنية اللازمة بكل ما يقتضيه الأمر من تجديد وابداع ومشاركة وطنية وانخراط لجميع القوى والمؤسسات في برنامج اقتصادي اجتماعي جديد يلحق بالمستقبل قبل أن يحجبه الضباب .