مؤتمر القمة.. هل يصنع التغيير؟

ينعقد مؤتمر القمة العربية وقد تجاوزت المتفجرات الملقاة على غزة 36000 طن والجرائم الإسرائيلية على أشدها، ومعاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية في ذروتها. إضافة إلى أن العالم بأسره بعد أن انخدع بالكذبة الإسرائيلية في 7 تشرين الأول (اكتوبر) و “الفوتوشوب المفبرك” بأن المقاومة الفلسطينية ارتكبت فظائع ضد الأطفال والنساء، انخدع ليومين أو ثلاثة، لتتضح الحقيقة على مدى الخمسة والثلاثين يوما الماضية من أن الاحتلال العنصري الإسرائيلي هو الذي يرتكب الفظائع ضد كل ما هو إنساني، وأن المقاومة تعاملت مع الأسرى بعيدا عن القسوة والتنكيل كما يفعل الإسرائيلي كل يوم في الأبرياء في فلسطين. وخرجت المظاهرات والتنديدات بالعدوان في عواصم العالم من واشنطن إلى لندن إلى باريس وبرلين مروراً بالمدن العربية والإسلامية في افريقيا وآسيا حتى جاكارتا في اندونيسيا وسدني في استراليا. لقد تطور نتيجة لبسالة المقاومة ومشروعية الحقوق الفلسطينية، ولهمجية وعنصرية الكيان الصهيوني، حصل تغير ملحوظ في موقف معظم شعوب العالم، باستثناء حكومات أميركا وبريطانيا والمانيا وفرنسا التي لا ترى العالم إلا بالعيون الإسرائيلية، ليس حبا في اليهود، ولا غراما كاذبا بإسرائيل، ولكن لان إسرائيل ورقة انتخابية مربحة لديهم، ولأن إسرائيل تساعد الغرب على دفع المنطقة العربية باتجاه التفتت والصراعات المذهبية والطائفية والجهوية، فتحافظ بذلك على سيطرة الغرب على الجزء الأكبر من مقدرات دول المنطقة ومن التحكم بسياستها وقراراتها. ومع هذا لا بد من التأكيد بأن الدول لا تغير مواقفها بشكل ملموس إلا من خلال الضغوط والإجراءات العملية التي يتخذها الطرف الآخر.

لقد اثبتت عملية طوفان الأقصى وما يرافقها من تضحيات فلسطينية متميزة اثبتت للجماهير العربية انه بالإمكان وضع حد للغطرسة الإسرائيلية واستخفافها بدول المنطقة، إذا توفرت الإرادة والصمود والتضحية والتمسك بالحقوق. وبذا كسرت طوفان الأقصى الأسطورة الإسرائيلية التي زرعتها في نفوس الأنظمة العربية منذ عام 1967 بأن إسرائيل لا تقهر. كما اثبتت الجماهير العربية أن تعاطفها مع الحقوق الفلسطينية جزء من ضميرها الوطني والإنساني والعروبي بغض النظر عن الاتفاقيات والمعاهدات. وتبين للجماهير العربية وبشكل قطعي أن إسرائيل لها أطماعها في كل البلاد العربية ابتداء من احتلال الأرض، مروراً بالسيطرة الاقتصادية والمالية الظاهرة أو الخفية، وانتهاء بعرقلة أي تقدم وتفوق وتكتل عربي. كما أن الوحشية التي ترتكب فيها جرائمها في غزة وفي الضفة والتي تستمدها من النازية العنصرية لا تبعث على الثقة بأي مستقبل عربي مع دولة الاحتلال.

ومن هنا فإن الجماهير العربية كانت تتطلع إلى مؤتمر القمة بشيء من الأمل ليختلف عن المؤتمرات التقليدية السابقة التي تنتهي ببيانات الشجب والاستنكار، وعدم فعل أي شيء على أرض الواقع. كما وستقيم المؤتمر ليس بمجرد البيان وإنما بالقرارات العملية رهن التنفيذ في اتجاهات عديدة أهمها: اولاً تجميد فوري لجميع الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات والعلاقات مع الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً وسياحياً وثقافياً وفي أي نشاط آخر ثانيا: الاتفاق على تخفيض معدلات إنتاج النفط والغاز إذا لم تضغط أميركا على إسرائيل لتوقف الحرب فوراً تمهيدا للدخول بعد ذلك في مفاوضات حول تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسسطينية وإسرائيل على طريق انهاء الحرب كليا وخروج القوات الإسرائيلية من القطاع: ثالثا الاصرار على فتح المعابر لقطاع غزة دون عوائق ادارية وأمنية مفتعلة رابعاً: التزام دول القمة بالمشاركة في عملية سريعة لاعادة بناء المنظومة الصحية والتعليمية والإسكانية في القطاع. وإزالة العوائق أمام تدفق الأدوية والمستلزمات الطبية، خامساً: الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للإعادة الفورية للمياه والوقود وعدم استعمال أساسيات الحياة كسلاح عقاب جماعي ضد المدنيين، سادساً: وضع صيغة مؤسسية ومالية دائمة لحماية الشعب الفلسطيني ومساندة المقاومة، سابعاً: التزام دول المؤتمر بشكل قطعي بالموقف الأردني المتمثل بوحدة الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ورفض اي محاولة للفصل بين الضفة والقطاع ثامناً:التزام دول المؤتمر بالرفض القطعي لتهجير الفلسسطينيين من غزة أواي بقعة فلسطينية الى اي مكان آخر واعتبار التهجير القسري بمثابة إعلان حرب على الدول العربية، تاسعاً: التزام دول القمة بالحل النهائي للصراع على اساس الدولتين وبحدود الرابع من حزيران 1967 باعتبار ذلك هوالحل الجذري الدائم للصراع والطريق الوحيد لاستقرار المنطقة، عاشراً: التواصل مع الدول المؤئرة مثل الهند وعلى اعلى مستوى لتغيير موقفها تجاه الحرب ضد غزة ووقف مؤازرتها للعدوان الصهيوني، والتوجه نحومقاطعة الدول  والشركات المؤيدة للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية ولتكون البداية في العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.
ان ما تقوم به اسرائيل من حروب ابادة جماعية ضد الفلسطينيين يجب ان يحفّزالضغط من جميع دول القمة العربية وبعدها القمة الإسلامية على الولايات المتحدة باعتبارها راعية السياسة الاسرائيلية العدوانية ومانحة لها الغطاء القانوني في المؤسسات الدولية. وبطبيعة الحال فإن الجماهير العربية واعية تماماً للمواقف والقرارات ولم يعد يهمها الكلمات الرنانة بدون افعال، فالتغيير لا يتحقق الاّ بالعمل. وعلى القمة ان تدرك بعمق وكل دولة بذاتها ان التخلي عن فلسطين وعدم نصرة المقاومة، رغبا في العطايا اورهبا من العقوبات، سيضع كل دولة عربية وكل مقدس إسلامي ومسيحي في دائرة الخطر، ان لم يكن اليوم ففي المستقبل غير البعيد. لقد جاءت عملية طوفان الأقصى لتفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الأنظمة العربية والمسألة الفلسطينية ولتبعد الجميع عن التقسيمات والتصنيفات لفصائل المقاومة وتصفية الحسابات القديمة، مهما كانت مبرراتها في حينها. فالوحش الإسرائيلي وقد قتل حتى اليوم 4000 طفل و3000 امرأة من أصل 11000 شهيد و30000 جريح لا يميز بين مدني وعسكري ولا بين مسلم ومسيحي ولا بين حمساوي وفتحاوي. إنه فقط يقتل ويدمر ويحرق على النمط الأميركي في فيتنام والعراق، وهذا سلاحه الأساسي في أطماعه التوسعية. فلتكن القمة بداية لعهد عربي وفلسطيني جديد يرفض الاحتلال ويحارب التهجير، ويقوم على إنتهاء الانقسامات، وعلى الثقة والتعاون والتماسك والأمل بالمستقبل والدولة الفلسطينية المستقلة الموحدة، وبدء عهد عربي جديد.