حراثة البحر في مشكلة البطالة!!

لا يدري المواطنون كم سنة ينبغي أن تمر حتى تقتنع الإدارة الرسمية أن تصاعد البطالة بشكل مضطرد سنة بعد سنة دليل قاطع على خلل هيكلي في بنية الاقتصاد الوطني وفي إدارة القوى البشرية وفي توجيه التعليم من قبل الحكومة. فخلال السنوات العشر الماضية منذ عام 2008 وحتى عام 2018 ارتفعت البطالة من (12%) إلى (18.7%) وهي أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغ (7.9%). ولا يدري المواطن أي مستوى للبطالة يمكن أن يشكل صدمة حقيقية للإدارة حتى تبدأ بمعالجة الموضوع بشكل علمي ومبرمج رغم دعوات الملك المتكررة في هذا الاتجاه.

وإذا كان المعدل العام للبطالة (18.7%) فإن البطالة في عدد من المحافظات تصل إلى (22%) و(25%) و(27%). كما أن البطالة بين الجامعيين تتعدى (30%) وبين الفتيات الجامعيات تقترب من (47%) مقابل المعدل العالمي للبطالة (7.9%). ولا تزال مشاركة المرأة في سوق العمل بحدود (15%) وهي من أدنى المستويات العالمية.

إن الترجمة العملية للبطالة إنها «قنبلة سياسية اجتماعية موقوتة تتألف من الإحباط والغضب والعدمية والكراهية والاستقطاب والتطرف والفقر وفقدان الثقة بالدولة وضياع الأمل بالمستقبل».

ومرة بعد مرة تحاول الإدارة إطفاء الغضب بتمرير عدد من الوظائف والتعيينات قد تكون مئة (100) أو (1000) أو حتى (30) ألف وظيفة. وهي بذلك توسع البطالة المقنعة، وتزيد الأجهزة الإدارية ترهّلاً، وترفع من النفقات الجارية التي هناك عجز في تدبيرها. والاهم إن مثل هذه التوظيفات مع كل ذلك لا تحل المشكلة. فالعاطلون عن العمل يتجاوزن (330) ألفا ويتزايدون سنوياً بمعدل (40) ألف متعطل جديد.

هل هناك حلول؟

هل واجهت الدول الأخرى مثل هذه الحالة؟

الإجابة ببساطة نعم والبّوابة الرئيسية والوحيدة للحل هي: «تصنيع القطاعات الاقتصادية وإنشاء المشاريع الإنتاجية الجديدة» وليس الاستمرار في إصلاح البنية التحتية المتوسعة. وفي غياب المشاريع الجديدة وعدم الاكتراث بأوضاع المصانع القائمة فإن البطالة ستتفاقم يوماً بعد يوم إلى حد الانفجار. كذلك فإن تحوّل الطلبة من الجامعات إلى المعاهد المهنية والكليات التطبيقية فقط لن يحل المشكلة وستصبح البطالة بين خريجي الكليات والمعاهد إضعاف ما هي عليها الآن. حين يتجه (55%) من طلبة الثانوية في سويسرا وألمانيا وسنغافورة إلى المعاهد والمدارس المهنية والتكنولوجية. هناك في كل بلد آلاف المصانع والشركات التي تنتظر هؤلاء الخريجين. أما بالنسبة لنا فإن السؤال الذي تتهرب الإدارات المتعاقبة من الإجابة عليه هو: أين سيعمل هؤلاء الخريجون سواء كانوا جامعيين أو كليات متوسطة أو معاهد؟ أين سيعمل خريج معهد في الطفيلة؟ وأين سيعمل خريج جامعة في معان؟ وأين سيعمل خريج معهد في عجلون؟.. المسألة ليست في ماذا يدرس الطالب. المسألة أين سيعمل؟ وهل يولد الاقتصاد ما يكفي من فرص العمل؟

إذا لم تتحرك الدولة للمساعدة في إنشاء مشاريع جديدة وتفتح فرص عمل من خلال مشاريع إنتاجية جديدة: فإن المهندس لن يجد عملاً والطبيب والفني والمحاسب والفيزيائي ودارس التاريخ والاقتصادي والعامل والحارس والمراسل كل هؤلاء لن يجدوا عملاً.. هل ندرك ذلك الإدارة تتفرّج على شركات تتعثر ومصانع تغلق أبوابها في الوقت الذي تفتح فيه الحكومة الأبواب على مصاريعها للاستيراد لكل سلعة صغرت أو كبرت حتى وصلت مستورداتنا (21) مليار دولار. أي أن كل شخص في الأردن بما في ذلك اللاجئون يستورد من أجله بما قيمته (1500) دينار سنوياً أي (4) دنانير يومياً.. هل هذا معقول؟ مقابل استيراد (0.44) دينار للفرد في تركيا مثلاً. إن الولايات المتحدة الأميركية لم تتردد بوضع رسوم على المستوردات حينما وجدت أنها تهدد صناعاتها الوطنية.

إن مؤتمرات لندن واجتماعات الملتقى الاقتصادي العالمي والمساعدات الأميركية وموافقات البنك الدولي وابتسامة صندوق النقد الدولي والمساعدات الأوروبية والعربية كلها لم تحل المشكلة ولن تحلها. لأن الحل ينبع من الداخل من الإدارة الأردنية والقرار الأردني. فلا يوجد دولة في العالم النامي استطاعت حل مشكلاتها الاقتصادية الاجتماعية عن طريق الآخرين ومعوناتهم، خاصة وإن المعونات التي وصلت إلى الأردن على مدى العشرين سنة الماضية فقط تزيد على (27) مليار دولار لكنها ذهبت إلى ما ليس له علاقة بالبطالة أو المشاريع الإنتاجية. إن برنامج الحل الذي اتبعته الدول الناهضة يتمثل بما يلي:

أولاً: معالجة مشكلات الاستثمار الوطني أولاً وفوراً سواء بالنسبة للمشاريع والشركات القائمة أو تلكؤ الجهاز الإداري أو العقبات القانونية والإجرائية.

ثانياً: دفع الشركات الكبرى القيادية لإنشاء مشاريع جديدة ذات علاقة بمنتجاتها. وهذا يمكن أن يتم بالتفاوض المباشر معها.

ثالثاً: إنشاء مشاريع إنتاجية جديدة في المحافظات بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وجمعيات تعاونية في المحافظة.

رابعاً: إعادة إنشاء بنك التنمية الصناعية أو الاتفاق مع البنوك القائمة لتخصيص شريحة مالية للتنمية الصناعية. خامساً: إنشاء نافذة استثمار واحدة حقيقية وليست شكلية والتزام دائرة الاستثمار بالإنجاز خلال مدة لا تتجاوز (3) أيام بالقانون.

سادساً: معالجة الخلل في إجراءات القضاء بما في ذلك إنشاء محاكم خاصة للاستثمار.

سابعاً: إنشاء شركة قابضة في كل محافظة بالشراكة بين الحكومة والقطاع المصرفي والقطاع الخاص والجمعيات التعاونية للمحافظة للسير في مشاريع المحافظات.

ثامناً: وقف الاستيراد للسلع التي يمكن إنتاجها محلياً بجودة عالية ومن عدة منتجين.

تاسعاً: قيام كل وزارة ومؤسسة بتحسين مؤشرات الأداء ذات العلاقة بالمشاريع والاستثمار وغيرها من المؤشرات التي يركز عليها المستثمر ليتم وضع الأردن في ترتيب بين (50) و(60) بالنسبة لدول العالم خلال فترة (3) سنوات. عاشراً: العمل على تخفيض كلفة الاستثمار وتقليص الفروق الكبيرة بين فوائد الإيداع وفوائد الاقتراض.

وأخيراً فإن هناك عشرات الإجراءات الإضافية التي يمكن تطبيقها لتحسين الظروف تخلق فرص عمل حقيقية ودائمة خارج الوظيفة الحكومية وذلك هو الطريق الوحيد لمستقبل أفضل من خلال بناء الاقتصاد الصناعي الاجتماعي.