غزة الصامدة… هل تنتهي المعاناة؟

قبل أيام قليلة، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ،الانروا،عن وقف مساعداتها النقدية للمتضررين من العدوان الهمجي الإسرائيلي الأخير على غزة. ذلك العدوان الذي راح ضحيته أكثر من 1500 شهيد وآلاف الجرحى و مئات المدارس والمستوصفات والمراكز الطبية، وعشرات الآلاف من البيوت بين تدمير كامل و جزئي. وكانت هذه المعونات النقدية مخصصة لإصلاح وإعادة بناء آلاف المنازل التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية الوحشية وتركت أصحابها مقتلعين من بيوتهم هائمين دون مأوى. وكما قال سمو الأمير حسن في بيانه انه “من المهم تذكير العالم بحجم المعاناة الإنسانية والفظائع الدموية التي عاشها أهلنا في غزة.” والشيء اللافت للنظر، أن قرار تقديم المساعدات المالية لإصلاح المنازل المهدمة جاء بإجماع دولي على إعادة إعمار غزة، وتأهيل المتضررين من أهلها، وهم جميعاً من المدنيين الأبرياء الذي ليس لهم أي علاقة بالأعمال العسكرية، الأمر الذي يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي والاتفاقيات الدولية بشأن المدنيين. وواقع الأمر أن معاناة الأهل في غزة بلغت حدوداً غير مسبوقة في قسوتها، وفي سكوت العالم عنها بما فيها سكوت العالم العربي ، رغم التقارير الدولية العديدة التي ترسم الحالة المأساوية التي يعيشها الناس هناك . ومن سوء الحظ، أن يأتي هذا الحصار الخانق بهذه الطريقة الوحشية التي ينضح بها الحقد الإسرائيلي على كل ما هو فلسطيني وعربي، في ظروف عربية و دولية بالغة التعقيد. يأتي هذا الحصار في الوقت الذي تموج فيه المنطقة بالأحداث والاضطرابات والحروب والانقسامات، و الأعمال الإرهابية في أكثر من نصف دول العالم العربي، بما في ذلك على حدود غزة نفسها. وهذا يلقى بظلال من الانقسام والنسيان على المأساة المروعة في هذا القطاع المنكوب، إضافة إلى سوء قراءة السياسات المتعلقة بها من أكثر من طرف.  أن المساعدات المنفردة التي تقدمها بعض الدول العربية لغزة وفي مقدمتها الأردن وبعض دول الخليج لن تكون كافية لمواجهة غزة للحصار الإسرائيلي القاتل، والذي يهدف إلى تشديد الحصار حتى تصبح غزة سجناً لجميع سكانها ليضطروا بعدها إلى الخروج وهجرتها دون عودة. إن الحلم الصهيوني القبيح في تفريغ فلسطين من سكانها، حتى لو كان بالقتل البطيء على خطى هتلر و جوبلز، لازال قائماً في العقل الإسرائيلي ولا زال جزء عميقا و فاعلا من السياسة الإسرائيلية. وفي هذا يقول تقرير منظمة العفو الدولية الهيومان رايتس ووتش:” يعمل الحصار الإسرائيلي على منع استيراد وتصدير السلع التجارية والزراعية (وبطبيعة الحال الصناعية والإنشائية) مما أصاب اقتصاد غزة بالشلل، إضافة إلى حظر السفر للأغراض الشخصية أو التعليمية أو الصحية. وكان للحصار اثر كارثي على صحة وسلامة المدنيين في غزة. فهناك 4 مراكز صحية و 26 مدرسة و 350 مؤسسة تجارية تم تدميرها بالكامل، إضافة إلي تدمير آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، وغير ذلك من المرافق الشيء الكثير. والسؤال: هل يعني ذلك الاستسلام للجلاد الإسرائيلي المرتعد في أعماقه من صمود و صبر و جلد و تصميم الفلسطينيين في غزة و الضفة الغربية؟ و هل يعني ذلك التغاضي عن الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني على المجتمع الدولي لتوقف الانروا مساعداتها النقدية لإعادة تأهيل البيوت والمدارس التي دمرها العدوان؟  بالتأكيد لا.  إن إسرائيل تدرك بوضوح أن هناك تحولات حقيقية في الرأي العام الأوروبي لصالح الفلسطينيين و ضد العنصرية الإحلالية  الإسرائيلية، وهي تحاول أن تغطي هذا التحول بشتى الوسائل بما في ذلك الضغط على الدول المانحة أن تتوقف عن تمويل الانروا بل و تضغط باتجاه إغلاقها بالكامل. و عليه أولا لابد من حركة ضغط عربية متجددة و ذات طابع رسمي و أهلي تكون أركانها  فلسطين والأردن والسعودية ودول الخليج ومصر و المغرب والجزائر للضغط على الانروا للرجوع عن قرارها بوقف المساعدات. ثانياً: لا بد من الضغط على إسرائيل في المحافل الدولية لوقف الحصار و إنهائه كلية،  و إنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية كاملة التزاماً بحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف الأربع. ثالثاً: رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الحصار باعتباره خرقاً فاضحاً للقانون الدولي و الإنساني وتستطيع فلسطين التي تم الاعتراف بها بالأمم المتحدة أن تتحرك بهذه الدعوى مباشرة أو من خلال دولة عربية أخرى رابعاً: أن تأخذ الجامعة العربية واتحاد البرلمانيين العرب الموضوع مأخذا جادا، فتضع  برنامجا مشتركا لمخاطبة البرلمانات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والتركيز على الجانب الإنساني في الحصار وكشف المآسي الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، في ظل مخالفة إسرائيل لجميع المبادئ و الأعراف والقوانين الدولية و الإنسانية. خامساً: أن يتم ضغط عربي من خلال القنوات الدبلوماسية لتفعيل صندوق إعمار غزة، وتتحرك الأقطار العربية بقوة اكبر لمساندة هذا الصندوق ومطالبة الدول المانحة بالإيفاء بالتزاماتها تجاه إعادة الأعمار. وأخيرا، فهناك موضوع الأحداث الدامية التي تجري في سيناء، والتي تنعكس ارتداداتها السلبية على قطاع غزة، ولا بد من التحرك لوضع حد لما يجري، ليس فقط لأنه يشكل استنزافاً للإمكانات المصرية واستعداء لها دون مبرر، ولكن لأنه يشكل أداة جديدة لتعقيد الحصار على القطاع. وعلى المستوى الدولي، فإن تجاهل ما يجري في غزة وإغماض العيون عن المآسي الإنسانية هناك من شأن ذلك أن يزيد الأمور تعقيداً في المنطقة بأسرها، ويعطي لقوى التطرف بأشكالها المختلفة وقوداً لاستمرارها في عملياتها البشعة، الأمر الذي يدفع المنطقة إلى مزيد من  العنف والإرهاب و التطرف في الوقت الذي تتحالف فيه دول العالم ضد الإرهاب. إن مستقبل المنطقة واستقرارها والقضاء على الإرهاب الذي أصبح يهدد العالم بأسره، مرهون بحل مشكلاتها الإنسانية والسياسية. وتأتي غزة والقضية الفلسطينية بكاملها في سلم الأولويات.