القدس وفلسطين والأردن في رؤية الفنان…

بعد طول جهد واهتمام وعمل متواصل دؤوب،  صدر باللغة الانكليزية كتاب متميز و أنيق  بكل معنى الكلمة،  يجمع القدس وفلسطين والأردن،  و التي ترتبط بأكثر الروابط  متانة و ديمومة،  في إطار فني جميل .والكتاب يحمل عنـــوان “ القدس وفلسطين  والأردن – من أرشيف هشام الخطيب”.  صحيح أن المؤلف،  لمن لا يعلم،  هو واحد من خبراء الطاقة المرموقين في بلدنا وعلى المستوى العربي  والدولي،  ولكنه بالإضافة إلى تخصصه في الطاقة،  فإنه متذوق رفيع  للفنون والثقافة،  وشديد الاهتمام بها،  وخاصة الفنون المعبرة عن التاريخ والمجتمع.  لقد استغرق كل ذلك منه الشئ الكثير من الوقت والجهد والمال، و لكن النتائج كانت متميزة..
اهتم هشام الخطيب بجمع اللوحات الفنية الواقعية المرسومة بالزيت أو الألوان المائية،  والكتب القيمة القديمة،  والخرائط الفريدة،  وحتى البطاقات و الصور التاريخية. فتراكمت لديه مجموعات منها صنعت مكتبة فنية ذات طابع خاص تضم المئات من اللوحات والمخطوطات الأصلية النادرة.
وفي هذا الكتاب” القدس وفلسطين والأردن”،  و هو كتابه الثاني  في هذا المجال،  اختار المؤلف مجموعات من اللوحات الفنية المرسومة لعدد من مشاهير الرسامين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر و أوائل القرن العشرين والتي كان قد جمعها على مدى أكثر من (40) عاماً . تلك اللوحات تمثل الحياة العامة في القدس وفلسطين والأردن،  وتركز بشكل خاص على المعالم التاريخية والدينية والثقافية و الطبيعية للمدينة المقدسة و القرى في فلسطين و الأردن. وأضاف إلى اللوحات شرحاً موجــزاً يبين الظروف المحيطة بكل لوحة . وكما يقول المؤلف لم يكن الهدف من هذا العمل الكبير أن يكون كتابا في التاريخ أو السياسة،  و لكنه كتاب في التراث والفن . و واقع الأمر أنه جمع بين هذا و ذاك. أن قيمة الكتاب حقيقة والذي يقع في ما يقرب من (300) صفحة ملونة من القطع الكبير تتجلى في عدد من العناصر . الأول : القيمة الفنية: والكتاب هو مجموعة من اللوحات الفنية  والصور الفوتوغرافية والبطاقات الرفيعة المستوى والمرسومة باليد وبالألوان الطبيعية. وتمتاز بدقة التعبير وحيوية التمثيل للمشهد سواء كان ذلك شخصية بسيطة أو مبنى قديماً أو منظراً عاماً لقرية أو حيا في مدينة . الثاني : القيمة التاريخية : إن تسلسل اللوحات الفنية في الزمان تنقل القارئ نقلة هادئة وعميقة مع تغير التاريخ ومع حالة التطور التي أصابت المنطقة  ابتداء من نهايات القرن الثامن عشر . والأهم من كل ذلك انها أن توثق عروبة المنطقة بكل تفاصيلها وخاصة القدس وفلسطين. وهذه مسألة بالغة الأهمية في الفترة الراهنة إزاء محاولات إسرائيل الدؤوبة لطمس التاريخ العربي وتغيير الجغرافيا وتزوير العمران و تهويد القدس. الثالث : الترابط الإجتماعي حيث تظهر العلاقة الوثيقة بين الأردن وفلسطين والشراكة بين البلدين في الثقافة وفي العادات وفي المظاهر وفي العمران هذا إضافة الى الروابط المختلفة الأخرى. الرابع أعمال الفنانين : فالكثير من اللوحات بل غالبيتها العظمى لفنانين من ايطاليا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وهولندا جاءوا الى الأراضي المقدسة إما كسائحين أو مبتعثين من حكوماتهم أو فنانين متجولين جذبهم الشرق بكل ما فيه . وهؤلاء الفنانين تركوا أعمالاً متميزة ولكنها ربما تشارف على الضياع. والمجموعة التي يقتنيها هشام الخطيب في مكتبته جزءمن تلك الأعمال.الخامس التأريخ للفنانين فالكتاب في الجزء الأكبر منه يسجل السيرة الذاتية للفنان سواء كان رساما أم مصورا أم رحالة أم مغامرا أو مكتشفا. ولكن الحلقة التي تجمع كل هؤلاء تتمثل في اهتمامهم بتسجيل ما رأوه في القدس و فلسطين والأردن. ولا يفوت المؤلف بطبيعة الحال أن يعلق على أسلوب عمل الفنان والمدرسة الفنية التي ينتمي إليها والأدوات التي يستخدمها.السادس الأجزاء المخفية  يبدو المؤلف شغوفا بل حريصا على أن يعرض في الكتاب أعمالا فنية متميزة تمثل تلك الأجزاء المخفية  أو غير المعروفة من القدس بالدرجة الأولى،  وفلسطين والأردن بدرجة ثانية. والأجزاء المخفية لها أهميتها الفنية و السياسية بالنسبة للقدس نظرا للإدعاءات الإسرائيلية الكثيرة والزائفة في هذا المجال.
وأخيرا،  فنحن أمام عمل فني و توثيقي شبه موسوعي من الطراز الأول،  يستطيع أن يقرأه المرء على مدى أيام،  وأسابيع وأشهر،  وسيجد فيه في كل مرة المتعة والمعرفة والتوثيق والمرجعية الصحيحة، و تستطيع المكتبات أن تضعه في مقدمة مقتنياتها . إنه جهد يستحق الثناء والتقدير.