جهود الأردن.. وأعباء اللجوء

احتفلت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي  20/6 (حزيران) وكما تحتفل في كل عام باليوم العالمي للاجئين. وكان شعار اليوم العالمي لهذا العام بعث «الأمل بالعودة رغم البعد عن الديار». ان اللافت للنظر حسب تقارير الأمم المتحدة أن الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين والنازحين وليست الدول الغنية. وبانتهاء عام 2022 تجاوز أعداد اللاجئين المسجلين لدى المنظمة الدولية 97 مليون لاجئ في حين أن الرقم الحقيقي يتجاوز 165 مليون لاجئ ومهاجر قسراً يأتي معظمهم من الدول النامية.

 وتعتبر المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم تأثراً بموجات اللجوء والهجرة القسرية وهجرة الادمغة والمهارات وذلك بسبب النزاعات والحروب الأهلية من جهة وبطء النمو الاقتصادي من جهة ثانية، والحكم السلطوي وغياب الديمقراطية من جهة ثالثة. وكثيراً ما ينظر إلى موضوع اللاجئين من جوانبه الإنسانية والمعيشية فقط، وهي جوانب غاية في الأهمية. الاّ انه حين تتضخم الأرقام بالنسبة للدول المضيفة، ويتحرك الأمر بعيدا عن التوازن بين حجم السكان وإمكانات الدولة وبين أعداد اللاجئين ومتطلباتهم، اذاك تصبح للأبعاد الأخرى أهمية بل وخطورة لا يجوز تجاهلها، وخاصة في البلدان الصغيرة الحجم، المحدودة الموارد الطبيعية، والمتواضعة الامكانات الاقتصادية. ولعل الاردن نموذجاً عالميا مهما لهذه الحالة.

وهنا لا بد من التأكيد على حقائق رئيسية في هذا الاتجاه .

اولاً: ان المعونات الدولية لا تغطي أكثر من 60 % من الاحتياجات الأساسية للاجئين في حين تتحمل الدولة المضيفة مضطرة الجزء الباقي من كلفة هذه الاحتياجات من خزينتها وعلى حساب مواطنيها. 
ثانياً: ان الاحصاءات الدولية تشير إلى أن 50 % على الأقل من اللاجئين في معظم دول العالم يتحولون إلى مقيمين في الدولة المضيفة، ولا يعودون إلى بلادههم، مما يستدعي استعداد الدولة لمواجهة هذه الحالة في اطار من التخطيط والترتيبات والمشاريع المناسبة. 
ثالثاً: ان تناقصا ملحوظا في اعداد اللاجئين، لا يتوقع حدوثه قبل 17 سنة من موجة اللجوء بالمتوسط، وان التغير يكون بطيئاً والعودة تتجلى بأعداد سنوية قليلة قد تمتد على مدى 30 سنة أو أكثر. الأمر الذي يستدعي الجاهزية المدروسة والمبرمجة للتعامل مع هذه الحالة، ليس فقط من منظور سياسي مع أهميته، وانما من منظور اقتصادي مجتمعي إنساني. 
رابعاً: ان اللاجئين حين يتدفقون بأعداد كبيرة بالنسبة لعدد السكان، يدخلون تغيرات في نسيج المجتمع وبنيته الثقافية والاقتصادية والمهاراتية.  
وحسب التقارير الموثقة تبلغ نسبة اللاجئين في الأردن 31 % من السكان او ما يعادل 3.5 مليون نسمة من 53 جنسية. وهي أعداد ضخمة بكل المقاييس وتعادل 100 مليون نسمة. في الولايات المتحدة الأميركية أو 25 مليون نسمة في المانيا. وكما يقول الملك عبدالله الثاني فقد كانت الأردن منذ عشرات السنين ملاذا آمنا للاجئين الذين تجبرهم الظروف على هجرة أوطانهم لما يتمتع به الأردنيون من تعاطف إنساني وعروبي، وما يتمتع به الأردن من أمن واستقرار وابتعاد عن الانحياز 
والتشدد. ومع هذا، فان التحولات الاقتصادية التكنولوجية المناخية المتسارعة تفرض على الدولة ان تستعد للتعامل مع موضوع اللاجئين في جوانبه الخمسة الأخرى وهي: الجانب الصحي والتعليمي والمجتمعي والمياه والبيئة إضافة إلى السياسية والإنسانية.
ففي الجانب الصحي تتسبب الأعداد الضخمة من اللاجئين والمهاجرين والعمالة الوافدة بضغوط كبيرة على البنية التحتية 
وخاصة المرافق الصحية. هذا، إضافة إلى الاحتمال بنقل الأمراض غير السارية والأمراض الوراثية وغيرها. الأمر الذي يتطلب جهودا إضافية للوقاية الصحية ونفقات كبيرة تتحملها الدولة للمحافظة على مستوى الخدمات دون تراجع. 
وفي جانب التعليم فإن الدولة المضيفة (وهنا الأردن) مضطرة لان تفتح مدارسها لأبناء اللاجئين ابتداء من الروضة وحتى التعليم الجامعي بكل ما يرافق ذلك من ضغوط على المؤسسات التعليمية بمدرسيها ومرافقها ومن ازدحامات في المدارس والمعاهد وحتى الجامعات تؤثر سلبا في البعد التربوي. 
وحالياً فإن عدد الأطفال من اللاجئين السوريين فقط في المؤسسات التعليمية الاردنية  يقترب من 10 % من مجمل الطلبة. والأرقام هذه في تصاعد، الأمر الذي اضطر وزارة التربية والتعليم الى نظام الفترتين في المدارس والتوسع في المدارس المستأجرة. وفي جانب المياه وهي معضلة كبرى للأردن المحدود الموارد المائية، فإن اللاجئين والمهاجرين والوافدين والمقيمين من غير الأردنيين يستهلكون سنويا ما يزيد قليلا عن 300 مليون م3 او ما يقترب من استطاعة محطة التحلية المزمع انشاؤها باستطاعة 350 مليون م3 سنوياً في العقبة مع الناقل الوطني. وقد استهلك اللاجئون السوريون على سبيل المثال (مع الاحترام) ما يقرب من 1.5 مليار م3 على مدى فترة اللجوء، في حين ان سد الوحدة في شمال الأردن لا يصله شيء من مياه اليرموك رغم الاتفاق مع سورية عام 1987. والأرقام في تصاعد بسبب الزيادة السكانية من جهة، واستمرار اللجوء دون عودة من جهة ثانية. لو كان أمر استهلاك المياه في كندا أو الولايات المتحدة الأميركية أو بنغلاديش لكان غير جدير بالبحث بسبب وفرة المياه في تلك البلدان، اما في الأردن فإن الأمر بالغ التعقيد ويتطلب الاستعداد والعمل المبرمج وطنياً ومع المؤسسات الدولية. 
اما الجانب البيئي فلا يجوز إهمال تبعاته، وخاصة في اطار الظروف الطبيعية والجغرافية التي يعيشها الأردن، إضافة إلى ضغوطات التغير المناخي القاسية. وإذا رجعنا إلى مصطلح «استطاعة الأرض التحملية» والتي تعني الحد الأقصى من عدد السكان التي يمكن فيها للأرض ان تتحمله وتتجاوب إيجابيا مع البيئة والزراعة والحياة البحرية، فإن الأردن في ظروفه الحالية قد تعدى الاستطاعة التحملية للأرض، مما يعني تراجع الموارد الطبيعية وأهمها المياه ونوعية الأراضي، وتدهور الحياة البرية والبحرية.
والسؤال هنا هل يستطيع الأردن أن يستمر في هذا الاتجاه دون تغيير جذري للمعطيات القائمة من خلال ثورة علمية تكنولوجية إدارية في البيئة والزراعة والمياه؟ يبقى الجانب المجتمعي واهم مفرداته العمالة والفقر والجريمة والمخدرات. وهنا تبذل الدوائر العسكرية والأمنية والحدودية جهودا متميزة تستحق التقدير للتقليل من الأضرار.
لقد كان إصرار مؤتمر لندن حول اللاجئين السوريين قويا باتجاه فرص العمل والتشغيل وليكن مقابل كل عامل أردني عامل من اللاجئين السوريين. لقد اصدرت وزارة العمل 63 ألف تصريح للعمالة السورية من اللاجئين او ما يعادل
15 % من فرص العمل الغائبة.
وفي الوقت الذي نعبر عن احترامنا وتعاطفنا مع جميع اللاجئين الا ان الحكومة مطالبة بالتعامل مع اللجوء من منظور مسستقبلي عملي وليس سياسي انساني فقط، وربما في الاطار التالي اولاً: الضغط على المنظمات الدولية للوفاء بكامل التزاماتها تجاه اللاجئين ثانياً: الطلب من الدول والمنظمات الدولية تقديم التمويل اللازم لمشاريع المياه والبيئة والتعليم بما يتناسب مع الحجم الاستهلاكي للاجئين ثالثاً: العمل لدى الأمم المتحدة لكي تتحمل بلد الاصل للاجئين مسؤولياتها المالية تجاه اللاجئين من رعاياها حتى عودتهم رابعاً: التفاوض مع دول الأصل للاجئين للتسهيل عودتهم مع المحافظة على حقوقهم وكرامتهم وسلامتهم. 
لقد بذل الأردن وما يزال، بشعبه ومؤسساته وقيادته الجهد الكبير لاستضافة اللاجئين وتقديم فرص الحياة الإنسانية الآمنة، وآن الاوان للمجتمع الدولي وخاصة الدول الغنية ودول الأصل ان تتحمل مسؤولياتها ايضاً.