نتنياهو … وكوشنر … ما وراء المنامة

بعد صمت الطبول  واطفاء الانوار حول  كوشنر في ورشة المنامة ينبغي التفكير فيما هو وراء الحفل والكلمات والمشاريع. وتدل جميع المؤشرات على أن هناك أهدافاً  أربعة غير معلنة للقاء المنامة: الأول خاص بالمسألة الفلسطينية والثاني بالانتخابات الأمريكية القادمة والثالث بالخليج العربي والرابع بالجماهير العربية عموماً.

صحيح أن أهم ما ميز الورشة ذلك المكر والخبث السياسي في غلاف من الضحالة والسذاجة والسطحية المفرطة التي اتسم بها خطاب كوشنر وما عرضه من مشاريع التي في الغالب اقترحها عليه بنيامين نتنياهو وعدد من مستشاريه. ذلك أن النظر إلى موضوع الصراع الفلسطيني الصهيوني الاسرائيلي على مدى 120 عاما على انه يمكن انهاؤه بمجموعة من مشاريع تحفيز وهمي لاقتصادات 5 دول أمر فيه تفاهة وسذاجة وفيه في نفس الوقت المكر والخبث.

ففي المسألة الفلسطينية لم يتعرض كوشنر  إلى الدولة الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على ترابهم الوطني تنفيذاً للقرارات الدولية ابتداء من قرار التقسيم عام 1947 وانتهاء بقرارات مجلس الأمن 232 و 238 وما بعدها كما تجاهل الحقوق السياسية وحق تقرير المصير وحق اللاجئين بالعودة. هذا هو موقف نتنياهو تماما الذي يعتقد أن جر الفلسطينيين والأقطار العربية خاصة تلك المحيطة بفلسطين إلى تشبيكات اقتصادية ومالية ولوجستية مع اسرائيل سوف يجعل  الفلسطينيين والعرب ينسون الموضوع السياسي كاملاً . ويتجاهل نتنياهو إن مفتاح الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو جملة بسيطة : انتهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وان صاحب القرار في تناول الموضوع ليست الولايات المتحدة ولا الدول العربية وانما الشعب الفلسطيني ذاته المتجذر في أرضه وسلاحه الصمود سنة بعد سنة وجيلا بعد جيل حتى ينتهي الاحتلال. وخلافاً لتوقع بن غوريون وأتباعه بأن الجيل الثاني من الفلسطينيين سوف ينسى فلسطين والجيل الثالث لن يذكرها نهائيا فأطفال فلسطين من الجيل الثالث أشد تمسكا بوطنهم. فلذا لا قيمة لما يقترحه نتنياهو من خلال كوشنر على الأنظمة العربية أو رجال الأعمال . إن الأرقام التي عرضها كوشنر من الهزالة التي تعكس استخفاف العقل الصهيوني بالأمة العربية. يتحدث كوشنر عن 50 مليار دولار على مدى 10 سنوات بين 5 دول وكأنه يشتري قطعة أرض بالتقسيط ناهيك على وطن بأكمله يريد شراءه بهذه المبالغ . وبسبب ارتفاع البطالة تحدث كوشنر عن مشاريع سوف تخلق 1 مليون فرصة عمل. أو 100 ألف فرصة عمل سنويا أي سذاجة هذه حين يكون احتياج الدول الخمسة 1.5 مليون فرصة عمل سنوياً . أما الأموال التي ستأتي للانفاق على تلك المشاريع “المخيفة” فستكون قروضا وتسهيلات مالية موجهة للبنية التحتية وليس للانتاج ،وعلى الشعوب أن تسددها . ويتحدث عن مشروع تحلية المياه لربط شبكة المياه الأردنية بالشبكة الاسرائيلية على أمل أن التشبيك المائي سيجعل مناطق من الأردن معتمدة على مياه اسرائيلية وبذا بالاضافة إلى الغاز يتم وضع سقف لأي تحرك سياسي أردني. إن جميع المشاريع التي تحدث عنها كوشنر تستطيع الدول المعنية اقامتها وبامكاناتها الذاتية إذا احسنت الإدارة وأحسنت التعاون فيما بينها .

وفي المسألة الأمريكية يحاول ترامب أن يبين للوبي الصهيوني انه اعطى اسرائيل ما لم يعطها اياه أي رئيس امريكي سابق، ومكنها من العرب والفلسطينيين من خلال سياسته التي خرقت القانون الدولي والاعراف السياسية وضربت بعرض الحائط القانون الانساني ابتداء من اعترافه بسيادة اسرائيل على القدس ومروراً بمحاولة تدمير الانروا وتغافل حق اللاجئين وانتهاء باعترافه بسيادة اسرائيل على ارض لا تملكها هي الأراضي الفلسطينية بما عليها من مستعمرات وكذلك الجولان السورية. وهو أي ترامب يريد المقابل ويريد الثمن وهو أن يعاد انتخابه مرة ثانية بأقصى دعم ممكن من اللوبي الصهيوني.

وفي مسألة الخليج العربي فإن انظار نتنياهو واليمين الاسرائيلي تتجه بلؤم وخبث إلى الخليج كمصدر للمال، تماما كما فعل ترامب حين راح يضغط على دول الخليج بكل اتجاه لشراء مزيد من المعدات والاسلحة والمشاريع الأمريكية. ولذا فإن الهدف البعيد لاسرائيل إقامة منصة اقتصادية مالية لها في الخليج، وجاءت ورشة المنامة كمنطلق علني لذلك. ويتحدث كوشنر عن شبكة سكة حديد لتمتد عبر الأردن إلى الخليج. والهدف الاسرائيلي الذي أعلن عنه أكثر من وزير اسرائيلي ربط هذه الشبكة بخط حديدي من ميناء حيفا إلى اربد إلى دول الخليج ومن ثم تشجيع المستوردين والمصدر على التصدير والاستيراد عبر ميناء حيفا على طريق تعميق التشبيك الاقتصادي واللوجستي العربي مع اسرائيل.

ولابد من القول بأن ايران بتدخلها السافر والمسلح وغير المبرر في شؤون دول المنطقة تساعد اسرائيل في اهدافها لأنها أصبحت مصدر تهديد لدول الخليج. ومن خلال الضغط الامريكي والتلويح بمسألة الحماية وتكاليف هذه الحماية يجري فتح الابواب للتعامل مع اسرائيل على الرغم من الرفض الشعبي لذلك في جميع دول المنطقة.

وفي مسـألة الجماهير العربية فإن الهدف الاسرائيلي من الورشة هو اقناع العرب بأن اسرائيل موجودة ومقبولة واصبحت جزء من المنطقة. وهذه النقطة واحدة من دفاعات نتنياهو ازاء اتهامه بأنه يدفع باسرائيل إلى العزلة لتنتهي إلى حائط مسدود. ومع هذا فإن الجماهير العربية ترى في اسرائيل عدوانا دائما وخطرا محدقا لابد من وضع حد له مهما كانت المواقف الرسمية.

 

وأخيراً لا بد من التأكيد على 3 نظريات تتصارع في المنطقة العربية: نظرية نتنياهو القائلة بأن التشبيك الاقتصادي العميق في المرافق الأساسية ( الطاقة والمياه والنقل والمال) بين اسرائيل والأقطار العربية سيجبر هذه الدول على السكوت عن كل ما تفعله اسرائيل حاضراً ومستقبلاً، وسوف توصله إلى أموال النفط. والثانية نظرية الفلسطينيين وهي أن صمودهم على ترابهم الوطني بأي ثمن ومهما كانت التضحيات سيجبر اسرائيل عاجلا أو آجلا على الاعتراف بحقوقهم السياسية وقيام دولتهم الوطنية في فلسطين . والثالثة : نظرية الشعوب العربية وهي أن التفاف الشعوب حول أنظمتها هو الذي يمنح الأنظمة القوة والمنعة التي يمكن من خلالها مواجهة الضغوط والخدع التي تخفيها اسرائيل. وأن مستقبل الأمم لا تصنعه المعونات والقروض ولا المنح  و الحماية الأجنبية بقدر ما يصنعه العقل والعلم والعزيمة والمشروع الوطني.