القبول في الجامعات.. من النوعية الى الشعبوية

أعلن مكتب القبول الموحد أن الجامعات الرسمية سوف تقبل ما يقرب من 52 ألف طالب من المتقدمين لدخول الجامعات. بينما تطالب الجامعات الرسمية أن يرتفع الرقم إلى 65 ألف طالب، وهذا الرقم أعلى تماماً من الطاقة الاستيعابية للجامعات الرسمية والتي لا تتجاوز 20 ألف طالب جديد سنويا إذا كانت نوعية التعليم وأهلية الخريج الجامعي هي البوصلة التي توجّه القرار.. إن قبول مثل هذه الأعداد الضخمة من شأنه أن يكون مقبولا شعبويا ومرحبا به، باعتبار أن كلفة التعليم أصبحت عبئا اقتصاديا ثقيلا على الأسرة الأردنية.
غير أن ذلك يخفي وراءه العديد من المخاطر بعيدة المدى التي سوف تؤدي إلى تراجع التعليم، وعلى النحو التالي:
أولاً: سيصبح الرقم 52 ألفا أو 65 ألفا مؤشراً على القبول في السنوات القادمة وبالتالي سوف يستمر الاكتظاظ الطلابي في الجامعات الرسمية عاما بعد عام.
ثانياً: أن الجامعات الرسمية لديها حاليا زيادة عن الطاقة الاستيعابية تتراوح بين 26.5 ألف طالب إلى 40 ألف طالب. ومثل هذه الزيادة تعني أن الجامعات لكي تحافظ على النسبة القائمة بين الأساتذة والطلبة بحاجة إلى ما يقرب من 1000 عضو هيئة تدريس، إضافة إلى المرافق المختلفة من مختبرات وقاعات وساحات ومصادر تعليمية وغيرها.
ثالثاً: أن الجامعات الرسمية لا زالت تتطلع إلى قبول أعداد من الطلبة في الموازي والدولي إضافة إلى المكرمات، الأمر الذي سوف يعمل على الإضرار البالغ بالتعليم الجامعي وتحويل الجامعة إلى مدرسة عليا.
رابعاً: أن الأعباء الملقاة على أعضاء هيئة التدريس في الجامعة المكتظة بالطلبة ستكون ثقيلة وعلى حساب الأداء، وسوف يغيب الجانب التربوي تماما، ويتلاشى دور الجامعة في صقل شخصية الطالب وتحويله من متلقي معلومات إلى مشارك في التفكير والتحليل والتعلّم.
خامساً: أن البرنامج الموازي فيه مخالفة واضحة للدستور؛ لأنه يميز بين الطلبة على أساس قدراتهم المالية، ولا يعاملهم بالتساوي كمواطنين متكافئين في الحقوق والواجبات، إضافة إلى أن الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية تضمنت بنوداً تقضي بالغاء الموازي بالتدريج وذلك منذ عام 2017، وما يجري اليوم هو عكس ذلك تماماً.
سادساً: أن الموازي لا يحل المشكلة المالية للجامعات إلا على حساب نوعية التعليم وجودته ولفترة محدودة. ولا بد من التفكير بأساليب أخرى أكثر عدالة من جهة وأكثر ديمومة من جهة أخرى.
سابعاً: أن المشكلة المالية للتعليم العالي لا يمكن الانتهاء منها بشكل يحافظ على إمكانيات الجامعة للتحسين والتطوير والاضافة إلا من خلال إنشاء صندوق أو بنك التعليم وصناديق وقفية لكل جامعة سواء كانت خاصة أو رسمية.
ثامناً: يعمل بنك التعليم على تقديم قروض بدون فوائد للطلبة يتم تسديدها بعد تخرج الطالب والتحاقه بالعمل. وفي هذا يتحمل الطالب مسؤولية نفسه، ويخفف الضغط على أسرته، ويعزز روح المسؤولية والجد في الدراسة وما بعدها. وهو نظام متبع في كثير من دول العالم.
تاسعاً: في الوقت الذي تكتظ فيه الجامعات الرسمية باعداد كبيرة من الطلبة، فإن هناك استطاعة استيعابية كبيرة في الجامعات الخاصة غير مستغلة. وذلك يعني هدراً للاستثمارات الوطنية التي تقدر بمئات الملايين من الدنانير، وإضعافا لمنظومة التعليم بكاملها.
عاشراً: إنه من الأفضل للطالب والدولة، بدلا من ارهاق الجامعات الرسمية بمزيد من الطلبة أن تتعاقد الحكومة مع الجامعات الخاصة لاستقبال الطلبة على نفقة الحكومة وفق شروط إدارية وأكاديمية ومالية مناسبة.
حادي عشر: أن معدلات التوجيهي المبالغ فيها قد خلقت ازمة جديدة، بحيث اصبح الطالب المتميز والذي يزيد معدله على 90 غير قادر على دخول التخصص الذي يريد، الأمر الذي سيجبر مثل هؤلاء الطلبة وذويهم على الشعور بالغبن والظلم والإحباط.
ثاني عشر: أن أكثر من 60 % من المقاعد الجامعية في الجامعات الرسمية ليست خاضعة لمبدأ التنافس المفتوح المتكافئ وهذا يضعف التعليم من الداخل ويشيع روح الظلم لدى الطلبة المنافسين.
ثالث عشر: لقد كانت الفكرة من مفهوم الأماكن الأقل حظا التي بدأت في أواسط التسعينيات، أن تكون لفترة زمنية محدودة قدرت بنحو عشر سنوات، يتم خلالها دعم التعليم في تلك المناطق ورفع مستوى المدرسة والمعلم والطالب حتى تتساوى مع المناطق الأخرى. لا أن يصبح عنوان الأقل حظا حالة دائمة تؤدي إلى دخول طلبة غير متساوين مع أقرانهم ليدرسوا مواد ربما غير مؤهلين لها.
وأخيرا فإن هذا التناول العشوائي بقصد الشعبوية والاسترضاء يخلق من المشكلات أكثر مما يقدم من حلول، ويذهب بالتعليم العالي إلى التركيز على الكم وليس النوع، ويترك الجامعات الوطنية الخاصة، المعتمدة وطنيا ودوليا، فريسة للتوقعات والمفاجآت، ولا يقدم حلولا دائمة للطالب أو الأسرة أو الجامعة أو الدولة.