السياحة.. والمحافظة على المكاسب

حقق القطاع السياحي الوطني انجازات مهمة خلال السنوات القليلة الماضية وارتفع عدد السياح الذين وصلوا الأردن خلال الأشهر الماضية الى 1.5مليون سائح مما كان دافعا لمنظمة السياحة العالمية لإعلان الأردن مقصداً اقليمياً للسياحة العلاجية والاستشفائية، وهو انجاز يستحق التقدير. إن هذا النجاح جاء نتيجة للجهود الكبيرة والاعمال المشتركة ما بين هيئة تنظيم السياحة من جهة ووزارة الصحة بمؤسساتها وكوادرها وخبراتها ومستشفياتها من جهة ثانية (حيث يتعدى العدد 33 مستشفى حكومي اضافة الى المستشفيات العسكرية وعددها (15) والمستشفيات الجامعية وعددها (3)). والمستشفيات الاردنية الخاصة وعددها 71 مستشفى من جهة ثالثة. وفي واقع الأمر فإن الاردن لديه امكانات متمّيزة في العلاج من حيث وجود الاطباء والاستشاريين الخبراء والمستشفيات المجهزة بأحدث الاجهزة والمعدات والملتزمة بالقواعد الصحية الدولية. هذا اضافة الى استمرار تواصل الطواقم الطبية الاردنية مع التقدم العلمي والتكنولوجي في فروع الطب في العالم واستمرار المؤسسات بابتعاث الاطباء للدراسة والتخصص في الخارج وخاصة من مؤسسة طبية اردنية عريقة هي الخدمات الطبية الملكية. كذلك فإن المواقع المختلفة كالبحر الميت وحمامات ماعين والحمة الاردنية وغيرها ووجود مناطق مناخية متعددة تفتح الباب واسعا امام السياحة الاستشفائية.

أما المواقع السياحية فهناك العديد منها كالعقبة والبترا ووادي رم وغيرها. وكما هو معروف لدينا آلاف المواقع الأثرية منها الكبير والمعروف مثل جرش والبترا وام قيس وطبقة فحل وام الرصاص وأم الجمال ومنها ما هو غير معروف للكثيرين. كما أن الأردن غني بالمواقع الدينية والتراثية كالمغطس وأضرحة الصحابة وسواها. وبالنسبة للسياحة التعليمية والثقافية ففي الاردن ما يزيد على 32 جامعة رسمية وخاصة اضافة الى المعاهد بمستويات مختلفة تستضيف 42 ألف طالب وافد، بعض هذه الجامعات تحتل مراتب متقدمة في سلم التصنيفات العالمية للجامعات. ومن جانب الثقافة فإن سلسلة المهرجانات والأيام والمؤتمرات والندوات الثقافية لا تتوقف تقريبا.
ويبقى التحدي الذي تواجهة السياحة في الاردن بفروعها الستة العلاجية والاستشفائية والتعليمية والتراثية والدينية والترفهية يتمثل في كيفية المحافظة على هذا التميّز والتفوق وتجويد نوعيته وادخال تشكيلات جديدة للسنوات القادمة، آخذين بعين الاعتبار ان عدم الاستقرار والنزاعات في الدول المحيطة بنا صرف السياح العرب والاجانب عن تلك البلدان، فوجدوا في الاردن السلام والأمان وحسن المعاملة على المستويين الشعبي والرسمي. فكيف يمكن اعطاء مزيد من الدفع للسياحة ليصبح الاردن مقصداً سياحيا مرغوبا لذاته وله الأولوية مهما تغيرت الظروف في الدول المجاورة لنا؟
تؤكد وثائق الامم المتحدة ان المنظمة الدولية اعتبرت السياحة ركيزة اساسية لخطة التنمية المستدامة 2030 والتي اقرتها الامم المتحدة وصادق عليها الاردن عام 2015، واعتبرتها نقطة انطلاق في فرص العمل وخاصة للنساء والشباب والعمال المهاجرين وسكان الريف في البلدان النامية..”. ونحن اليوم بحاجة للإفادة من السياحة في مواجهة البطالة. لقد بلغت مساهمة قطاع السياحة لدينا أكثر من 13 % من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2022 وهو رقم جيد تماما، وقابل للزيادة.
كل ذلك يتطلب ان تكون هناك رؤية وطنية مشتركة للقطاع السياحي بفروعه الستة تعمل على تنميته واكسابه حيوية مستمرة. وهذا يتطلب اضافات وتحسينات وربما في الاطار التالي:
 اولاً: العمل على تخفيض كلفة السياحة والتي تعتبر عالية بالنسبة لدول اخرى تنافس الاردن مثل مصر وتركيا وقبرص واليونان وغيرها.
 ثانياً مأسسة وتنظيم التشبيك والتعاون بين مختلف المرافق السياحية المتشابهة كالمستشفيات والفنادق والجامعات وغيرها. 
ثالثاً: وضع وإقرار مدونة سلوك يلتزم بها جميع العاملين في القطاع وتهدف في النهاية الى تحقيق المصداقية والموثوقية في مكونات القطاع سواء من حيث الاسعار او مستوى الخدمة او الالتزام بالجودة.
 رابعاً: تنويع مستويات الخدمات الفندقية وإنشاء الفنادق والاستراحات متعددة المستويات حتى يتمكن السائح من  اختيار الفندق الذي يتناسب مع امكاناته المالية، بمعنى من 7 نجوم الى نجمة واحدة.
 خامساً: الاستعانة بالجامعات والباحثين والأكاديميين لزيادة الكتابات والمؤلفات عن المواقع السياحية سواء كانت دينية تراثية او تاريخية اثرية أو علاجية أو تعليمية. 
سادساً: التوسع في انتاج الوثائقيات الترويجية الراقبة عن الاردن وما فيه من امكانات.
 سابعاً: العمل على تطوير وتحديث الصناعات اليدوية السياحية لترتقي في النوعية والمستوى ولتصبح قابلة للتسويق على مستوى عالمي بما في ذلك ادخال تطويرات تكنولوجية غير معقدة تساعد على تحسين النوعية ورفع الانتاجية. كل ذلك من خلال مؤسسة متخصصة على غرار ما نجده في كثير من الدول مثل هولندا والصين ورومانيا وتونس والمغرب وغيرها.
 ثامناً: التوسع في التدريب السياحي المتنوع والمتقدم.
 تاسعاً: تشكيل مراكز او “عواصم” سياحية في كل محافظة تضم المعارض والمتاحف والصناعات اليدوية والكتب والوثائقيات.
عاشرا:  تحسين الطرق والنقل الى المواقع الأثرية والعمل على تخضير تلك المواقع.
إن السياحة رافعة حقيقية للتشغيل وخاصة في الارياف، وقطاع جاذب للاستثمار، اذا عملت الحكومة على تقديم التسهيلات الحقيقية للمستثمر والسائح الوطني والدولي على حد سواء.