التغيير والتحديث…. أساس العقد الإجتماعي

لا أحد يريد أن يحمل الحكومة الجديدة مسؤولية أخطاء الحكومات السابقة، أو يطلق الأحكام المسبقة قبل استحقاقاتها العملية. ولكن السؤال الذي يتبادر على لسان كل مواطن، ويحمل وراءه التخوف من تكرار نفس المشهد السؤال هو : “ لماذا نتحدث عن الإصلاح والتغيير حكومة وراء حكومة؟ وبياناً وزاريا وراء بيان؟ وتصريحات من الرئيس وراء تصريحات؟ ثم لا يقع شيئاً يذكر يشعر به المواطن على مدى السنوات، وعلى تعاقب الحكومات؟ فالكثير من الاصلاحات والتغييرات لا تؤذي أحدا ولا تصادر امتيازات أحد، ومع ذلك لا تتحقق. لماذا؟ هل هو التردد أم الخوف، أم عدم الايمان بضرورة الإصلاح؟ أم عدم الرغبة بتحريك المياه الراكدة ابتعادا عن المشقة والمواجهة؟ أم ضيق الوقت وغياب المساندة الشعبية؟ أم صعوبة جميع المواضيع واستحالة الحلول وعدم جدواها؟ أم عدم القدرة على اتخاذ القرار أمام تدخلات خارجية هنا وهناك؟ أم الاكتفاء بتسيير الأعمال واستئثار السلامة؟
هل من المعقول أن الأردن بما لديه من سياسيين وعلماء ومتعلمين وخبراء ومؤسسات ومفكرين وشباب وقيادة واستقرار لا يستطيع ان يتصدى لمشكلة واحدة، فيضع لها الحلول ويخرج منها منتصراً منجزاً؟ سواء كانت البطالة أو الإدارة المحلية أو تنمية المحافظات أو النقل أو عجز الموازنة أو التهرب الضريبي أو التعليم أو السياحة أو الصناعة أو الزراعة أو غير ذلك الكثير؟
اليوم ونحن أمام حكومة جديدة تتحدث عن “عقد اجتماعي جديد” يتم فيه تحديد مسؤوليات الحكومة وواجباتها إزاء المجتمع، ومسؤوليات المجتمع وواجباته إزاء الوطن والمؤسسات والقانون، فكأنما تلزم الحكومة نفسها بالتغيير، والخروج عن “ النمط التقليدي القائم على الهروب من المشكلة وتأجيل المواجهة لتأتي حكومة جديدة فتجد الأمور أكثر صعوبة”. اليوم ونحن نعيش عصر المعلومات والانفتاح، لم تعد العبارات الاعلامية مهما كانت جميلة تحدد موقف الجمهور، وانما يحدد هذا الموقف الأداء الفعلي للحكومة وللجهاز الرسمي بكامله، وهي مهمة صعبة ولكنها ممكنة. وهذا يعني انه لا بد للحكومة أن تضع لنفسها خارطة طريق على مدى 5 سنوات وتكون فيها الأهداف واضحة وقابلة للقياس. ولعل الخارطة التي يتطلع اليها الجميع تقوم على المحاور الرئيسية التالية: أولاً : تقليص البطالة من 18.4 % إلى 10% خلال السنوات الأربع القادمة حت نصل إلى المعدل العالمي. ثانياً : التحول نحو الاقتصاد الانتاجي الحديث بدلاً من الاقتصاد الريعي، وهو ما ينادي به الدكتور عمر الرزاز نفسه. وحتى لا تضطر الدولة إلى الاقتراض والمساعدات، فلا بد من أن يكون الاقتصاد اجتماعياً أي يعتمد على ثروات ومدخرات ومساهمات المجتمع الأردني نفسه. ثالثاً : التحرك الحثيث والفعلي نحو الديمقراطية من خلال تعديل قوانين الانتخاب والأحزاب حسب التوافق المجتمعي، وبمشاركة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ووقف التدخل المباشر وغير المباشر، المعلن والضمني، والصريح والمخفي، في الانتخابات وفي الأحزاب حتى تنمو المؤسسات الحزبية وتأخذ دورها الفاعل، والتي يجب أن ينظر اليها على أنها جزء أساسي من آليات الدمج والتناغم الاجتماعي والجهوي والفكري والسياسي بين مكونات المجتمع المختلفة. رابعاً : الولاية الكاملة للحكومة والتي لا تتحقق الا بمواجهة المسؤوليات بشجاعة، وباقتناع المجتمع ومؤسساته المدنية بحسن أداء الحكومة وقدرتها على أن تكون قدوة في النزاهة والإنجاز، ومحركاً في وقف الفساد الإداري والمالي والقانوني.
إن محور الاقتصاد الانتاجي الاجتماعي وهو المدخل الوحيد لتقليص البطالة وزيادة عائدات الدولة يتطلب 1- انشاء مشاريع انتاجية جديدة بمبادرة ومشاركة حكومية. 2- دعوة الشركات الكبرى لإنشاء مشاريع متفرعة عن صناعاتها وأعمالها الرئيسية. 3- تقليص المستوردات حسب التقدم الانتاجي الوطني ودعم الجمعيات التعاونية لتمويل وإدارة المشاريع.4-تحويل الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام إلى واقع عملي بدلا من المشاركة الكلامية.
كما أن محور الديمقراطية يتطلب 1- اقرار مدونة سلوك العمل السياسي والحزبي لتكون مكملة للقوانين والأنظمة، وملزمة لجميع الأطراف ويترتب على مخالفتهاحرمان من الامتيازات والفرص. 2- مشاركة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة والجامعات في وضع البرامج المختلفة. 2- تقليص حجم البرلمان إلى (80) عضواً والأعيان إلى (40) 3- التشاور المستمر مع المتطوعين دون مقابل من المفكرين والخبراء والعلماء والأكاديميين بشكل منتظم. أما محور الولاية الكاملة للحكومة فيتطلب 1- تحديد عمر الحكومة بـ (4) سنوات حتى تستطيع وضع وتنفيذ برامجها وحتى تتمكن من تحريك الجهاز الحكومي وبلورة مشاركة المجتمع. 2- دمج المؤسسات المستقلة وتقليص النفقات الحكومية واشهار ذمة المسؤولين حتى مستوى مدير دائرة تحت طائلة المساءلة القانونية 3- وضع حد أعلى ومعلن للدخول الحكومية من رواتب ومكافآت وبدلات ومعلوليات وتنقلات وخلافه 4- مواجهة التهرب الضريبي والفساد والامتيازات الزائفة والمعلوليات المفبركة، إداريا وقانونيا وتكنولوجيا بحزم، واعطاء مهلة 3 أشهر لإعادة المال العام ليتم بعد ذلك ملاحقة المشبوهين بكل الوسائل.
وأخيراً، وفي إطار الاقتصاد الإنتاجي الاجتماعي، لا بد أن تخصص الحكومة مبلغا لا يقل عن 200 مليون دينار سنوياً لإنشاء مشاريع انتاجية جديدة في المحافظات بالتشارك مع مختلف الأطراف.
إن الالتزام بخارطة الطريق ممكن، ودعم المواطنين لهذا الالتزام ممكن، وسيتحمل المواطن الفترات الصعبة من أجل مستقبل وطنه، إذا لمس الجدية والعزم والشفافية والقدوة لدى الحكومة وجهازها الوظيفي، الذي يحتاج إلى مدونة سلوك ذات قوة قانونية، يلتزم بها كل في قطاعه لإنجاح برامج الحكومة، ويحتاج مشورة أهل الخبرة وهم كثر من خلال لجان استشارية تطوعية حتى يشارك الجميع في العمل والإنجاز.