إرادة الإصــلاح… وجـديـة العـمــل

منذ عشر سنوات أو يزيد ،لم تعد هناك من كلمة مكررة صباح مساء، في طول العالم العربي وعرضه ، أكثر من كلمة « الإصلاح».إصلاح سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و تعليمي و إداري، و إصلاح الزراعة و الصناعة و السياحة و القائمة لا تنتهي  . ومع هذا، ورغم سرعة الأحداث وسخونتها في كل مكان، نلاحظ ان ما تحقق في العالم العربي لا يكاد يحدث فرقا. و بالنسبة لنا  هو شيء ضئيل ،إن لم يكن سلبيا في بعض  المجالات.  من كان يتصور قبل (10) سنوات أن ينشغل الأردنيون بفتاوى جواز تهنئة المسيحي أو عدمه ؟ من كان يتصور قبل (20) سنة أن شاباً يافعاً فناناً مبدعاً مواطناً أردنياً مثل شادي أبو جابر يمكن أن يتحدث الناس عنه بغير التقدير والرحمة والعزاء العميق لذويه؟ ومن كان يتصور قبل 20 سنة أن يكون في الأردن مليون عامل وافد ( مع الإحترام ) ونسبة البطالة بين الشباب الأردني تزيد عن 30% ؟ من كان يتوقع أن تصل المديونية 24  مليار دينار لترتفع بالمعدل 2 ملياردينار سنوياً؟. والأمثلة في الاقتصاد والزراعة والصناعة والثقافة والتعليم أكثر من أن يشار اليها. ومؤدى ذلك كله أننا على كثير من الأصعدة  ما زلنا في حالة تلكؤ و تردد، ظنا من البعض أن مسألة الإصلاح ما هي إلا سحابة عارضة سوف تتلاشى مع الأيام. و هذا من شأنه أن يفشل ا لإنجازات الكبيرة التي حققها الأردن على مدى السنوات. إن العالم يعيش في عصر السرعة المتزايدة، ويدفعنا بسرعته وليس كما نريد نحن .وهنا المشكلة. إذ يتحول «كل تباطؤ أو تأخير في الإصلاح إلى تراجع وتخلف في بلدنا والبلدان النامية، ويحمل في طياته صدوعاً عميقة في بنية المجتمع،و صعوبة أكبر في مواجهة المستقبل .لقد عملت الدولة على إنتاج وثائق و استراتيجيات وطنية للإصلاح و التغيير منذ أكثر من 25 سنة،ابتداء من الميثاق الوطني و مرورا بالأجندة الوطنية  و كلنا الأردن، و الأردن 2020 و الأردن 2030 و تقارير اللجان الملكية في التعليم و الزراعة والبيئة و الطاقة و الموارد البشرية و غيرها الكثير. و لكن جهود الخبراء و المفكرين و القطاعات المختلفة، بقيت حبرا على ورق في معظم الحالات . وخلال السنوات القليلة الماضية فإن ما نخطط له من إصلاح كان يتلاشى عند بداية  التنفيذ بسبب التردد ،و يتبخر من حلقة إدارية  إلى أخرى نتيجة لعدم إندماج الجهاز الإداري للدولة في مفاهيم الإصلاح و ضروراته، حتى يصل إلى الحلقة النهائية ،وقد تحول إلى  بيروقراطية ولامبالاة. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من النقاط : الأولى : إن الحكومة والمؤسسات الرسيمة  في البلدان النامية هي المحرك الرئيسي للإصلاح والتغيير، وهي المسؤولة عن إطلاقه و سلامة أدائه. وأن الثقافة والإعلام هي الناقل الأمين للإنجاز و لمتطلبات التغيير. الثانية : إن  الإصلاح الجاد لا يتحقق دون اقتناع الجهاز الإداري للدولة وطنيا و إداريا و أخلاقيا بجدواه ،و دون التزام كامل من الدولة «ببرنامج واضح له مكانة تشريعية ملزمة للجميع مهما تغيرت الإدارات». برنامج يقتنع به المواطن، ويخلص الموظف في التعامل معه، و تشارك في وضعه و تنفيذه جميع القطاعات و الأحزاب و منظمات المجتمع المدني .هكذا كان الحال في جميع الدول التي نجحت في نهضتها و بدون استثناء .الثالثة : أن الحكومات ومؤسساتها لدينا ،وفي معظم الأوقات ،تكون معنية بالدرجة الأولى بتسيير الأمور كما هي، والمحافظة على دوران العجلة بنفس السرعة أو أقل قليلا، خوفاً من الفشل أو المفاجأة،أو أخطاء هنا و هناك يضخمها الإعلام، وتتناولها المعارضة من منطلق حزبي أو فئوي ، و تلام عليها الحكومة. الرابعة : إن الإصلاح والتغيير من شأنه ،و في جميع دول العالم، أن يضر بمصالح الفئة المستفيدة من الوضع القائم ،ابتداء من الموظف البسيط الذي لا يعنيه سوى الراتب وانتسابه إلى السلطة  ، ومرورا برجل الأعمال الذي يستعمل نفوذه خلافاً للقانون والأخلاق، و انتهاء بمجموعات الفساد الإداري أو المالي و السياسي و الطامحين إلى المكاسب من خلال التنفيع و الإستنفاع. وإزاء هذه الحالة الشائكة فإن الحكومات غالبا ما لا تريد أن تصطدم بهذا او بذاك، ولا أن تدخل عش الدبابير المتربصة بين الحلقات. و لذا فهي توقف أي برنامج فرعي عند أول اصطدام أو احتكاك، وتذهب إلى  ترحيل برامج التغيير من شهر الى آخر ومن سنة الى أخرى.كل هذا ،في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية غير المعلنة في كل اتجاه. وهذا يقود الى حقيقة ساطعة تتكرر في كل مناسبة وهي انه لا بد من الانخراط في برنامج اصلاحي جاد ،يتناول المجالات الخمسة الرئيسية و هي: الإقتصادي و السياسي و الإداري و العلمي التعليمي و الثقافي التربوي. برنامج يتم وضعه من قبل المفكرين والخبراء و الشركاء، و تتبناه الحكومة، ويتوافق عليه من خلال البرلمان والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة . إن مباشرة مثل هذا الأمر على عجل لا يفيد كثيرا،و قد يكون المطلوب في هذه المرحلة، أولا :أن تكلف الحكومة فريق خبراء لتحديث البرامج و الإستراتيجيات الموجودة و إعادة صياغتها بالشكل العملي  المناسب خلال  فترة محددة، تمهيدا للشروع في تنفيذها.ثانيا :أن تحدد الحكومة لنفسها و لجهازها الإداري هدفا واضحا و دقيقا و هو مواجهة  6 مشكلات رئيسية في كل قطاع و وضع الحلول الصحيحة لها خلال فترة قصيرة حتى يشعر المواطن بإرادة التغيير . و هذا من شأنه أن يقلص فجوة الثقة بين الأطراف ،و يمهد الطريق للدخول في البرنامج الشامل الذي يضع المستقبل أمامه بمساندة كل القوى السياسية والمدنية، و دعم المواطنين.