مخرجات التعليم.. والعمل والمواءمة

حين يتحدث الكثيرون عن البطالة يشيرون إلى عبارة أصبحت شائعة وتستعمل في كل مناسبة لتفسير حالة البطالة الا وهي وكما صرح وزير الصناعة والتجارة والعمل قبل أيام « عدم مواءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل». ولكن احداً على المستوى الرسمي لا يحدد، خارج العموميات، مواصفات سوق العمل وبالتالي المخرجات التعليمية اللازمة.

 كيف يمكن التحرك عمليا في هذا الاتجاه والخروج من التوصيف إلى العلاج. اسئلة كثيرة تتطلب الاجابة أولاً: ما هي الخصائص التشغيلية للقطاعات والقطاعات الفرعية المختلفة في الاقتصاد الوطني؟ ولأن وزارة العمل والصناعة والتجارة أصبحت واحدة أو تحت قيادة واحدة، فإن هذه الوزارة هي التي عليها بالتعاون مع الآخرين وتحديد خصائص سوق العمل الأردني. فالعمل لديها، والإنتاج تحت مظلتها.. هل الاقتصاد المرتكز بشكل غير متوازن إلى الاستيراد له خصائص مستقرة نوعا ما ومحددة؟ كأن نقول اقتصادا يتطلب المهارات المتعلقة بالتكنولوجيا والتصنيع؟ هل لدى الإدارة الرسمية توجهات محددة فيما يتعلق بالمشاريع والإنتاج والخطط الوطنية في هذا الاتجاه؟ نسمع أننا نطمح لأن يكون الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي. ولكن مثل هذا الطموح يتطلب استعدادات ومشاريع وتكنولوجيا وتعليما عاليا وتأهيلا مهنيا متعلقا بالصناعات الغذائية والتخزين والنقل والتعبئة والتغليف وغير ذلك من الترتيبات والمهارات التي يجب ان تكون واضحة لدى وزارة الصناعة والتجارة والعمل، وأن تكون متطلبات سوق العمل المأمول به واضحة حتى يمكن للتعليم والتأهيل العالي والمهني ان يستجيب لها بإدخال التطويرات اللازمة. ونسمع بأن الأردن يطمح لأن يكون مركزاً اقليمياً لصناعة الأسمدة والصناعات الكيماوية، وهذا يتطلب أيضا تصورات واضحة ومحددة بالنوع والرقم حول احتياجات سوق العمل. وأخيراً وليس آخراً نسمع عن ضرورة استفادة الأردن من مجموعة «بريكس» في تركيبتها الجديدة حيث أضيفت مصر وإيران والارجنتين واثيوبيا والسعودية والإمارات.

وهنا يتطلب الأمر تحديدا أوليا لإمكانات التفاعل والإفادة من مجموعة «بريكس زائد»، خاصة وأن جميع الدول التي تتشكل منها المجموعة قد أحرزت تقدما ملحوظاً في تصنيع اقتصاداتها، إضافة إلى ما لدى البعض من مواد خام. بمعنى أن الإفادة الحقيقية من أي تكتل اقتصادي، بعيدا عن طلب المساعدات والمنح، تستوجب استعدادا داخليا في الإنتاج والتعليم والتأهيل التكنولوجي حتى تتحقق المواءمة الفعلية مع التطلع الجديد.

لقد فقد سوق العمل لدينا ملامحه ومحدداته لأسباب رئيسية أربعة الأول: غياب برامج التصنيع والارتقاء التكنولوجي لمختلف القطاعات الأساسية والفرعية الثاني: الاعتماد المفرط على الاستيراد واكتفاء الحكومة بعائدات الجمارك السنوية والتي تتعدى 1.6 مليار دينار سنوياً كمصدر دخل رئيسي الثالث: ضخامة حجم العمالة الوافدة وعمالة اللاجئين من جنسيات مختلفة والتي تتجاوز 1.5 مليون يد عاملة دون ان تكون هذه العمالة منضبطة من حيث التأهيل أو المهارات أوالتعليم أوالأجور. هذه الأسباب جعلت سوق العمل لدينا هلاميا يصعب معها تحديد مخرجات التعليم الجاهزة  للمواءمة. الرابع: تخلي المجتمع الدولي تقريبا عن اللاجئين السوريين، وعدم اكتراث الدولة السورية رغم الجهود الأردنية والعربية بالعمل على تشجيع وتسهيل عودتهم إلا من أعداد ضئيلة لا تذكر. وبالتالي تسربهم، مع الاحترام، إلى سوق العمل بما لديهم من مهارات وخبرات واستعداد للإجور الأقل.
لقد آن الأوان ان نخرج من مجال التوصيفات والتطلعات العامة إلى مجال العمل والاستعداد والتشارك. وهذا يتطلب تغييرا أسلوب العمل على المستوى الرسمي والأهلي والتعليمي ليكون ربما في الاطار التالي أولاً: أن تحدد الدولة الهدف الذي تريد لتعمل بالتشارك مع الأطراف الأخرى على وضع الترتيبات الخاصة به. هل تريد الأردن مركزاً للأمن الغذائي؟ ام كتلة اقتصادية مع مصر والعراق؟ ام مركزاً اقليميا للأسمدة والكيماويات؟ ام مركزا اقليمياً للصناعات الدوائية.؟. ثانياً: على ضوء تحديد الهدف ينبغي لوزارة الصناعة والتجارة – العمل، وضع الخطوط العريضة لسوق العمل الذي يستجيب لذلك الهدف. ثالثا: تكليف فريق متخصص لوضع خصائص العاملين في هذا المجال سواء من حيث التعليم التخصصي أوالمهارات أوالتكنولوجيا أوالتدريب والتأهيل رابعاً: دعوة رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد التأهيلية وممثلين عن وزارة التعليم العالي وهيئة الإعتماد من قبل وزارة الصناعة والتجارة – العمل للتوافق على مخرجات التعليم المطلوبة. وحقيقة الأمر أن مثل هذه الدعوة والتوافق ينبغي أن تبدأ اليوم إذا كنا نتحدث عن سوق العمل في وضعه الحالي. 
لا يكفي القول بعدم المواءمة، وانما يجب تحديد ما هو المطلوب في مخرجات التعليم بكل وضوح، وفي كل مرحلة من مراحل المسيرة الاقتصادية الاجتماعية، والمسيرة التعليمية بل وفي كل قطاع رئيسي أو فرعي، خامساً: احكام التشبيك (وبمشاركة القطاع الرسمي) بين القطاعات الاقتصادية المختلفة ومؤسسات التعليم العالي على مستوى الكليات بل الاقسام والمعاهد، وإعطاء مرونة لتلك المؤسسات للتطوير والتغيير وخاصة في المجالات التطبيقية والعملية.
إن المواءمة بين مخرجات التعليم وبين سوق العمل ليست مسألة نظرية أو إعلامية، انها سياسة دولة تتحقق من خلال مسيرة برامجية تشارك فيها مؤسسات التعليم العالي والمهني مع القطاع الخاص والإدارات الحكومية وفي مقدمتها وزارة الصناعة والتجارة والعمل ووزارة الزراعة والسياحة والطاقة. فهل تبادر وزارة الصناعة والتجارة وزارة العمل بإطلاق برنامج وطني في هذا الاتجاه؟ تلك هي المسألة.