القانون الدولي… والتطرف الإسـرائيلي

لم يشهد العالم دولة عضواً في الأمم المتحدة، تهدد خصومها بالاعتداء عليهم إذا هم احتكموا إلى القانون الدولي ، كما تفعل إسرائيل، وتباشر بسلب أموالهم  ومصادرتها لأنهم ذهبوا يتظلمون إلى مؤسسات الأمم المتحدة، ابتداء من مجلس الأمن وانتهاء بمحكمة الجرائم الدولية. وبطبيعة الحال  فإن نتنياهو  لا يتساءل أبداً، ولا ليبرمان ولا تتساءل الإدارة الأمريكية إذا لم يختصم الخصوم أمام المؤسسات الدولية ووفق القانون الدولي فماذا هم فاعلون؟ ولماذا وجدت هذه المؤسسات ؟ أليست مهمتها الأولى فض الخصومات وحل النزاعات بين الدول؟ و من جهة ثانية، لم يشهد العالم دولة كبيرة وعظمى، تنساق مغمضة العينين وراء حليف صغير يؤذي مصالحها، و يهدد استقرار المنطقة والعالم، ويدفع الشعوب إلى كراهيتها، كما هي الولايات المتحدة الأمريكية.أما ظهور نتنياهو  في الصف الأول في مظاهرة باريس ضد الإرهاب فإنه لن يطمس حقيقة أن سياسات إسرائيل الإحتلالية التوسعية العنصرية هي أحد الروافد  الرئيسة للتطرف والإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة.
لقد كانت خطوة جيدة أن ذهبت السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن تطلب انتهاء الاحتلال مع نهاية عام 2017 وقيام الدولة الفلسطينية على أراضيها على حدود عام 1976، إضافة إلى القدس كعاصمة للدولة.
لم يتمكن المشروع أن يحظى بالأغلبية اللازمة، وهذا ليس نهاية العالم. لقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أيام انه بصدد بحث خطة جديدة مع الأردن لتقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس الآمن يدعو من جديد إلى إقامة دولة فلسطينية، وذلك بعد أن تغير (4) من أعضاء مجلس الأمن ليحل محلهم (4) أعضاء جدد هم أكثر تعاطفا مع الحقوق الفلسطينية، واقل اكتراثا بالضغوط الأمريكية.  ومع هذا فإن استخدام الفيتو الأمريكي أمر متوقع، وينبغي أن لا يثنى الفلسطينيين عن عزمهم على عرض الموضوع مرة ثانية وثالثة حتى ترضخ كل من إسرائيل والولايات المتحدة للضغوط الدولية وللقانون الدولي. وعلى الدولة الفلسطينية أن تدرك أن معاركها الرئيسية وعلى مدى العشرين سنة القادمة ستكون على (5) محاور رئيسية هي: السياسي والقانوني والإعلامي والمجتمع المدني والبرلماني. وهي معارك ليست لمرة واحدة، وحروب وليست حربا واحدة. وإذا كانت الظروف الإقليمية والدولية والإمكانات الموضوعية لا تسمح باستخدام القوة من اجل إزالة الاحتلال وإنهائه، فإن العمل على المحاور “السلمية”  هو بنفس الأهمية والفاعلية، وليس فيه ما يخالف القانون الدولي. ويتطلب من الإعداد والاستعداد ما لا يقل عن الأعمال العسكرية.
لقد كان مشروع القرار الذي تقدمت به فلسطين ورفضه مجلس الأمن في 30/12/2014 فيه الكثير من الثغرات والهنات والمآخذ، وقد تم إعداده على عجل وبدون رؤية مستقبلية واضحة و متأنية، و ربما بدون دقة متناهية في استخدام الكلمات، حتى لا تكون هناك عبارات يمكن  تأويلها لصالح إسرائيل .وهنا يتوجب على الإدارة الفلسطينية أن يكون لديها فريق من الخبراء في القانون الدولي، وفي أعمال الأمم المتحدة وصياغة قراراتها ومضامين مفرداتها، حتى لا يقع أي مشروع في هفوات وأخطاء لا احد يريدها، سواء ما يتعلق بالقدس أو اللاجئين أو الحدود أو غيرها. كما أن العمل على المحور الإعلامي يتطلب الجهد والتنسيق ليس على المستوى الفلسطيني، وإنما على المستوى العربي، والاهم من كل ذلك على المستوى الدولي. هل يمكن إنشاء إعلام فلسطيني- عربي يخاطب العقل الأوروبي والأمريكي بالعلم والحكمة و الوثيقة و حقوق الإنسان والقانون ويؤثر فيه ؟ذلك هو التحدي الذي يتطلب” إنشاء مشروع إعلامي جاد و مهني” لهذه الغاية. فذلك هو المدخل للتأثير على مواقف الدول في أوروبا وأمريكا. وبنفس الأهمية فإن كلا من منظمات المجتمع المدني والبرلمانات لها دورها البالغ الحيوية  في الضغط على الدول، خاصة وان بدايات التحول أخذت تتصاعد في مواقف البرلمانات الأوروبية. بل إن خطاب مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن حمل في مقدماته الاعتراف الكامل بالحقوق الفلسطينية في الدولة وحدود (1967) وغير ذلك مما يمكن البناء عليه.
إن للجامعة العربية رغم ضعفها، وللدول العربية دور كبير في كل ذلك. و أن أحداث باريس الإرهابية و وقفة التضامن العالمية مع باريس التي شارك فيها الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا و الرئيس محمود عباس ،إضافة على ما يقرب من 50 شخصية من قادة العالم  و كذلك قمة مكافحة الإرهاب المنتظر انعقادها قريبا، من شأن ذلك أن يفتح الباب من جديد لتسليط الأضواء على التطرف و الإرهاب الإسرائيلي، باعتباره واحدا من الأسباب الرئيسية للإرهاب في المنطقة .إن تصريحات الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي بضرورة قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ينبغي أن يكون بداية لمرحلة جديدة  لدعم فرق العمل التي يتم تشكيلها لتغطية  متطلبات المحاور الخمسة التي اشرنا إليها.
إن على الجانب الفلسطيني والعربي أن يدرك بعمق وقطعية، أن اليمين الإسرائيلي لا يؤمن بالسلام أبدا. وهو يناور ويداور لشراء الوقت و تجذير الإحتلال، و على العرب أن ينقلوا هذه الصورة بوضوح للعالم.  كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترى المنطقة إلا من خلال الإشارات الإسرائيلية المضللة ،و لن تتغير إلا من خلال الضغوط العربية. وبالتالي فإن الحروب السياسية والقانونية والإعلامية والمدنية والبرلمانية هي الطريق الوحيدة لإحداث التغيير. وسوف تستمر إسرائيل بالتهديد والوعيد وإيقاع مزيد من الاعتداءات على الفلسطينيين، وإعاقة اعمار غزة وتشويه صورة النضال الفلسطيني، وسوف تستمر الولايات المتحدة بالضغط على السلطة من خلال التهديد وحجب التمويل، ووصف كل إجراء تقوم به الدولة الفلسطينية أنه أحادي ولا يساعد على الوصول إلى السلام. ولكن المناخ العربي رغم ما فيه من تناقضات فإنه يحمل بذور التغيير، ويكفي هنا التوافق الأردني السعودي الخليجي المصري. وعلى الفلسطينيين أن يخرجوا نهائيا من الانقسام، و أن تدرك حماس أن السيطرة على  غزة لن تزيدها إلا عزلة. وعليهم التوحد حول برامج العمل والخروج من عباءة الفئوية القاتلة و أن يستفيدوا من الإمكانات العربية، ويتواجدوا في كل منبر دولي وفي كل منظمة وهيئة دولية، وان يكون لهم صوت مسموع في أنحاء العالم بلغة يتداولها الآخرون ويفهمونها. وآنذاك سيكون تحقيق الأمل الفلسطيني بالاستقلال الكامل ممكن في المستقبل القريب.