العمل السياسي والحزبي.. واهتمامات الشباب

(1) المشاركة-
إن المتتبع لأحاديث جلالة الملك عبدالله الثاني يلاحظ اهتمامه الدؤوب بإشراك الشباب في شتى مجالات العمل الوطني، ابتداء من خدمة المجتمع وانتهاء بالعمل السياسي والانخراط في الأحزاب. وقد اتخذت الحكومات المتعاقبة سلسلة من الاجراءات تهدف الى توسيع الفرص امام الشباب، كان في مقدمتها تخفيض سن الترشيح للبرلمان من 30 سنة الى 25 سنة، والالتزام بأن تتضمن القوائم الحزبية للانتخابات نسبة 20 % من الشباب وآخرها نظام تنظيم العمل الحزبي في الجامعات. هذا إضافة الى الحملات الاعلامية والبرامج التلفزيونية المتواصلة التي تدعو الشباب للانخراط المباشر في كافة الشؤون العامة.
ومع هذا لا بد من الاعتراف إن التجاوب ما يزال محدودا حتى الآن، ولم يصل الى مستوى الطموحات، وما يزال العزوف عن السياسة هو النمط الغالب، فقد أبدى 64 % من طلبة الجامعات عزوفا عن السياسة والأحزاب. يعود ذلك الى اسباب رئيسية أربعة: الأول: مفاهيمي رسمي والثاني تاريخي ثقافي والثالث عملي اجرائي والرابع ترتيب الأولويات. ومن هنا فإن تحقيق اي تقدم حقيقي في هذا المجال يتطلب التعامل بانفتاح وجرأة وعلمية مع الاسباب.
(2) التمكين
فمن حيث المفاهيم علينا أن نتذكر أن العمل السياسي لا يقوم على العمر أو التشجيع الكلامي، وإنما يقوم على تداخل الأجيال، والممارسة العملية في إزالة الحواجز الظاهرة والخفية من طرف الإدارة، ورفع قيمة الفرص المتاحة للانخراط في العمل العام بأشكاله المختلفة من جانب المواطن، وهو هنا الشباب، على طريق اكتساب الخبرة التي تعمق الرؤية وتوسع آفاقها، ومن ثم تولد الطموح السياسي للفرد وللحزب. إن التاريخ الطويل الذي اتسم بمنع الأحزاب لدينا والرفض الرسمي للحزبية بطرائق مختلفة، والذي امتد لما يقرب من جيلين منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحالي، وما رافق تلك المرحلة من أدبيات ومواقف واجراءات رافضة للحزبية طور ثقافة مجتمعية تتحرك سلبياً ازاء الانخراط في العمل السياسي والانتساب للأحزاب، الأمر الذي دفع المواطنين للابتعاد عن العمل السياسي الحزبي، وأسس لثقافة مجتمعية غير متصالحة مع الحزبية ومتوجسة منها. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن جزءا كبيراً من القوى العاملة، في حدود 40 % من القوى العاملة، تندرج تحت مظلة الوظيفة الرسمية فقد تغلغلت ثقافة الابتعاد عن السياسة والتشكك في الاحزاب في عمق المجتمع الأردني. الأمر الذي يستدعي تبديل هذه الثقافة، ولكن التبديل هذا لا يتحقق من خلال الكلام والاعلام والأحاديث هنا وهناك، وانما يتحقق من خلال الممارسة العملية التي يراها المواطن العادي، ويتلمسها الشباب عن قرب، كما يتحقق من خلال دعم الحريات، وتحديث التعليم باتجاه الجودة النوعية والمتطلبات المستقبلية، وتمكين الشباب في وقت مبكر من المهارات الريادية والرقمية والتخصصية وصنع الأشياء، ومن الفكر التحليلي والتركيبي والتفكير الناقد، والتربية الوطنية، والاطلاع على تجارب الأمم في التنظيم السياسي والنهوض الاقتصادي الاجتماعي على طريق التقدم.. فإذا تساءل الشباب أين الاحزاب من المشاركة السياسية اليوم؟ فإنهم لا يجدون جواباً إلا بشكل ضبابي. لأن الجواب المطلوب تصنعه الإدارة الرسمية حين تشارك الأحزاب في النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هل كانت الاحزاب شريكة في رؤية التحديث الاقتصادي؟ وهل كانت شريكة في رؤية التحديث السياسي أو الإداري؟ الإجابة كلا، وغير ذلك الكثير. إنه ليس من الحكمة ان ننتظر الانتخابات النيابية حتى تدخل الاحزاب البرلمان ثم ممارسة العمل السياسي من تحت قبة البرلمان، بينما خارج البرلمان لا مكان بارزا لهم إلا في الحديث والإعلام.
ويشير البعض إلى ان الأحزاب لدينا ضعيفة ومتفرقة، وكثيرة العدد تصل إلى 54 حزباً، وبرامجها ربما بنسبة 80 % متشابهة، وبعضها أحزاب يحتكر رئاستها شخص واحد، وغير ذلك الكثير من السلبيات. وهنا علينا أن نصل إلى قناعة تامة أن تصحيح الحالة الحزبية لا يتحقق إلا من خلال الممارسة الفعلية التي تولد ديناميكيات جديدة باتجاه تصحيح الأخطاء والدمج والتآلف والتكتل والتطوير والتحديث.
والسؤال لماذا لا تضع الإدارة بالتشاور مع الأحزاب مدونة سلوك للأحزاب تكمل قانون الاحزاب وتؤكد على ديمقراطية الادارة وتداول السلطة داخل الحزب والمسؤولية المجتمعية التي ينبغي الاضطلاع بها، وتثبت الأخلاقيات الوطنية والانسانية في العمل الحزبي. واذاك يشعر الجميع والشباب خاصة ان الوطن امام عمل حزبي وسياسي من نوع مختلف عما كان في الماضي بغض النظر عن تفاصيل ذلك الماضي.
(3) الاهتمامات
حتى يمكن للشباب ان يصبح جزءا من العملية السياسية وخاصة الحزبية منها لا بد من دراسة الحالة الشبابية بعمق وإلقاء الضوء على اهتمامات الشباب والتعرف على اولويات تلك الاهتمامات. وتبين الدراسات حول الشباب ان الاهتمامات حسب اولوية ترتيبها تبدأ بالمسائل الاقتصادية لتشمل فرص العمل وتأمين الدخل والوظيفة المستقرة خاصة بعد أن تفاقمت مسألة البطالة ليصل معدلها العام 23.6 % وبين الشباب 48 % وبين الجامعيين ومن هم فوق الثانوية العامة58.3 %. تلي المسألة الاقتصادية مسألة التعليم والتعلم والتمكن من دخول الجامعة والتخّرج منها، ثم بترتيب ثالث المسألة الاجتماعية من حيث الفقر والذي بلغت نسبته 24 % والارتقاء من شريحة محدودة الدخل الى شريحة أعلى والسكن والزواج، والتعامل مع مظاهر الواسطة والمحسوبية والقرباوية والفساد. ثم بترتيب رابع المسائل السياسية بالمفهوم العام اي ما يجري في البلاد من أحداث. ويأتي في الربع الأخير من القائمة الانخراط في العمل السياسي والحزبي، وبالتالي فإنه من غير الممكن الوصول إلى نتائج عملية في تحفيز الشباب باتجاه العمل السياسي والحزبي في وقت مبكر دون مواجهة الاسئلة التي تمثل محور اهتماماتهم، ودون ان يجدوا اجابات عملية مقنعة، بما في ذلك التوسع في إنشاء المشاريع الإنتاجية الجديدة والتحول نحو تصنيع الاقتصاد الوطني. هل سيساعد نظام تنظيم العمل الحزبي في الجامعات على تعزيز قناعة الشباب بالعمل السياسي من خلال الاحزاب؟ اغلب الظن انها دعوة سابقة لأوانها، بل لا مبرر لها. العمل الحزبي أساسا هو نشاط خارج الجامعة وليس في داخل الجامعة. المطلوب في هذا الشأن ألا يكون هناك موقف سلبي للإدارات المختلفة في الدولة من الشباب المنضمين للأحزاب أو المناصرين لهم. سواء كان الشاب طالباً في الجامعة أو باحثاً عن وظيفة، وسواء كان مستفيداً من بعثة او مكرمة او كان مستقلاً عن كل ذلك. ومثل هذه الممارسات لا يقنع فيها الكلام او الشعارات، وانما الواقع العملي، خاصة اننا نعيش في «عصر اللاأسرار» فكل إجراء وكل موقف وكل ترتيب مهما كان بعيداً عن الانظار سرعان ما يكتشفه الناس، وتتداول اخباره مواقع التواصل الاجتماعي والنشرات والصحف الالكترونية. إن الاداء الحزبي هو انعكاس لأداء الادارة في المجتمع. ولا يمكن للأداء الحزبي ان يكون مقنعاً للأجيال الناشئة دون ان تكون الادارة الرسمية مقنعة لهم من حيث الشفافية والنزاهة والعدل في التعامل مع المواطنين. ليس الاشكال في تنظيم العمل الحزبي في الجامعات وانما الاشكال في تطوير ثقافة وطنية مجتمعية مستقبلية قائمة على الممارسات الصحيحة.