البرلمان التاسع عشر.. بين التقليد والتجديد

تم انتخاب البرلمان التاسع عشر قبل أسابيع قليلة في ظروف صحية واقتصادية بالغة التعقيد، وكانت النسبة العامة للمشاركة في الانتخابات (30 %)، ارتفعت في المحافظات والأرياف، وانخفضت في المدن وخاصة عمان وإربد. و بدأت الدورة الأولى للبرلمان يوم الخميس المنصرم. وستكون المهمة العاجلة لمجلس الأمة التحرك في إطار خطاب العرش السامي، وإقرار قانون الموازنة والثقة بالحكومة إضافة إلى تشكيل اللجان الخاصة بعد أن تم انتخاب رئيس للبرلمان.
لكن المواطن يسأل: ما الجديد؟ هل سيسير البرلمان التاسع عشر على النمط والمنوال والتعامل نفسه الذي سارت بموجبه البرلمانات السابقة؟ وخاصة الثامن عشر والسابع عشر؟ علماً أن (100) عضو تقريباً هم برلمانيون جدد للمرة الأولى. هذا على الرغم من إن كثيرين من الخبراء والمحللين يقولون: “إنه ما دام قانون الانتخاب في الجوهر على ما هو عليه منذ 1993 ، يقوم على “الفردانية”، رغم القوائم الشكلية، وغياب البرامج التي تسندها كتل حزبية متماسكة ومتحالفة، وما دام قانون الأحزاب على ما هو عليه، يضع الأحزاب على هامش العملية السياسية، فلا ينبغي أن نرفع سقف التوقعات بالتغيير، والوصول إلى مرحلة متكاملة من الديمقراطية، استجابة لمتطلبات الدولة الحديثة، وانسجاما مع دعوة الملك في الأوراق النقاشية. كل هذا حتى لو كانت الوجوه جديدة. فهذه الوجوه التي لها كأشخاص كل الاحترام والتقدير، هي حصيلة خط الإنتاج ذاته. وسيشهد العام 2021 المئوية الأولى للدولة الأردنية التي حققت خلال مسيرتها الصعبة الكثير من الإنجازات المتميزة التي يعتز بها الأردنيون جميعا، وعلى كل صعيد، بما في ذلك مسيرتها البرلمانية التي بدأت قبل (73) عاما. و رغم كل التعقيدات الراهنة والمتوقعة ، فإن الأمل يحدو الكثيرين، ولأسباب رئيسية ثلاثة، بأن يقع قدر كبير من التغيير الايجابي تكون له قيمة اقتصادية اجتماعية، يشعر بها المواطن وتعيد له الثقة بمجلس الأمة والحكومة على السواء:
الأول: إن الأوضاع غير الطبيعية التي فرضتها جائحة كورونا وتأثيرها السلبي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، إضافة إلى الأذى والإشكالات الكارثية إلى أبعد الحدود التي ألحقتها إدارة ترامب في المنطقة، كل ذلك يتطلب العمل النوعي والمسؤولية الأخلاقية والوطنية العالية على طريق مساعدة الدولة للخروج من الازمة في أقرب وقت وبأقل الأضرار. الثاني: إن دعوة الملك لمجلس الأمة وبالدرجة الأولى البرلمان في خطاب العرش إلى العمل المشترك مع الحكومة والقطاع الخاص؛ لتعزيز الإمكانات الوطنية في الصحة والزراعة والصناعة على أسس راسخة من التكنولوجيا الحديثة والبعد عن الفساد تمثل البوابة الرئيسة لخروج الأردن من الأزمة الراهنة بما فيها البطالة.
الثالث ان المواطن رغم خيبات أمله المتكررة في آداء البرلمان الثامن عشر وما سبقه، فمازال لديه الأمل بأن يتلافى البرلمان التاسع عشر أخطاء سلفه، ويكون أكثر تفاعلاً مع آمال المواطنين وتطلعاتهم، وفي مقدمتها ترسيخ دولة الإنتاج، وسيادة القانون تعزيزا للأمن المجتمعي، واستكمال متطلبات المسيرة الديمقراطية في البلاد.
وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من النقاط يتوقع المواطن أن ينتبه لها البرلمان في الفترة المقبلة. أولاً: إن الجزء الأكبر من النواب ليس لديهم الخبرة السياسية والتشريعية والاقتصادية المسبقة، إضافة إلى الخبرات في مجالات أخرى متعددة. وإن النائب، وهو نائب وطن وليس ممثل خدمات، وليس لديه مكتب من المستشارين والخبراء والمختصين، الأمر الذي يستدعي انفتاح أعضاء المجلس، و بشكل خاص اللجان
و الكتل البرلمانية، على أهل الخبرة والعلم من خارج المجلس حتى يتم إمدادهم بالمعلومة الصحيحة والرأي العلمي لتتحرك مواقفهم بالاتجاه الصحيح. هذا إضافة إلى التعاون مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني حسب الاختصاص. ثانياً: إن شعار المرحلة يتمثل في سيادة القانون، وإنه لا أحد فوق القانون كما قال الملك عبد الله الثاني، وإن لا مجاملة أو محاباة في تطبيق القانون، كما قال وزير الداخلية. وهنا لا بد من الاعتراف والتذكير بأن النواب في المجالس السابقة، كان لهم الحظ الأكبر من المجاملة والمحاباة
والتوظيف غير المباشر، وخاصة في التكفيل والإفراج عن ذوي الاسبقيات، وهو أمر لا بد أن ينتهي. ثالثا : المطوب هنا أن يضع المجلس التاسع عشر مدوّنة سلوك أخلاقية، كما هو في كثير من البرلمانات في الدول المتقدمة، تحافظ على مكانة النائب في نظر المواطن، وتضع ضوابط مناسبة تمنع النائب من تجاوز القانون أو الالتفاف حوله، أو البحث عن ثغرات فيه. وهناك مدوّنات سلوك برلمانية في عدد من الدول تحاسب النائب على الهدايا، والتغير في الممتلكات، ونفقات السفر، وحتى الوظيفة بعد انتهاء عضويته في البرلمان لئلا تكون رشوة مؤجلة. رابعا: إن الحكومات المتعاقبة لم تلتزم بأي استراتيجية وطنية تحدث فرقاً يلمسه المواطن سواء في الزراعة أو المياه أو الصناعة أو النقل أو البطالة أو التعليم أوالموارد البشرية وغيرها. والمطلوب أن يعمل البرلمان التاسع عشر على معالجة هذه المسألة وإعطاء صفة قانونية لأي استراتيجية يتم إقرارها، حتى تأخذ طريقها إلى التنفيذ والاستكمال ، خاصة أن تبعات الكورونا والتراجع الاقتصادي والتغيرات المناخية ستترك آثاراً اجتماعية وإنسانية سلبية جداً وخلال فترات قصيرة من الزمن. خامسا: إن المخدرات والخروج على القانون من خلال الإتاوات والخاوات والفساد والمحسوبية والتستر على ذلك بسبب الفساد من جهة وخوف المواطنين من جهة ثانية وغياب القوانين الرادعة وكثرة الثغرات في قوانين العقوبات الحالية كل ذلك خلق حالة أمنية غير مطمئنة. والمتوقع أن يعمل البرلمان الجديد على إصدار تشريعات قاسية محكمة ومتماسكة لا مجال للتلاعب فيها أو من خلالها إزاء الجريمة وتهديد أمن المواطنين. سادسا: ان المنطقة العربية هي اليوم ابعد ما تكون عن الاستقرار والتقارب، وقد نجح ترامب في سياسة الابتزاز الفج في طول المنطقة وعرضها، وقدم العون لإسرائيل لتمعن في إجراءاتها الاحتلالية و سياستها التوسعية وبرنامجها التهويدي للاماكن المقدسة و ابتلاع الأراضي الفلسطينية واستبدال السلام بمتطلباته السياسية وفق القانون الدولي لتحل محله بدائل تجارية تطبيعية هزيلة، بكل ما يحمل التغول الإسرائيلي من أخطار على الأردن الذي يدعم الحقوق الفلسطينية ويدعو إلى حل الدولتين. الأمر الذي يتطلب الوعي والحكمة من الجميع، وموقفا قويا تشاركيا من البرلمان، و يتطلب من الحكومة أن تعمل بالمبدأ الذي يقول :” إن البرلمان القوي المستقل المستند إلى العلم والخبرة وثقة المواطن هو قوة للحكومة وسند للدولة للصمود في وجه الضغوط” التي ستواجهنا في مسقبل الأيام.