اليكسا و نتاشا… والاستعدادات المهنية..

بداية، لابد من تقديم الشكر والثناء، للأفراد والجماعات والمؤسسات الذين قاموا بجهود مستمرة خلال و بعد العاصفة الثلجية “ اليكسا” التي اجتاحت البلاد، والتي لم يشهد الأردن مثيلا لها منذ أكثر من (30) سنة، وفي بعض المناطق منذ أكثر من (100)سنة. الشكر للجميع ابتداء من القوات المسلحة، والدفاع المدني، والشرطة والدرك، والأطباء ومساعديهم ،وموظفي البلديات و انتهاء بالمواطنين الذين تطوعوا لمساعدة جيرانهم وقدموا العون والإسعاف للمحتاجين.
و مع هذا لابد من التأكيد أن توقف البلاد عن العمل لمدة أسبوع كامل، ليس بالأمر السهل، ويعكس حالة من الارتباك، ومن عدم الاستعداد. ليس فقط لإزاحة الثلوج، و تصريف المياه، وإنما للمحافظة على انتظام العمل سواء في الدائرة الحكومية أو المصنع أو المتجر أو الجامعة والمدرسة، و بالتالي المحافظة على سير الحياة كالمعتاد.  وقد رافق العاصفة الكثير من الضحايا في الأرواح والأجسام، والخسائر في الممتلكات تقدر بعشرات الملايين من الدنانير. هذا إضافة إلى تعطل الأعمال والتي تقدر قيمتها النظرية بـ (400) مليون دينار.
هل كان هناك تقصير أو إهمال؟ بالتأكيد نعم. ولكن الأهم من كل ذلك السؤال: هل كانت الاستعدادات على مستوى القرية والبلدة والمدينة كما ينبغي أن تكون؟ وهل كانت هناك خطة وطنية لمواجهة العاصفة الثلجية اليكسا وربما العاصفة القادمة نتاشا؟ خاصة وأن الحديث والتوقع عن قدوم العاصفة سبقها  بأكثر من أسبوعين. الإجابة لا.  وهنا لا بد من تأكيد الحقائق الآتية: أولاً: إننا كغيرنا من البلدان، في سياق مسيرة طويلة ومعقدة من التغيرات المناخية، من شأنها أن تجعل من النمط التقليدي للمناخ عرضة للتغيير المفاجئ بالنوع والحجم. ثانياً: إن البلاد ستكون معرضة لموجات قوية وغير منتظمة من الأمطار والثلوج وموجات أخرى من الجفاف والحرارة. ثالثاً: إن المواسم التقليدية للأمطار والثلوج أو الحرارة ستكون متغيرة وغير متوقعة.رابعا: أن البنية الإيكولوجية في منطقتنا و بلدنا فيها الكثير من الهشاشة، الأمر الذي يستدعي احتياطات خاصة وإضافية ، للتخفيف من سلبيات وأخطار التغيرات المناخية.
و هذا يعني، أن “الاستعدادات التقليدية” لمواسم الشتاء والصيف، لن تكون كافية لمواجهة الأزمة، ولن تكون كافية لانتظام الأعمال، وسير النشاط الاجتماعي بأقل الخسائر الممكنة.
والسؤال، لماذا تستمر الحياة بانتظامها في بلدان يمتد فيها موسم الأمطار والثلوج لأسابيع وأشهر، في حين أن يوماً من الثلج لدينا كافيا لأن يعطل أعمالنا لمدة أسبوع أو أكثر؟
والجواب :”هو في الاستعدادات المهنية المبرمجة القائمة على التخطيط والعلم والمعدات التكنولوجية الملائمة”. فليس “الجرافات” الضخمة و”الجريدرات” الكبيرة،  وما يماثلها هي الأسلوب الأنسب في كل الأحوال و في كل الطرق،    وفي كل المناطق.
و بالنظر إلى المستقبل، وإلى الأيام القادمة، فهذا يتطلب: أولاً: إنشاء دائرة متخصصة في أمانة عمان، أو وزارة الأشغال، أو القوات المسلحة هي وحدة “التغيرات المناخية الطارئة”، لتتولى الإعداد والتحضير الشامل حسب الأصول العلمية والتكنولوجية الحديثة. ثانياً: إرسال مجموعة من المهندسين والفنيين والأطباء إلى بلدان متمّيزة بالتغيرات المناخية المتقلبة والقاسية، للتعرف والتعلم والتدريب على كيفية التخطيط والبرمجة والتنفيذ على مستوى البلاد وتوزيع المهام بين المؤسسات المختلفة. ثالثاً: التعرف إلى الأجهزة والمعدات الأكثر كفاءة في الاستعمال سواء لمواجهة  تدفقات المياه، أو التراكم الفجائي للثلوج، أو ارتفاعات الحرارة المفرطة، أو استمرار الجفاف.
إن البلدان التي تنتظم أعمالها، رغم الثلوج والأمطار والحرارة والجفاف لهي عديدة، ابتداء من الدول الإسكندنافية    ومرورا بكندا والولايات المتحدة الأمريكية وانتهاء باستراليا، والتكنولوجيات المستعملة فعالة، والعلوم والمعلومات متوافرة،  و شبكات الاتصالات المناخية شاملة. و من هنا، فإن استثمار (30) أو (40) مليونا من الدنانير سنويا في إدارة التغيرات المناخية الطارئة ، سيكون اقل كلفة في الأرواح والأموال والممتلكات و الإنتاج من حالة عدم الاستعداد العلمي واللوجستي والتكنولوجي الكافي التي تشهدها البلاد، ويعاني منها المواطن.
فهل ننظر  إلى المستقبل والتغيرات المصاحبة نظرة جادة و مسؤولة؟ أم نأخذ الموضوع على أنه مجرد حادث عرضي قد لا يتكرر بعد (10) سنوات ؟ تلك هي المسألة، والمستقبل لا ينتظر .