أزمة المديونية…. والمواجهات الممكنة

تتفاقم أزمة المديونية سنة بعد سنة حتى تجاوزت اليوم 20 مليار دينار، متعدية الحدود المسموح بها في القانون، و متجاوزة الـ 90% من الناتج المحلي الإجمالي. أما التفسير لهذا الارتفاع المتسارع، فكثيرا ما يعزى إلى أسباب فرعية  غير جوهرية مثل انقطاع الغاز المصري، أو ديون شركة توليد الكهرباء ، آو تأخر المساعدات أو دعم الطاقة والمياه والمواد الغذائية و غير ذلك. صحيح أن لجوء (1.4) مليون إنسان من سوريا شكل عبئا كبيرا على الدولة الأردنية،و بكلفة سنوية تتجاوز  1633 مليون دينار،لا يصل منها أكثر من 590 مليون دينار، ولكن تصاعد المديونية قد بدأ قبل ذلك بكثير، و على وجه التحديد اعتبارا من عام 2004، حيث كان الدين العام (7.5) مليار دينار ونصيب الفرد من الدين (1391) دينار، واستمر التصاعد فتضاعف حجم الدين مع عام 2011 وقبل اللجوء السوري ليصل إلى (14.6) مليار دينار ونصيب الفرد من الدين (2320) دينار.أما اليوم فنصيب الفرد من المديونية 2985 دينار. ولا زال الارتفاع مضطردا. فترتيب الأردن 28 بين الدول من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي  و 69 من حيث عبء الدين لكل فرد . وعندما قررت الحكومة رفع سعر الكهرباء رغم انخفاض أسعار النفط كان المبرر الرئيسي الذي قدمته للجمهور، أن ذلك سوف يخفض من المديونية. و لكن ذلك لم يتحقق واستمر الدين بالارتفاع والاقتراض على قدم وساق. ليس واضحا كيف تفكر الحكومة في مواجهة أزمة المديونية المتفاقمة،والتي تضغط على الإقتصاد  من جهة ،و تثبط من عزائم المستثمرين من جهة ثانية،و تقلص من الإنفاقات الرأسمالية من جهة ثالثة. إن المساعدات والمنح والقروض لا تنشئ اقتصادا قويا، ولا تحل مشكلة المديونية. وتدل تجارب الشعوب على أنه لا يمكن حل المشكلة إلا من خلال خمسة طرق لا سادس لها: الأول العمل على تصنيع الاقتصاد والنهوض به بالتعاون ما بين الحكومة و القطاعات المختلفة وفق برنامج بعيد المدى،و أهداف إنجاز، ومؤشرات أداء واضحة و مسئولة. والثاني تخفيض النفقات الحكومية وفق برنامج تقشف مقنع للجماهير من خلال العقلانية و الشفافية والمساءلة، وإتاحة البدائل للمواطنين والمؤسسات. والثالث تصحيح الأخطاء الإستثمارية، و مراجعة رسوم التعدين، وفرض رسوم على تداول  الأسهم و مساعدة المؤسسات المتعثرة على استعادة قدراتها والرابع  مكافحة التهرب الضريبي و الدخول في برامج  التحصيل المنضبط للضرائب.و الخامس الدخول الجاد في الإقتصاد الإجتماعي لتكوين ثروات استثمارية من صغار المدخرين والمستثمرين على أوسع نطاق. و بطبيعة الحال هناك طريق سادس لا أحد يضمن إمكانية النجاح فيه و هو: تنازل الدائنين عن جزء كبير من ديونهم وفق ترتيبات لا تضع على البلاد قيودا أو شروطا غير مرغوبة. وحتى يتحقق ذلك، لا بد من توجيه الاستثمارات نحوا لمشاريع الإنتاجية، والإدراك و الإقتناع بأن الاقتصاد الاجتماعي ليس بدعة ولا إشتراكية،ولا ضد إقتصاد السوق، و لا أفكارا طوباوية, فهو الطريق الذي سلكته ألمانيا و غيرها من دول شمال أوروبا حيث يمكن تكوين الرساميل المطلوبة للاستثمار من خلال المساهمات الكبيرة العدد الصغيرة الحجم والتي تفتح الباب لإمكانات تصبح رمنا أساسيا في تنمية الأرياف و البوادي . إن إعداد الموظفين في القطاع الحكومي تزيد عن (250) ألف موظف ومساهمة كل موظف بمبلغ (10) دنانير شهريا تعني (2.5) مليون دينار شهريا وهذه مبالغ تصلح للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما ويمكن أن تمول مشاريع كبيرة على مدى عام أو عامين، ويصبح الموظفون مساهمين في هذه الشركات التي تقيم تلك المشاريع. وبذا تخف مبالغ الإعانات التي تضطر الحكومة لدفعها لموجهة الفقر والبطالة، كما وتأتي بدخل جديد للموظفين. من جانب آخر فإن أي تقليص في النفقات أو عائدات جديدة ينبغي تحويلها إلى الاستثمار الفوري في المشاريع التي تولد فرص عمل جديدة في المحافظات. إن ترحيل مسألة المديونية ، وعدم الإجتهاد الحقيقي في عكس اتجاهها لتأخذ في التناقص التدريجي المبرمج، و في هذه الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة، من شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من الإجهاد للإقتصاد و للمواطن ،و يجرد مستقبل الأجيال من    الإشراق الذي تستحق.