الكتاب الوطني… و اليوم العالمي للكتاب

صادف الثلاثاء 23 نيسان اليوم العالمي للكتاب،و تحت شعار “من حقي أن أقرأ”. وكان إعلان هذا اليوم لأول مرة في 23/4/1995، حين دعت إليه اليونيسكو بهدف ترويج قراءة الكتب، ونشرها، والحفاظ على حقوق المؤلف. وعلى مدى القرون الماضية وحتى اليوم،أصدر مختلف المؤلفين في العالم ما يزيد عن 130 مليون كتاب، لا يستطيع المهتم بالقراءة الاطلاع على أكثر من 6000 كتاب طيلة حياته، الأمر الذي يعكس ضآلة  ما يعرفه الفرد بالنسبة للمعرفة الإنسانية . ومع انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ،واحتواء شبكة الإنترنت لكميات هائلة من المعلومات والمواد والتقارير والصور، بل والكتب في صيغتها الإلكترونية،يتراءى للبعض أن زمن الكتاب قد ولى وانتهى، وإن العالم يتحول نحو المادة الإلكترونية. و هذا جزء فقط من الحقيقة،.

إن الدول الأكثر إنتاجاً وطباعة و نشرا للكتب هي الدول الصناعية المتقدمة .ففي بريطانيا يصدر سنوياً ما معدله (3066) كتاب لكل مليون من السكان ،وفي فرنسا 1283 كتاب لكل مليون، وفي إسرائيل 1200،وفي قبرص 1162، و في الصين 361 كتاب لكل مليون من السكان.أما البلاد العربية فهي أدنى من هذه الأرقام بكثير، حيث يصدر في الجزائر 100 كتاب ، و الأردن 73 كتاب وفي تونس 60 والمغرب 24 كتاب لكل مليون من السكان.فإذا تذكرنا أن أبواب المعرفة التي يتم تداولها في الكتب هي عدة آلاف ندرك أن المنطقة العربية و غيرها من الدول المماثلة ،لا ترى من المعرفة و الثقافة و الفنون و العلوم والتكنولوجيا إلا الشيء اليسير جدا جدا.   وأهمية هذه الأرقام أنها تعكس عدداً من المسائل الجوهرية على النحو التالي:

أولاً: إن كلا من الثقافة و المعرفة العلمية و التكنولوجيةالمجتمعية ،في البلدان الضئيلة الإصدار للكتب ، هيمحدودة الآفاق، قليلة التنوع ،ضئيلة العمق ، ضيقة المساحة، وذلك نتيجة لقلة تداول الكتاب و بالتالي عدم إتاحة الفرصة للقراءة والاطلاع واكتشاف العالم ،كماكانت تقول اليونسكو في شعار يوم الكتاب عام 2015.

ثانياً: إن اهتمام النخبة بنقل المعرفة وتعميمها تقف أمامه عوائق كثيرة، تصرف النخبة من المؤلفين عن تخصيص الوقت والجهد للتأليف و الترجمة و النشر.وبالتالي فإن العائد على المجتمع من الإستثمار في النخبة ضئيل تماماً.

ثالثاً: إن منظومات التربية والتعليم و الأسرة و الإعلام لم تنجح في تأصيل قراءة الكتاب كأداة رئيسية للتعلم والمعرفة والمتابعة والنهوض الذاتي والاجتماعي. و هذا ادى إلى خسارة المجتمع للوجه الرابع للتعليم اي التفاعل مابين المتعلم و المجتمع .

رابعاً: أن ارتفاع كلفة إنتاج الكتاب و ارتفاع ثمنه بالنسبة لدخل الفرد يجعل شراء عدة كتب في السنة عبئاً على الأسرة ، الأمر الذي ينعكس سلبا على تأليف و طباعة و نشر الكتاب.

خامساً: إن ضآلة إنتاج و قراءة الكتب تجعل موضوع التسامح وتفهم الآخر وقبول التنوع محدودا.و هذا ينعكس سياسيا في حالات التعصب و التمترس و الطائفية و غيرها. فالكتاب هو الأداة الأمثل للفرد لمعرفة نفسه ومعرفة الآخرين وقبولتركيبة المجتمع الوطني والقومي و الإنساني بروح ايجابية و استعداد للتعاون.  

سادساً: إن الإبداع والخيال والابتكار على مستوى المجتمع (وليس حالات فردية) يتحدد بمقدار المعرفة والثقافة التي تتأصل من خلال القراءة للكتب والممارسة الفعلية.

سابعاً: أن الكتاب هو الذي يقرب المفاهيم التي يحملها الفرد أو المجموعة أو الحزب من المفاهيم و الأفكار المختلفة لدى الآخرين. و ضآلة الكتب و القراءة تعني غياب التوافق المجتمعي على الأفكار والسياسات والبرامج والمؤسسات . وهذا يفسر، بين أسباب أخرى ،حالة التشتت والتفرق والتمزق الفكري و الثقافي في المجتمعات العربية.

ثامناً: إن الإطلاع و الإنفتاح و القراءة المستمرة للكتب المنوعة بكل ما تحمل من صور ومعاني ومقاربات، تنقل القارئ وخاصة الشباب إلى حالة من العقلانية المستقبلة و ليس المتوترة الرافضة، و المشاعر المصقولة، بدل الخشونة و التعقيدات النفسية للأفراد وللجماعات و القوى السياسية .

تاسعاً:إن واحداً من أسباب هبوط الفنون والثقافة ،هو تدني مقدار و تنوع القراءة المتأنية في الكتب المناسبة. إذ لا يمكن للفن أن يرتقي، وللثقافة أن تتطور، دون التواصل المعرفي والإبداعي الذي تحمله الكتب على مختلف أنواعها. وتدل الإحصاءات في بريطانيا أن 48% من المساجين لا يحملون ثقافة أكثر من ثقافة صبي في الحادية عشرة من عمره.

من هنا فإن الكتاب و القراءة هو جزء أساسي في المنظومة الناعمة للسياسة والاقتصاد والاجتماع و العلوم و التنمية والثقافة والفنون. كما أنه لا يمكن للمجتمع أن يتحول نحو الديمقراطية و الحزبية و البرلمانية بثبات وفاعلية دون توافق الرؤى المجتمعية وتقاربها،و دون التوافق على أن العلم هو مصدر الحلول للمشكلات .و هنا يلعب الكتاب الدور الأكبر في هذه التحولات. و هذا يعني إن مسؤولية الدولة كبيرة إزاء الأرتقاء بحجم و نوعية الكتاب على طريق تطوير المجتمع بأفكاره ومقارباته وإبداعاته، بل وأدائه الاقتصادي و تسريع حالة التنمية. و هنا يمكن التحرك في الإطار التالي:

أولا: أن تلغي الحكومة جميع الرسوم و الضرائب على مدخلات إنتاج و طباعة و نشر الكتب.

ثانيا: أن تزيد مخصصات وزارة الثقافة المتعلقة بدعم نشر الكتب بنية 40% سنويا حتى عام 2025 .

ثالثا أن تلتزم الوزارات و المؤسسات الرسمية و الأكاديمية و الأهلية و الشركات الكبرى بتشجيع و دعم  التأليف و الترجمة في مجالات تخصصها و على المستويات المختلفة.

رابعا: إنشاء “المجلس الوطني للتأليف و الترجمة” كذراع لوزارة الثقافة، لوضع البرنامج السنوي المطلوب تشجيع التأليف و الترجمة فيه،و توزيعه على المؤسسات و الأفراد ذوي العلاقة.

خامسا:  أن تضع وزارة التربية و التعليم و وزارة التعليم العالي البرامج و النشاطات التي تؤسس و تؤصل قراءة الكتاب”باعتباره الأداة الأهم في بناء المستقبل و في عمليات التعلم و اكتساب المعرفة و التعمق في العلم و التكنولوجيا على طريق التميز و الإبداع .