بعيدا عن السياسة .. و قريبا من السياحة

يشكل قطاع السياحة جزء هاما من النشاط الإقتصادي الوطني  يصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يزيد عن  2000مليون دينار لسنة 2013، إضافة إلى فرص العمل الواسعة.وقد استقبل الأردن عام 2013 ما يزيد عن 3.9 مليون سائح و زائر،و كان ترتيبه الرابع بين دول المنطقة، في حين كان ترتيبه  60 على المستوى الدولي. أما مؤشر التنافسية السياحية فكان 4.18 من 10، و أهمية هذا المؤشر أن يعبر عن عدد من المفردات الهامة في صناعة السياحة ،وهي التشريعات وديمومة البيئة والأمن والصحة والنظافة والبنية التحتية للسفر وبنية تكنولوجيا المعلومات والأسعار والموارد البشرية والثروات الطبيعية والمصادر الثقافية.
و قد قطع الأردن شوطا جيدا في تطوير السياحة، و التي في مقدمتها السياحة العلاجية والتعليمية والثقافية والدينية والدراسة والاستشارات و غيرها .
و ينعم الأردن بالأمن والإستقرار في منطقة بالغة التعقيد، تجتاحها الكثير من العواصف والتقلبات و الإنقسامات وتفكك الدول، وغياب سلطة القانون، وتوقف السياحة إلى معظم الأقطار غير المستقرة. وهذا أعطى الأردن ميزة جعلته جاذباً للسياحة والزيارة سواء في شكلها الإعتيادي أم لغايات محددة . وكانت هناك إنجازات كثيرة . و لعل زيارة قداسة البابا التي حققت نجاحاً ملفتاً للنظر إضافة إلى إشادة المؤتمر الإقليمي الثالث للسياحة العلاجية بالإنجازات الأردنية و بتطور هذا القطاع رغم الظروف السياسية والاقتصادية البالغة التعقيد على مستوى الإقليم كلها مؤشرات ايجابية لها قيمة عالية.
ومع هذا  فنحن بحاجة إلى اهتمام أكبر بقطاع السياحة وتطويره كصناعة حديثة، لها قيمة مضافة عالية، وتشمل أماكن مختلفة من البلاد، وقادرة على توليد فرص عمل جديدة للشباب، ومدخل لتدعيم بنية الطبقة الوسطى و تنمية المحافظات، و النهوض بالصناعات الحرفية الشعبية. والسياحة الحديثة كما هو معروف ليس مجرد فندق وطعام، وإنما هي أعمق من ذلك بكثير و تنبثق عنها صناعات   “قبلية” و” بعدية” كثيرة، وتحتاج إلى أفكار مبدعة وجهود خلاقة لكي تبعث في السياحة الحيوية والجاذبية. وهذا يدفع باتجاهات رئيسية أربعة : الأول : مراجعة التشريعات وتطويرها لتخدم قطاع السياحة وتجعل الزيارة إلى الأردن والإفادة من إمكاناتها العلاجية أو الدينية أو الثقافية أو التعليمية أمراً مريحاً للسائح وبعيداً عن التعقيد لجميع الأطراف. الثاني : انخراط الأكاديميين والكتاب والفنانين و المثقفين في تطوير أجواء سياحية تستند إلى خلفية راقية من الكتابات والمؤلفات والأعمال الفنية المنوعة والأفلام والقصص والكتب حول المكان والزمان. فلا يعقل أن تكون مجموعات الفنادق في البحر الميت مثلا خالية من نشاطات أو مهرجانات  فنية مشتركة. الثالث : التوجه إلى المحافظات والتي تتمتع كل منها وبدون استثناء بجاذبية خاصة، وتشجيع المستثمرين على إقامة الصناعات و المرافق السياحية المنوعة والمتوسطة الحجم بداية قبل الدخول في مشاريع كبرى. الرابع : النظر إلى السياحة من منظور مستقبلي وليس مجرد اقتناص فرصة عابرة .فهناك “بعض” المؤسسات التي تتعامل مع السياحة العلاجية مثلاً بنوع من الإنتهازية، و هي قليلة ، فتسمح لمن فيها أن يمارسوا الاستغلال والغبن ضد السائح الزائر .وغالباً ما يرافق ذلك استياء شديد وخلافات وشكاوي تضع المؤسسة و أحيانا الدولة في موقف حرج وتترك انطباعاً سلبياً لدى الزائرين وعلى قطاع السياحة بأسره. بعض القطاعات تتقاضى رسوماً وأتعاباً مبالغ فيها  و تتفوق على مثيلاتها في أوروبا، والبعض الآخر لا ينظر إلى المستقبل وكيفية المحافظة على هذه السمعة الطيبة التي يتمتع بها الأردن .
والسؤال : لماذا لا تكون هناك ضوابط أخلاقية ومهنية وقانونية لمثل هذا الأمر ؟ لماذا لا نعمل على طمأنة السائح أو الزائر انه ليس في غابة فلا  يخشى أن ينقض عليه طير جارح فيأخذ ما لديه من مال ؟
هل من الممكن لوزارة السياحة بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة أن تكلف مجموعة من الخبراء لدراسة القطاعات السياحية الجزئية بالتفصيل وأن تضع توصيات للتطوير والتحديث والرقي مستفيدة من خبرة دول حققت نجاحات كبيرة في هذا المضمار؟. هل يمكن للوزارة  بالتعاون مع قطاع السياحة أن تضع ضوابط ملزمة للمؤسسات والأفراد وتكون هذه الضوابط على شكل” مدونة سلوك” أو شروط عامة للخدمة يطلع عليها جميع الأطراف ؟ هل يمكن للوزارة أن يكون لديها مجلس مشترك مع القطاعات الفرعية المختلفة وتكون هناك جهود مشتركة لتطوير النوعية والمستوى و الضوابط الخاصة بالخدمات ؟
الأعداد كبيرة، بين زائر ووافد وسائح ولاجئ وعابر للحدود. ولا يجوز أن تترك الأمور دون ضبط يحافظ على سمعة البلاد وسمعة القطاعات الإقتصادية الاجتماعية المختلفة فذلك أكثر عدالة وأقوى ضمانا للمستقبل  المزدهر الذي نسعى إليه.