هستيريا التدمير والتهويد لن توصلهم إلى الأمان

(1)- ما يجري على الاراضي الفلسطينية نوع من هستيريا الاستعمار، وجنون النازية المتوحشة. ان يصبح قتل الابرياء الفلسطينيين اصحاب الارض الوطن جزء من البرنامج اليومي الرسمي للكيان الصهيوني، امر لا مثيل له في العالم. وبالتوازي مع القتل بدم بارد والأسر والتوقيف والاعتقال والتعذيب، هناك العقاب الجماعي وتدمير المباني حول القدس وبعيداً عنها وفي كل بقعة من الاراضي الفلسطينية، (فبلغت عمليات الهدم 316 عملية عام 2022)، ومنع الفلسطينيين من البناء في المنطقة (ج) والتي تشكل 60 % من مساحة الضفة الغربية، والاستيلاء على اراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، بل واعطاء المستوطنين المستعمرين نفس الحقوق التي يتمتع بها الاسرائيليون تمهيداً لإعلان الاراضي التي اقيمت عليها المستوطنات جزءا من اسرائيل. أما الأجزاء غير المعلنة من البرنامج فتشمل التضييق الخانق المتواصل على الفلسطينيين في الحركة والماء والغذاء والدواء والتعليم والأعمال، أي إحكام الحصار المعيشي كحصار غزة الذي مضى عليه 17 عاما دون أن يتخذ الجانب العربي الرسمي أو المجتمع الدولي أي خطوات فعالة لفك الحصار الوحيد في العالم. ويوماً بعد يوم تزداد حكومات الاحتلال المتعاقبة توحشاً وإصرارا على التوسع الاستعماري بكل ما يعني ذلك من تهديد مباشر لكل من الأردن وسوريا ولبنان، واستنزاف غير منظور للدول العربية الأخرى. ويزداد رؤساء الحكومات الإسرائيلية، أيا كانوا، خضوعاً لابتزاز المستوطنين والمتطرفين، حيث أصبح الإمعان في التنكيل بالشعب الفلسطيني ورقة سياسية رابحة، كما هو نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ودرعي وغيرهم. لقد توسع البرنامج الاستعماري الصهيوني في ظل الدعم الاميركي المطلق الذي لا يتغير مهما ارتكبت اسرائيل من جرائم أو اعتداءات تنتهك القانون الدولي والانساني، كما وتواصل البرنامج امام الغياب العربي الفاعل، وازدواجية المعايير للمجتمع الدولي وغض النظر الأوروبي، باستثناء عبارات الشجب والاستنكار والقلق التي لا تغير الواقع، وانشغال العالمين الاسلامي والمسيحي عما يقع للمقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين.
(2)- تسعى دولة الاحتلال اليوم إلى تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية ومصادرة اكبر مساحة من الاراضي وضم المستوطنات وتهويد القدس وخنق الاقتصاد الفلسطيني تمهيداً للتهجير بطريقة أو بأخرى. لقد صرفت اسرائيل السلطة الفلسطينية عن الجانب السياسي ودفعتها للتركيز على الجانب الأمني التنسيقي لصالح الاحتلال بعد أن تخلت عن كل بنود اتفاقية اوسلو.. وفي الوقت نفسه تعمل على تفكيكها وتجريدها من اي فرصة للعمل الحقيقي على الاراضي الفلسطينية. وحتى تمنع الفلسطينين من ان تكون لديهم ادارة حقيقية فقد ذهبت حكومة نتنياهو- بن غفير الى مصادرة الأموال الفلسطينية ومنها عائدات الضرائب والجمارك التي يدفعها المواطن الفلسطيني وتتسلمها سلطات الاحتلال، وعمدت من جهة اخرى، الى تجريد المسؤولين في الادارة الفلسطينية من حرية الحركة والانتقال، وذلك انتقاماً من ذهاب السلطة الفلسطينية الى المحاكم الدولية للشكوى من استمرار الاحتلال والتدمير الاسرائيلي لكل ما هو فلسطيني وبما يخالف الشرائع الدولية.
ومنذ اكثر من 30 عاماً تعمل دولة الاحتلال على تفكيك وإلغاء الأونروا وهي المنظمة الدولية التي تمثل الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني ولديها الوثائق المعتمدة لإحصاءات اللاجئين. وتضغط سلطة الاحتلال على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها للتوقف عن المساهمة في تمويل الأونروا.
وقد جاء ترامب ليعلن تأييده لكل ما تقوم به إسرائيل صراحة، وجاء بعده بايدن ليسير على نفس الطريق، ولكن بدون ضجيج وبعبارات تعاطفية من آن لآخر. ومن هنا فإن التعويل على موقف أميركي منصف هو مجرد سراب، حتى قطعة الأرض التي تعود لعائلة الخالدي وقد صادرتها اسرائيل ستقيم عليها الولايات المتحدة الأميركية سفارتها في القدس، ومع ذلك لم تتراجع إدارة بايدن عن ذلك.
(3)- إن التوحش الاستعماري للكيان لا يرتبط بنتنياهو وبن غفير، وإن كانا الأكثر فجاجة وكراهية، وإنما هو جزء أصيل من الفكر الصهيوني وتيار اليمين المتطرف الذي يمثل غلاة المستعمرين منذ عام 1948 ويسيطر اليوم على الشارع الاسرائيلي، ومن هنا فإن التوقع بأن تتغير سياسة الاستعمار الصهيوني بتغير افراد الحكومة الاسرائيلية مجرد وهم.
إن العالم منشغل تماماً عن الموضوع الفلسطيني بسبب الازمات الاقتصادية والمناخية والغذائية والوبائية والطاقة في كل مكان، والحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها التي شغلت اوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وأفسحت المجال لتلك الدول لتجديد ترساناتها من المعدات والاسلحة. فأصبحت شركات المعدات الحربية هي الرابح الرئيس في هذه الحرب الاستنزافية المعقدة، أما العالم العربي فقد تفككت اوصاله وأصبحت كل دولة مشغولة بمشكلاتها المالية أو السياسية أو الاقتصادية علاوة على اكتفاء النظام العربي بالتصريحات الكلامية والخطابات الإعلامية والوقوف عندها والخضوع للضغوط الدولية والاقليمية.
ولذا، فإسرائيل بمختلف أجهزتها تعمل اليوم على إنجاز التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى وتكثيف الحفريات اسفل المسجد بهدف انهياره على طريق تهويد القدس في اسرع وقت ممكن، وتريد إرهاب الفلسطينيين وتحطيم معنوياتهم بشتى الوسائل والطرق من خلال الهجومات المتواصلة على البيوت والمحال والأحياء والقرى والمدن، وتبذل جهودا خاصة لتعميق الدعم الخفي للتفتت العربي على المستوى الفردي للدول وعلى المستوى الجمعي، وتعزيز المساهمة في تمويل الحركات الانفصالية والمتطرفة والطائفية والجهوية والإشاعات. وتضغط بدفع الولايات المتحدة الأميركية لمساندة الأنظمة السلطوية التي تطبع مع إسرائيل في المنطقة العربية، مع الإغراء بالتوسع في التطبيع الاقتصادي والعسكري مع الاقطار العربية واشغالها بالاقتصاد لتنسى السياسة، بغية ان تتحول مرافق الكيان الصهيوني الى مرافق بديلة عن المرافق العربية وخاصة في مجال الطاقة والمياه، والسكة الحديد وايصال النفط الخليجي الى اوروبا والحلول محل ميناء بيروت بعد ان تم تدميره من قبل مجهولين حتى اليوم. ولا يستبعد بعض الباحثين ان تكون وراءهم اسرائيل بطريقة او أخرى. كل هذا في إطار من المحافظة على تفوق الجيش الاسرائيلي على الجيوش العربية، واستخدام الموضوع الايراني للتخويف والابتزاز من شتى الاطراف.
(4)- ومع هذا، فإن الاحتلال الصهيوني يسير في طريق مسدود، بل ربما يدفع بإسرائيل إلى الثقب الأسود بفضل صمود الشعب الفلسطيني وتـمسكه بوطنه وحقوقه. والسؤال الذي يتردد في كل مكان ماذا تنتظر الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح وحماس حتى تقتنع ان الذئب الصهيوني سيفترس الفصيل تلو الآخر؟ اذا كانت مؤتمرات المصالحة وآخرها مؤتمر الجزائر وجرائم الاحتلال الاسرائيلي لا تحرك العقول والمشاعر تجاه إنهاء الانقسام فما الذي يحركها؟ ان الشعب الفلسطيني فقد ثقته إلا بنفسه وبشبابه ودماء بنيه وبناته وشهدائه وأسراه.. أما التنسيق الأمني فلم يعد يعني الا خدمة المجرم الصهيوني، وأما معاهدات اوسلو او وادي عربة او كامب ديفيد فلم تعد تعني شيئاً للاحتلال المتوحش. حتى السفير الأردني حاولت الشرطة الاسرائيلية ان تمنعه دخول الاقصى. وحصار غزة، ألا يخالف اتفاقية كامب ديفيد؟ واعلان حكومة نتنياهو العزم على ضم غور الأردن ألا يخالف اتفاقية وادي عربه؟
على الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها فتح وحماس ان تتحرك باتجاه التوحد والتآلف في جبهة واحدة بدون عقلية الغالب والمغلوب، وعليها ان تدرك ان الانقسام ومهادنة المحتل ما هي إلا اعطاء الفرصة للذئب ليلتهم الفرقاء الواحد تلو الآخر. ان الأمل معقود على القوى الشعبية العربية في دعم الجهد الفلسطيني بعد أن غاب دور النظام العربي.
(5)- يبقى الأمل في الشعب الفلسطيني نفسه المتمسك بوطنه حتى النهاية، وحق لهذا الشعب المكافح ان ينال دعم الشعوب العربية. ومن هنا فإن العمل يجب ان يكون من خلال الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني العربية. ذلك ان الأنظمة مشغول كل منها بنفسه ولكن الشعوب هي التي تمثل القوة دائماً. على جميع الاتحادات العربية وخاصة القانونيين والبرلمانيين والعمال والأطباء ومنظمات حقوق الانسان العربية ووسائط الإعلام المستقلة والاكاديميين والمهنيين والمثقفين أن يتواصلوا مع نظرائهم الدوليين ويشكلوا شبكة دعم للفلسطينيين للمحافظة على صمودهم في ارضهم، فذلك حماية لفلسطين، وحماية لدول عربية مجاورة من الاطماع الاستعمارية الصهيونية التي تفكر بعقلية القرن التاسع عشر. إن المستقبل لا يتحرك الا الى الامام وعلى طريق انتصار الشعوب.