داعش وحلفاؤها… هل تكتسح العراق ؟؟

ما يجرى في العراق نموذج حي على انهيار الدولة من الداخل والخارج معاً، وفشلها في أن تكون قادرة على المحافظة على وحدة ترابها، وحماية مواطنيها، وضمان سيادة القانون و التنسيق مع حلفائها. وهو ليس بعيداً عن ما يجري في سوريا وليبيا والى حد أقل اليمن. أن تسقط مدينة الموصل العريقة وتتبعها تكريت و بيجي، ويضطر نصف مليون إنسان إلى الهجرة والنزوح عن ديارهم، أمر لم يكن يتوقعه أحد.
كان الظن قبل عام 1990 أن العراق هي الدولة العربية القوية المتماسكة .فأين بناء الدولة الذي يفترض أن يقوم على كاهل جميع المواطنين و تنظمه المؤسسات؟. و أين الحرص الوطني على بقائها؟ وما هو سر قوة هذه «الداعش» حتى تدحر قوات الجيش و الأمن الحكومية والإنفاق العسكري 6 مليارات دولار ؟ وكيف أمكن للقوى الأجنبية أن تقسم الشعب العراقي هذا التقسيم الدموي الطائفي العرقي المذهبي السياسي الجهوي ؟ وكيف تستطيع مجموعات من المسلحين تعد بالمئات أو بالآلاف أن تجتاح بلداً لديه جيش يزيد عن (250) ألف وينفق على التسليح عدة مليارات سنوياً . يمكن القول بأن تدخلات أجنبية هنا وهناك تدعم ما يجري و تزود داعش بالمال والسلاح،كما يجري في ليبيا واليمن وسوريا والسودان. القصص كثيرة حول التحاق ضباط من الجيش العراقي السابق مع داعش في محاولة للثأر و الرد على العمليات اللاعقلانية لاجتثاث البعث.
و الدرس الأساسي الذي يجب تعلمه : أن بنية الدولة العربية عموماً هي بنية ضعيفة. لأن المواطن فيها لا يشعر بالانتماء للدولة بأرضها وشعبها ومؤسساتها وقوانينها ونظامها ،وإنما ولاؤه للنظام الحاكم، وللمتنفذين الذين يقدمون له الفرصة، ويمدونه بالمال، ويفتحون له أبواب التوظيف. وهذه كلها لا تشكل منظومة يمكن أن تحافظ على بناء دولة وتماسكها.  فما أن يهتز النظام أو تتغير الفرص حتى ينقلب الناس كأفراد مع الرياح الجديدة. لقد فككت المجموعات المسلحة في ليبيا الدولة بكاملها ويحاول الأخوان فعل ذلك في مصر فانفلتت أجناد مصر وأنصار بيت المقدس. وهذا يفسر كيف تستطيع « حركة» لم يكن لها وجود قبل سنوات قليلة أن تسيطر على محافظات بكاملها وأن تهدد باجتياح العاصمة بغداد.

د. ابراهيم بدران

هذا إضافة إلى سيطرتها على محافظة الرقة في سوريا والدور الذي تلعبه في تشتيت المعارضة وخدمة النظام. ولأن الحكم الذي جاء بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لم يعبأ إلا بتثبيت أقدام «النظام» وتعامل مع بلد كبير من منظور الطائفية والعرقية والجهوية، فإن المواطنين النازحين من الموصل وتكريت راحوا وكما تقول الأنباء يتعاطفون بخجل مع مسلحي داعش .. لماذا ؟ نكاية في نظام المالكي وطريقة حكمه ونظرته الطائفية، ولماذا ؟ لأن داعش تقول أنها تنتصر للسنة. وهكذا فالدولة العراقية التي استقلت منذ (94) سنة أصبحت الآن مقسمة تحكمها الفوضى والاضطراب ويتخطفها المسلحون والمرتزقة، ويعاني المواطنون أصعب ظروف المعيشة الإنسانية .
المنطقة فقدت السيطرة على مجريات الأحداث فيها. وليس هناك بادرة للقاء رؤساء وزعماء المنطقة وقادتها لبحث ما يمكن أن يفعلوه. فالكل في خوف و ضعف،و مشغول بما لديه من أزمات.
وهذا يعيدنا إلى نقطة البداية. على الدول العربية جميعها وعلى السياسيين والمثقفين والمفكرين والقيادات، عليهم أن يدركوا أن الدولة المتماسكة والوطن القوى هو الذي يضمن لهم وللشعب الاستمرار والبقاء، ليست السلطة ولا قوة الأمن فقط هي التي تضمن السلامة، وإنما انخراط الناس جميعاً في بناء دولتهم .. بناء دولتهم وليس بناء دولة الحاكم التي يمكن أن يتخلوا عنها تحت ضغط الظروف.
هل يمكن للدولة  الحريصة على مستقبلها أن تؤلف مجموعة من الخبراء للنظر في مدى سلامة بنيان الدولة؟ وتخرج تلك المجموعة بحزمة من التوجهات والإجراءات التي من شأنها إذا تم تنفيذها أن تشعر كل مواطن بأنه شريك في الدولة بكل ما فيها وبالتالي سيدافع عنها ويحرص عليها . صحيح أن هناك مبادئ أساسية مثل الحرية والمواطنة والمشاركة وتكافؤ الفرص والتنمية الاقتصادية والتعليم والشفافية وسيادة القانون، ينبغي أن تكون القاعدة التي تقوم عليها الثقافة الوطنية والممارسة الفعلية الإدارية الرسمية .ولكن الإشكال ليس بالعناوين وإنما ما يجري على الأرض من تنفيذ فعلي. وعلى الدولة أن تحدد ما هي الأفكار والترتيبات والثقافات والممارسات التي تقلل من شأن الدولة وتجعلها في نظر مواطنيها وخاصة الشباب شيئاً هامشياً ثانويا، أو مجرد حفنة من تراب ،أو « ولاية» من الولايات التي سوف تقيمها داعش في هذا المكان أو ذاك. هل كان يتصور أحد أن العراق وليبيا وسوريا واليمن بكل ما فيها أصبحت عرضة  للاجتياح هكذا…. فما هو مستقبل المنطقة إذن ؟