ديمومة التوازن.. أمام التغيرات المناخية

في خضم الحرب العدوانية الإسرائيلية المتوحشة على قطاع غزة، والهجمات المتواصلة على الضفة الغربية المدعومة من التحالف الغربي الخماسي الاستعماري البغيض ( الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا)، وأطماع إسرائيل بالتوسع وتهجير الفلسطسنيين، انعقد مؤتمر المناخ كوب 28 في الإمارات العربية المتحدة. ورغم الأعداد الكبيرة من المشاركين، 197 دولة، فقد خرج المؤتمر ببيان مطول ولكن  بنتائج عملية ضعيفة، بسبب الاختلافات العميقة بين الأطراف الرئيسية الأربعة في المعادلة وهي الدول الصناعية، والدول  المنتجة للوقود الاحفوري(النفط والغاز والفحم)، والدول النامية عموما، ومنظمات المجتمع المدني. فالتغيرات العميقة والمتسارعة في المناخ، ممثلة بارتفاع درجة حرارة الارض، وغزارة الانبعاثات الحرارية والكربونية (والغازات الأخرى)، وتغير النمط التاريخي التقليدي للأمطار، والجفاف المفرط في مناطق مقابل الأعاصير والفيضانات في مناطق أخرى، وظهور أمراض نباتية وحيوانية جديدة، كل ذلك راح يغير، وخاصة في المنطقة العربية، من توازن الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية. فالجبال الجليدية آخذة بالذوبان مما يرفع من مستوى مياه البحار ويؤدي إلى غرق الجزر والسواحل المنخفضة، وتراجع سقوط الأمطار في مساحات شاسعة من الكرة الأرضية بشكل كبير، مما زاد من حالات الجفاف والتصحر وبالتالي التأثير السلبي على الأمن المائي والأمن الغذائي في الكثير من الدول وخاصة المنطقة العربية ودول افريقية عديدة. وقد ثبت بشكل قاطع ان الانبعاثات الحرارية والغازية تعود بشكل رئيسي إلى أولاً: توليد الطاقة من خلال إحراق الوقودات الاحفورية (وهي الفحم الأكثر تلويثا يليه المشتقات النفطية ثم الغاز الطبيعي) وتنتج سنويا ما يعادل 36 بليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون ثانياً: انتشار المباني في الأراضي الزراعية وقص الأشجار والتصحر وهذه تنتج 9.2 بليون طن مكافئ ثاني اكسيد الكربون ثالثاً: الصناعات المختلفة وتنتج 2.5 بليون طن. ورابعا الفضلات بأنواعها وتنتج 1.5 بليون طن من مكافئ ثاني اكسيد الكربون سنويا. ومن هنا كان التركيز في اجتماعات كوب 28 على ضرورة سرعة التحول إلى الطاقة المتجددة والانتهاء من الوقود الاحفوري بحلول عام 2040 أو 2050 ومواجهة التصحر من خلال مشاريع موسعة للتخضير.
إن مثل هذا التحول ليس بالأمر اليسيرمن ناحية تنفيذية وذلك للأسباب التالية اولاً: هناك استثمارات بآلاف المليارات من الدولارات في مرافق الوقود الاحفوري ابتداء من المناجم والآبار وانتهاء بالمصافي ومعامل الوقود النهائي. أين ستذهب هذه الاستثمارات؟ ومن يعوض أصحابها عنها؟. ثانياً: هناك استثمارات بالآلاف المليارات أيضا في الأجهزة والمعدات التي تم تصميمها وبناؤها على أساس استخدام الوقودات الأحفورية من فحم وغاز ومشتقات نفطية وان التحول أو الاستبدال الى أشكال الطاقة المتجددة يعني ان 50 % من هذه الاستثمارات سينتهي العمل بها، وأصحابها بحاجة إلى تعويضهم عنها. ثالثاً: ان الدول المنتجة للوقودات الاحفورية يعتمد جزءا كبيرا منها في اقتصادها على عائداتها من النفط أو الغاز أو الفحم والتي تقدر في مجملها 770 مليار دولار موزعة على الدول المنتجة بنسب متفاوته وخاصة دول الأوبك. وهذه الدول لا تستطيع ان  تعوض عائداتها من الوقودات الاحفورية خلال فترة قصيرة 20 أو 25 سنة، خاصة إذا تركت وحيدة في مجال التحّول. وهكذا نجد أن الأطراف الأربعة، رغم قناعتها بخطورة التحولات المناخية، إلا ان التحولات الاقتصادية والتكنولوجية تكتنفها صعوبات كبيرة أمام التنفيذ. وهنا يأتي الدور المهم للدول الصناعية المتقدمة وخاصة أميركا والصين والهند، وهي الملوث ألأكبر للبيئة، من جهة، ودورالجامعات ومراكز البحث والفنيين في الدول النامية من جهة أخرى.
فالدول الصناعية عليها ان تضع برنامجاً لتعويض المستثمرين في الوقودات الاحفورية للتحول والاستثمار في الطاقة المتجددة باشكالها المختلفة دون الانتظار حتى يتم استهلاك الاستثمارات بعد  30 او 40 سنة. وعلى الدول الصناعية ايضاً ان تساعد الدول المعتمدة في اقتصاداتها على الوقودات الاحفورية تساعدها على تنويع مصادر الدخل في اقتصاداتها والتخفيف التدريجي النشط من الاعتماد على الدخل من الوقودات الاحفورية. وهنا يتطلب ان تكون الدول النامية شريكة في إدارة صندوق التغيرات المناخية الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر كوب 28 بحصيلة أو التزام من الدول المختلفة بمقدار87 مليار دولار.
اما الدول النامية غير المنتجة للوقودات الأحفورية ونحن منها فعليها أن تضع برنامجا وطنيا لتخفيف الانبعاثات الكربونية والتحول التدريجي النشط إلى الطاقة البديلة، ومواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية المتسارعة وكأنها حرب، وفي الاطار التالي اولاً: الإدراك اليقيني العميق على مستوى الدولة أن مواجهة التغيرات المناخية مسؤولية وطنية بامتياز، ولا يصنعها الآخرون بل ولا يساعدون في المواجهة. وتتطلب استراتيجية وبرامج وطنية لا تنتظر المساعدات والمنح الخارجية. ثانياً: وضع قواعد وطنية راسخة للأمن المائي ترتكز إلى تحلية المياه بتمويل وطني وبشكل تراكمي في حجم المشاريع ثالثاً: استخدام كل وسيلة وكل تكنولوجيا لحفظ الماء أو تجميعه مهما كانت متواضعة ابتداء من الاستمطار باستخدام الطيارات المسيرة مرورا بتوليد المياه من رطوبة الهواء وانتهاء بالصناديق المائية والزراعة المائية وليس الاعتماد على مصادر خارجية. رابعاً: التوسع في الطاقة المتجددة على أوسع نطاق في مختلف محافظات المملكة وتيسير الأنظمة والتعليمات التي تحكم هذا النشاط خامساً: التوسع في السدود الترابية والبحيرات الاصطناعية ووسائل الحصاد المائي في كل اتجاه سادساً: تحديث قطاع النقل وهو المستهلك الأعلى للطاقة والمصدر الأول للانبعاثات الكربونية والتحول نحو السكة الحديد (دون انتظار سكة إسرائيل) والقطارات والسيارات الكهربائية. سابعاً: تعاقد الحكومة مع الجامعات الوطنية لتقيم كل جامعة مركز أبحاث متخصص يركز على جانب محدد بالتغيرات المناخية. يشمل ذلك المياه والطاقة والمباني والزراعة والأمراض والحشرات والحياة البرية وغيرها. ثامنا: المباشرة بمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر والإفادة من الغاز الطبيعي الوطني بالدرجة الأولى ومنتجات شركات الأسمدة والكيماويات. تاسعاً: التعاون العربي الثنائي أو الثلاثي ما أمكن ذلك .
واخيراً: فإن أزمة التغيرات المناخية بالغة التعقيد والانتشار هي بمثابة حرب من الطبيعة تتطلب العلم والتكنولوجيا والأرادة 
والعمل الجماهيري لمقاومتها. وبسبب احتياجات دول كثيرة للمساعدات فإن انتظار المساعدات الخارجية والاعتماد عليها في البرامج سوف يكون ضياعاً للوقت وللفرص. ان الاعتماد على العقول والخبرات والتمويلات الوطنية تمثل بوابة الآمان لمنع تفاقم الأزمة المناخية وسيطرتها، ومن ثم ارتفاع كلفة مواجهتها.