اختطاف الإسلام.. بين الإرهاب والفوضى

محنة تلميذات المدارس في نيجيريا واللواتي اختطفن من قبل جماعة بوكو حرام أي “التعليم الغربي حرام” تعيد مسألة سرقة الإسلام وتشويهه إلى الواجهة مرة ثانية . ومنذ أكثر من أربعين سنة وفئات التكفير والتطرف والفوضى والقتل والدمار والمرتزقة تحمل أسماء أو مدلولات إسلامية، وتغلف نفسها بدعاوى دينية تحت سمع وبصر المسلمين في كل مكان، حتى  راح يصدقها الكثير من البسطاء، ويستغلها البعض الآخر من الوكلاء والوسطاء والعملاء. ورغم ما قامت به تلك المجموعات، فقد كان الموقف الرافض لها ولإسلاميتها المزيفة ضعيفاً للغاية، وليس فيه تفنيد قاطع، واستنكار واضح أمام الملأ وبأعلى الأصوات وبأقوى الأفعال. حتى أصبحت ظاهرة الجماعات التكفيرية بكل ما يقومون به من فظائع أمراً عادياً في ديار المسلمين، من اندونيسيا شرقا وحتى موريتانيا غربا.
وعبثا تحاول جموع المسلمين إزالة صفة التخلف والوحشية والإرهاب التي تلتصق بها وبدينها ظلما، بسبب أعمال هذه الجماعات وتفسيراتها الخاطئة والظالمة للدين قبل أن تكون متخلفة. واستغلت الدول و الدوائر بمصالحها المتناقضة هذه الجماعات، فراحت تستعملها أدوات لزعزعة كيان الدول المضادة لها، وتمزيق المجتمعات الأخرى، وتأجيج مشاعر الكراهية والحقد باسم الدين. هذا في حين تتمتع قيادات تلك الجماعات بالمال والمتاع الذي يأتيها من كل حدب وصوب. وكان أكبر المستفيدين من كل ذلك إسرائيل التي وجدت في هؤلاء سلاحا شبه مجاني لتقويض الدول العربية و تفتيت مجتمعاتها. ويكفي أن يطلق المدعي التكفيري على نفسه لقبا دينيا أو اسما من أسماء الصحابة والتابعين، حتى يصبح صاحب مكانة وكلمة، ولا يستطيع احد أن يقول له كفى. و قد ساعد على استمرار هذه الحالة، احتفاظ أنظمة الحكم العربي، التي لم تدرك حتى الآن حتمية التغير الديمقراطي ،”بالموضوع الديني” ذخيرة يمكن استعمالها عند الضرورة في وجه المعارضة.
وحين يجتمع العقلاء والحكماء يتحدثون عن الوئام بين الأديان. والسؤال هل هناك حقيقة خصومة وحروب بين الأديان؟ وهل هناك غياب أصيل للوئام والعيش المشترك بين الناس؟ الإجابة بالتأكيد لا. إلا إذا آخذ الناس الدين كما يقوله زورا أمير هذه الجماعة، وشيخ جماعة ثانية، وفقيه جماعة ثالثة ومفتي جماعة رابعة… وهكذا.
. ألم يكن هناك وئام بين المسيحية والإسلام على مدى مئات السنين في المنطقة؟ ألم يحارب المسيحيون العرب جنبا إلى جنب مع المسلمين العرب في جيش الأيوبيين ضد الغزو الأوروبي (حروب الفرنجة)؟ وضد الاستعمار الفرنسي والبريطاني والايطالي؟ ألا يحارب المسلمون والمسيحيون بكل طوائفهم جنبا إلى جنب في فلسطين ضد الغزو الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي البشع؟ ألم ينحنِ قداسة البابا باكيا أمام جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل؟ ألم يزر المسجد الأقصى؟ فأين المشكلة؟
الصراع والخلاف ليس بين الأديان، وإنما بين السياسيين، وأصحاب المصالح، ومجموعات طامحة إلى السلطة،  وأخرى مرتزقة، وثالثة مستهينة بالدولة الوطنية، لا تعترف بها، ورابعة تعدّها ولاية، و خامسة تنكر الوطن لأن القرآن الكريم لم يتضمن “كلمة وطن”، وكلها في النهاية، تريد أن تفرض نفسها على المجتمع بالقوة الدموية إذا لزم الأمر وعلى الدين نفسه، وعلى الشباب بشكل خاص
أن الخروج من الأزمة يتطلب العمل على (4) محاور في آن واحد. الأول: الانتهاء من غياب المؤسسية الدينية المستقرة لدى المسلمين السنة حتى لا يصبح بإمكان أي شخص -مهما بلغ علمه أو جهله- أن يتحدث باسم الدين وباسم الإسلام، وينسب كلامه إلى فقيه ما، أو مخطوطة ما، وفي نفس الوقت لا يلاقي استنكارا فوريا ورفضا قاطعا من جمهور المسلمين وعلمائهم ومن المؤسسة الدينية المعترف بها.
ومن هنا لابد أن يتم التوافق على مؤسسة دينية مرجعية راسخة، يطمئن جمهور المسلمين إلى موقفها وحكمتها وعقلانيتها واستنارتها، وبالتالي يرفضون الآراء والفتاوى والمواقف والادعاءات التي ستنطلق من سواها. وإذا كان الأزهر مؤهلا لمثل هذا الدور فإن توسيع القاعدة التي يعمل من خلالها الأزهر لتضم علماء من مختلف الدول الإسلامية يصبح ضرورة عاجلة.  الثاني: انه لا يجوز الاستمرار في تفسير و تعليم الدين، وقراءة كتب التراث، وآراء الفقهاء، على اعتبار أن المجتمع  يعيش في الجاهلية أو بداية الإسلام، بمعنى انه لا توجد دولة، ولا يوجد قانون، ولا مؤسسات. إن على العلماء والمفسرين والأساتذة والمؤسسة الدينية أن يضعوا قراءات جديدة للتراث تقوم على أن العلاقة بين الناس هي في ظل الدولة الوطنية القائمة فعلا، وهي علاقة مواطنة متكافئة ينظمها القانون والدستور والتشريعات القائمة و تنسجم مع المقاصد العليا للشريعة ألا وهي مصالح الناس. وقد انتهى الزمن الذي نرى وطننا فيه من خلال محدث أو راوية في الدولة العباسية، ونرى العالم فيه من خلال أعرابي يسأل هذا الفقيه أو ذاك التابع.  الثالث: مراجعة الطرق والأساليب والمناهج والفلسفة الظاهرة والخبيئة التي تتناول تدريس الأديان والمسألة الدينية. إن الطرق والأساليب والمناهج الحالية لم تنجح في المزاوجة بين العلم والعقل والدين والإنسانية والدولة والقانون. كذلك لم تنجح في تحصين الناشئة بما يكفي لمواجهة الادعاءات الدينية التي تنطلق بها الجماعات المتطرفة التي تلغي العقل والقانون والعلم و جوهر الدين والدولة وتؤثر على الشباب. صحيح أن المال والسلطة والحكم التي يوعد بها هؤلاء، تمثل إغراءات جاذبة، ولكن أعمال القتل والإرهاب والذبح أمام كاميرات التصوير باسم الدين، وعلى طريق إقامة الدولة الإسلامية تكشف أن هناك خللا هائلا في التكوين النفسي والفكري والروحي والإنساني لكل هؤلاء. الرابع: إن الإصرار على استمرار خلط الدين بالسياسة وتوظيف الدين لخدمة الأهداف السياسية الشخصية والجماعية ينبغي أن ينتهي لغير رجعة . وبالتالي فإن تعابير مثل: الإسلام السياسي، والإسلام الاقتصادي لا يجوز أن تستمر بسبب ما تحمله من أضرار وإيماءات للدين أولا. هل بوكو حرام تعمل في أطار الإسلام السياسي؟ وهل تفجير القاعدة للمباني و قتل الأبرياء إسلام سياسي؟ وهل  ذبح الناس أمام آلات التصوير على يد النصرة إسلام سياسي؟ وهل داعش وهل الأجناد وهل عشرات الأسماء لجماعات ومجموعات كلها إسلام سياسي؟ بالتأكيد إنها ليست إسلاما مهما أضيف إلى الكلمة من أوصاف. الإسلام دين يقبل الأديان الأخرى ويتواءم معها بصريح النص القرآني، وواقع المعايشة التاريخية.
فمتى ينفض المسلمون عنهم غبار السكوت عن تشويه الدين واختطافه.؟. ومتى يعلنون صراحة وباستمرارية أن السياسة شيء أخر غير الدين؟ وان العالم يعيش الآن ومنذ القدم عصر الدول المدنية التي ينظم العلاقة فيها القانون والنظام وسلطة الدولة، وليس الأفراد والجماعات الذين يظهرون يوما بعد يوم. إن كل مواطن له الحق في حرية الاعتقاد، ولكن تكفير الآخرين ومن ثم افتراض استحقاقهم القتل والموت ما هو إلا جريمة كبرى، وليس حرية الاعتقاد، ولا من الدين من شيء. فهل تنتهي هذه الحالة و يتفق المسلمون على مؤسسة مرجعية تقطع الطريق على من يهدمون مستقبل أوطانهم وشعوبهم تحت ستار الماضي و باسم الدين؟ ذلك هو تحدي المستقبل .