مكانة المرأة.. واستحقاقات التمكين

نجح الأردن في أن يتقدم على كثير من الدول في التحاق الإناث بالتعليم عموما، والتعليم العالي على وجه الخصوص. فوصلت نسبة الخريجات الجامعيات من الإناث 53 % مقابل 47 % للذكور. ومن جانب آخر فإن الشركات الأردنية تأتي في مقدمة الشركات على المستوى الدولي التي وقعت على مواثيق اتاحة فرص العمل أمام المرأة. كذلك فإن نسبة المعلمات الإناث من كادر وزارة التربية والتعليم تصل إلى ما يقارب 60 %. اما نسبة الطلبة الأوائل في امتحانات التوجيهي فإن الإناث تتقدم على الذكور على مدى سنوات متعددة، وكذلك جوائز الملكة رانيا العبدالله  للمعلم  المتميز فإن الجزء الأكبر من الجوائز يذهب الى المعلمات قبل المعلمين.

وتؤكد خطة التحديث الاقتصادي على أهمية دور المرأة وتمكينها، في حين اشترط قانون الاحزاب 20 % من الأعضاء ان يكونوا من الإناث و قد تجاوزت المرأة الرقم لتصل إلى 35 %. يضاف إلى ذلك النسبة العالية من النساء الناشطات في منظمات المجنمع المدني على أنواعها. ومع هذا، فإن فجوة الجنوسة ما تزال كبيرة في الأردن، كمعظم الدول العربية، ولم تتجاوز 64.4 % في حين ان المعدل العالمي لفجوة الجنوسة 68.4 ليكون ترتيب الأردن 126 بين 146 دولة بينما ترتيب سنغافورة على سبيل المثال 49 وفجوة الجنوسة  73.9 % وفي قبرص 67.8 % وترتيبها 106.
ويطالعنا تقرير البنك الدولي حول مشاركة المرأة في سوق العمل ان مكانة الأردن متأخرة تماما، وهي 173 من 176 دولة. حيث لم تتجاوز مشاركة المرأة لدينا 14.7 % من القوى العاملة. وهذا الرقم المتواضع جداً مضى عليه سنوات طويلة وهو يتذبذب حول 14 % هبوطاً أو صعوداً على الرغم من التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية خلال تلك الفترة.
وهذه الحالة تثير العديد من الاسئلة على النحو التالي: أولا هل يمكن ان تكون المرأة شريكا حقيقياً في التنمية الاقتصادية اذا بقيت بعيدة عن العمل؟ ثانياً هل يمكن ان يكون لها دور فاعل 
ومؤثر في الأحزاب إذا استمرت مشاركتها في سوق العمل في ذيل القائمة؟ ثالثا هل تتوقع الدولة ان ينتقل الاقتصاد الأردني إلى معدلات نمو مرتفعة تتجاوز الزيادة السكانية إذا بقيت البلاد تعمل بعيدا عن نصف قواها العاملة التي تمثلها المرأة؟. رابعا إذا كانت الكلفة الاقتصادية للتعليم العالي على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن ما يزيد على 1.25 مليار دينار سنوياً في حين ان نسبة البطالة لدى الاناث عموما 35 % ونسبة البطالة لدى النساء الجامعيات 64 %، فهل هناك توازن اقتصادي مجد ومقبول بين الانفاق وبين العائدات؟
وإذا نظرنا الى حجم القوى العاملة العاملة الأردنية والتي تصل إلى 1.85 مليون يد عاملة واحتسبنا معدل البطالة وضآلة مشاركة المرأة في سوق العمل نجد ان القوى العاملة الفعالة في سوق الإنتاج، وخارج الإدارة الحكومية، في مختلف القطاعات لا تتعدى 500 ألف يد عاملة. في حين أن بلداً مثل سويسرا، حيث مشاركة المرأة في سوق العمل 47.1 % وتقاربنا في حجم السكان، تصل القوى الفعالة في سوق الانتاج الى تسعة أضعاف الأردن او 4.3 مليون يد عاملة. وكقاعدة عامة ليس هناك من بلد احرز تقدماً اقتصادياً تراكميا متميّزاً الاّ ونسبة مشاركة المرأة في سوق العمل تتعدى فيه 30 %. ومن هنا فإن مشاركة المرأة في سوق العمل تمثل بالنسبة لنا اشكالية اقتصادية اجتماعية من الدرجة الأولى لا تحتمل التغاضي عنها وكأنها أمر اعتيادي. وعلى الدولة ان تتذكر ان مساهمة المرأة في الناتج المحلي الاجمالي تمثل ركنا اساسياً في حجم ونمو الاقتصاد الوطني. ان خطورة المسألة تتطلب مقاربات مختلفة وعملية حتى يمكن جسر هذه الفجوة التي تؤثر في كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن وفي المسار الاقتصادي الاجتماعي للدولة. وفي الاطار التالي: اولا: ان تنظرالدولة إلى الارتفاع بمشاركة المرأة في سوق العمل إلى 35 % خلال السنوات العشر القادمة كمشروع وطني له اولوية اقتصادية اجتماعية كاملة ثانياً: ان تتحول الدولة من الاقتراض وطلب المنح لغايات خدمية أو تكميلية الى انشاء المشاريع الإنتاجية الجديدة وخاصة في المحافظات ثالثا: ان تخصص الحكومة جزء من انفاقاتها على دعم الجمعيات التعاونية النسوية لتمكينها من انشاء المشاريع الجديدة التي يمكن للمرأة المشاركة فيها رابعاً: وضع حلول عملية لمشكلات النقل لكل محافظة، بل لكل لواء، بعيداً عن التعميمات، بما في ذلك اعفاء المركبات الناقلة للنساء العاملات من الرسوم والجمارك خامساً: انشاء المؤسسة الوطنية للأعمال اليدوية لتتولى تطوير وتعبئة وتغليف وتسويق الصناعات اليدوية وخاصة المنزلية الصنع لتتحول هذه الصناعات الى مراكز انتاجية مستقرة كما نجحت قبرص في هذا الميدان. سادساً: دراسة الاسباب التي تحول دون انخراط المرأة في القطاعات الإنتاجية المختلفة بالتشارك مع أصحاب المصانع والمشاريع، والوصول إلى حلول لأي مشكلات في هذا الاتجاه سابعاً: دفع المؤسسات والشركات العامة والخاصة على تقليص الفروق في الرواتب بين المرأة والرجل، مقابل اعفاءات ضريبية، وان تقرأ الدولة ذلك من منظور اقتصادي وليس محاسبياً. ثامناً: التوسع في تمويل وانشاء حضانات ومدارس الاطفال حتى تتمكن المرأة من الانخراط في العمل دون عوائق أسرية.
وأخيراً فإن دعم مشاركة المرأة في سوق العمل وانفاق الدولة والمؤسسات على ذلك يمثل استثماراً حقيقياً في الاقتصاد الوطني والتطوير الاجتماعي ورفع معدلات النمو الاقتصادي، خاصة وان المستقبل يفتح الباب لمرونة كبيرة في أنظمة ومواقيت وترتيبات العمل. وعلى إدارات الدولة أن تدرك أن الانتقال من معيشة الكفاف إلى نوع من الرخاء والثروة الوطنية وتوسيع الطبقة الوسطى وتقليص مساحات الفقر، عماده الرئيسي انخراط المرأة في العمل بأكبر نسبة ممكنة.