جديد اليورانيوم… والمحطة النووية

أن يكون هناك إصرار من الدولة على السير في مشروع المحطة النووية مهما كلف الأمر، شيء، وأن تعطى للمواطنين والمسؤولين معلومات غير دقيقة أو ناقصة أو منمقة ومغرية بقصد الاقتناع، شيء آخر. لكن المواطن يطلب المعلومة الصحيحة الدقيقة، ومصلحة الدولة العليا أن تكون لديها هذه المعلومة مهما كانت التفاصيل تتعارض مع رغباتها.
نقول هذا والجمهور يقرأ التصريحات الجديدة عن اليورانيوم لمدير شركة تعدين اليورانيوم. الجديدة لأنه سبقتها تصريحات ومعلومات وأرقام لم تكن صحيحة أبدا. ابتداء من وجود مئات الآلاف من أطنان اليورانيوم، ومرورا بأننا سوف نصبح دولة مصدرة لليورانيوم بمليارات الدولارات، وان عام 2012 سيشهد تصدير (2000) طن يورانيوم.و في الأعوام 2007 و 2008 و2009 و 2010 أصدرت هيئة الطاقة النووية أرقاما عن احتياطي اليورانيوم كما يلي:(180) ألف و(70)ألف و(60)ألف   و( 80) ألف طن و تراكيز من 200 إلى 500 جزء في المليون. و أخيرا صدر الرقم(36) ألف طن يورانيوم في منطقة الوسط. والهدف من كل هذا إقناع المواطن أن مشروع المحطة النووية سليم اقتصاديا، وأن المشروع سوف يمّول من عائدات اليورانيوم.
ومرة بعد مرة نقول أن لا علاقة بين أن تكون الدولة منتجة لخام اليورانيوم ومصدرة له، وبين أن يكون لديها محطة نووية.

كما هو الحال في استراليا مثلا التي لديها (31%) من الاحتياطي العالمي ومن أكبر المصدرين لليورانيوم، ولكن ليس لديها محطات نووية. أما سويسرا فلديها محطة نووية و لكن ليس لديها يورانيوم. والأمثلة كثيرة. المسألة الثانية أن خام اليورانيوم ليس هو المادة المستعملة في المحطة النووية ،وإن ما يستعمل في المحطة النووية هو يورانيوم مخصب أي معالج كيميائيا وفيزيائيا حتى يصبح صالحا للاستعمال في المفاعل. إن اليورانيوم الخام ليس مرتفع الثمن وهو حاليا(70) ألف دولار للطن، ولا يحول الدول المصدرة إلى دول غنية مثل البترول. في حين أن اليورانيوم المخصب يتجاوز ثمنه  أضعافا مضاعفة من اليورانيوم الخام. ونحن، كغيرنا من معظم دول العالم، ليس لدينا إمكانية هندسية أو تكنولوجية أو سياسية أو مالية لتخصيب اليورانيوم.
أما التقرير الفني الذي خرجت به شركة تعدين اليورانيوم ففيه  الكثير مما يستدعي التساؤل إلى حد الاستغراب. إذ ورد على لسان مدير الشركة انه «سيصبح بإمكان الأردن تصدير كميات هائلة من اليورانيوم..» هائلة ؟ كيف ومتى وماذا؟ و يقول «سيعود ذلك علينا بـ (1.5) مليار دولار سنويا!!» من أين تأتي هذه الأرقام؟ هل يمكن استغفال المجتمع والدولة لهذه الدرجة؟ مليار ونصف دولار سنويا؟ فإذا علمنا أن أسعار اليورانيوم الخام هي  (70) ألف دولار للطن الواحد فمعنى ذلك أن المدير يتحدث عن تصدير (21) ألف طن سنويا من أصل احتياطي (36) ألف طن. أي أنه سوف يستنفذ الاحتياطي في اقل من سنتين.. فهل هذا معقول؟ أي علم و أي اقتصاد هذا؟
ويتحدث التقرير أن اليورانيوم بتركيز فوق 71 هو (36) ألف طن وليس (28) ألف طن كما ادعت شركة أريفا الفرنسية (التي تنتج أكثر من 15% من اليورانيوم في العالم). ما معنى فوق 71؟ هل هو 75 أو 80 مثلا أو 500 أو 2500؟ وهل هذه التركيزات مجدية اقتصاديا.. وكم تتطلب من المياه؟ لماذا هذه الإيهامات وهذا التسرع وهذا التعميم الذي لا يفيد أحدا؟.
ثم يتحدث التقرير عن نظام (JORC) العالمي ويكرر العبارة عدة مرات ثم يكرر أن الخبراء معتمدون عالميا ؟!! والعالمية هنا شهادة لتمرير الموضوع.إن كلمة JORC هي اختصار لعبارة Joint Ore Reserves Committee وهي «مدونة سلوك» مهنية استرالية للالتزام بها عند إصدار تقارير عامة حول نتائج الاستكشاف والتعدين، وتضع المعايير الدنيا لإعلام الجمهور عن نتائج استكشاف المعادن والثروات المعدنية والخامات. وهي ليست خاصة باليورانيوم، ولا تقتصر عليه. فهي تتحدث عن الفحم والألماس والمعادن وغيرها. والغرض منها إعلام المستثمرين ومستشاريهم. ولا بأس في ذلك. وهي للتقارير العامة وليس للتقارير الفنية. وهناك أنظمة أخرى. والأهم من النظام أو المدونات مدى مصداقية المعلومات ودقتها والإيحاءات التي تحملها.
والمتناقضة الكبرى أن التقرير الذي يؤكد على المدونة، يخالف البند الأول الوارد فيها والذي ينص:» تتطلب الشفافية أن قارئ «التقرير للعموم» يتم تزويده بمعلومات كافية يكون غرضها واضح بدون لبس أو غموض حتى يسهل فهم التقرير، و حتى لا يضلل القارئ بالمعلومات أو يحذف منها ما يكون معلوما للشخص المؤهل. فهل التزم التقرير بالمدونة التي اسماها، للتفخيم ،نظاما عالميا؟
أن يكون الخبراء الذين يقيمون اليورانيوم روسا، والذي سيبني المحطة الروس، والذي سيمول (49%) من الكلفة الروس، فهذه مسألة تستدعي الانتباه.
و فيما يخص اليورانيوم ليس هناك معلومات موثقة حول أولاً: ما هي الكلفة المتوقعة للاستخراج عند تركيز أقل من 100. ثانيا: ما هي كميات المياه اللازمة للاستخراج والتعدين وثالثا: من أي ستأتي المياه ورابعاً: ما هي العائدات السنوية الحقيقية وليس الوهمية المتوقعة من بيع خام اليورانيوم بعد خصم كلفة الإنتاج.  وخامساً ما هو الأثر البيئي للتعدين السطحي وكيف يمكن حماية البيئة من التلوث الإشعاعي؟
وفيما يخص المحطة النووية نفسها، وقبل أيام خرج أحد مدراء الشركات في لقاء صحفي بالقول أن التكنولوجيا التي سوف تستخدم في بناء المحطة هي معتمدة وتجاوزت كل الأخطاء السابقة. هذه تعميمات غبر مقبولة علميا وهندسيا واقتصاديا ووطنيا. إذ أنها مجرد عبارات عامة يمكن أن تصدر عن أي شركة إزاء منتجاتها.أما المحطات النووية فتتطلب العلم والتحديد والدقة.
هناك الكثير من الأسئلة غير المجابة يأتي في مقدمتها السؤال الذي لا يقترب منه أحد: من أين و كيف يمكن توفير المياه في حالة الكارثة النووية ؟ يرجو المواطن أن لا تكون الإجابة من مسؤولية الخبراء الروس الذين نحمل لهم كل الاحترام .