الميثاق الاقتصادي العربي

  • مدخل:

تقوم فلسفة الميثاق على ركائز أساسية أربع:

الأولى: أن نهوض الدولة الوطنية وبناء اقتصادها هو الأساس لأي تعاون عربي.

الثانية: أن التشارك والتشابه بين الأقطار العربية في عدد من المفردات سيكون عامل دعم لزيادة الكتلة الحرجة في عدد من القطاعات .

الثالثة: أن تصنيع الاقتصاد هو البوابة الرئيسية للنهوض ولبناء اقتصاد عصري .

الرابعة: ان تشارك الفرقاء (القطاعات) جميعا وهي القطاع الرسمي والقطاع الخاص والقطاع الاهلي والاكاديمي بالتكافؤ هو الضمانة الوحيدة للنجاح.

  • الدولة الوطنية :
  • وضع استراتيجية نهضة وطنية اقتصادية اجتماعية انسانية لكل دولة عربية بذاتها، تقوم على امكاناتها الذاتية بالدرجة الاولى، وتهدف الى تحويل المجتمع بقطاعاته المختلفة الى مجتمع صناعي، يقوم على العلم والتكنولوجيا والمعرفة، وتكون المشاريع الانتاجية الكبيرة والمتوسطة الصغيرة هي العمود الفقري للتصنيع وتتضمن الاستراتيجية المحاور الرئيسية في التغيير المجتمعي.
  • تعتمد الدولة الوطنية على رأسمالها البشري بالدرجة الاولى. وهذا يستدعي اعطاء التعليم وتحديثه وتطويره أهمية قصوى وأولوية في الانفاق ودفع التعليم والتدريب والتأهيل للترابط مع الانتاج والانفتاح على العلم والفكر والفلسفة والفنون، وتأهيل الطلبة للمهارات الحياتية والتخصصية، وتعزيز قدرتهم على حل المشكلات وإنشاء المشاريع الريادية.
  • ويستدعي النهوض بالتعليم الاهتمام باللغة والمهارات اللغوية لأن المطلوب في حالة النهوض ان تصل المعرفة العلمية الى كافة الشرائح الاجتماعية وليس للنخبة فقط وفي كل مكان. وهنا يأخذ التأليف والترجمة اهمية كبيرة. ويمكن تنسيق ذلك مع قطر عربي او أكثر دون انتظار.
  • إن التوسع في تعليم وتدريب وتأهيل وتحرير  ومشاركة المرأة في العمل والقيادة والادارة يعطي المجتمع الفرصة الأوسع للانتقال من حالة الكفاف والفقر الى حالة الوفر وبناء الثروة.
  • وهذا يعني ان تولي الدولة الوطنية موضوع تأهيل القوى العاملة (من ذكور واناث) كامل الاهتمام لأن الانتاج والاستثمار والتوسع في المشاريع يقوم على قوى عاملة مؤهلة  بكل المهارات العصرية اللازمة. وسوف تشارك الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة والمؤسسات الاكاديمية في تنظيم فرص التأهيل للقوى العاملة.
  • وتعمل الدولة على استغلال الفرصة السكانية بوجود قطاع كبير للشباب لتأهيلهم للعمل المنتج بعيداً عن الوظائف الحكومية المحدودة أو تصدير القوى العاملة كبديل للنهوض الاقتصادي الشامل.
  • وللوصول في المنتجات الى القدرة على التنافس في اطار العولمة تعمل الدولة على توسيع وتعميق البحث العلمي والتطوير التكنولوجي باعتبار ذلك مصدر القيمة المضافة العالية في الاقتصادات وربط البحوث الاكاديمية باحتياجات القطاعات المختلفة بعيداً عن التوجهات النظرية والترقيات الاكاديمية. وهنا يتطلب من الدولة :
  • تطوير التعليم الأساسي والمهني بالاتجاه التكنولوجي
  • جسر الفجوة بين الاكاديميا والمجتمع
  • زيادة الانفاق على البحث والتطوير والابداع ليصل (2%) من الناتج المحلي الاجمالي عام 2030.
  • انشاء  المراكز التكنولوجية الوطنية والعربية المشتركة.
  • نشر الثقافة العلمية وثقافة التجديد والابداع على المستوى المجتمعي من خلال وسائط الثقافة والاعلام والتواصل المجتمعي.

 

  • وتعمل الدولة من خلال التعليم بمراحله المختلفة والثقافة المجتمعية والاعلام على نشر وتأصيل روح الريادية وثقافتها وعقليتها وخاصة لدى الشباب .. باعتبار الريادية واحداً من المحركات الرئيسية للديناميكية المجتمعية المستدامة سواء كانت ريادية اقتصادية أو ثقافية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية.
  • وتدرك الدولة الوطنية أن البوادي والاطراف والمحافظات لن يتم تطويرها واعمارها إلا من خلال الخطط العملية التي تخطط لها الخبرات المتميزة وينفذها الشباب المبدع . ولذا سيتم التركيز على تطوير البوادي والارياف والخروج من المركزية وتدريب الشباب لهذه الغاية وتزويدهم بمهارات الابداع والابتكار والتجديد من خلال شتى الوسائل  والانظمة وفي مقدمتها التعليم والتدريب التكنولوجي.
  • ان الطاقة والمياه والبيئة والتكنولوجيا تشكل في مجموعها مربع البقاء. ولأن أكثر من 85% من الأراضي هي جافة وحارة فإن الدولة بإمكاناتها الاقتصادية والبشرية ستعمل على حل مشكلة المياه من خلال صناعات التحلية بالطاقة الشمسية والتدوير والافادة من الطاقة المتجددة في كل شكل من أشكالها وانشاء الصناعات الخاصة بها والمشاريع البيئية الكبرى التي من شأنها تخفيف الاثار السلبية للبيئة بما في ذلك المسطحات المائية الاصطناعية. وعدم التسرع في مشاريع الطاقة النووية.
  • وستعمل الدولة على انشاء مراكز تكنولوجية خاصة بالطاقة والبيئة والمياه منفردة أو بالتشارك مع دولة (او اكثر ) عربية مجاورة.
  • ان قطاع النقل يستهلك أكثر من (40%) من الطاقة،  وهو نقل فردي في معظم الاحيان يتسبب في تلويث البيئة، وفي الكلفة الاقتصادية العالية، ولذا ستعمل الدولة على انشاء عواصم اقتصادية في المحافظات وتصنيع النقل من خلال التوسع في شبكات سكك الحديد والقطارات الكهربائية ومنظومات النقل العام، الامر الذي سيترك أثرا ايجابيا على الحركة الاقتصادية الوطنية بما في ذلك توزيع ونشر مواقع المشاريع وتعزيز السياحة الداخلية من جهة، وعلى امكانات التعاون وتبادل السلع والسياحة مع الاقطار العربية المجاورة من جهة أخرى. وسوف يتأتى عن تصنيع النقل فرص عمل ضخمة تتولد عن مشاريع الصناعات التي يقتضيها النقل.
  • ان تطوير البنية التحتية هو حجر الزاوية في النهوض الاقتصادي حيث تعمل البنية التحتية كعامل جذب للمستثمرين وتمثل مدخلاً قوياً للتعاون مع الدول العربية المجاورة. ومن شأنها المساعدة على توزع المجتمع وخاصة في الارياف والبوادي والاطراف مما سيخفف الضغط على المدن ويساعد على تسهيل التجارة العربية البيئية.
  • ستعمل الدولة على الخروج من حالة تهميش الزراعة لتعيد لها دورها الحيوي الاستراتيجي باعتبارها العمود الفقري للأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي . وسيتم توجيه الجهود البحثية لتطوير الزراعة وتصنيعها واستخدام التكنولوجيات المختلفة للوصول الى سلالات أكثر انتاجية وأعلى مقاومة للجفاف، وهذا من شأنه ان يفتح المجال للمشاريع الزراعية الكبرى.
  • ان التعليم والامن والغذاء والصحة والدواء هي من الحقوق الانسانية الأساسية للمواطن، والتي ستعمل الدولة الوطنية على توفيرها وزيادة الانفاق عليها لتتعدى 10% من الناتج المحلي الاجمالي لكل من التعليم والصحة بحلول عام 2030 وستعمل الدولة على تصنيع الاساسيات منها إضافة الى العناية الصحية بالارياف وتخفيض العجز الدوائي من (50) دولار للفرد ليصل إلى (20) دولار للفرد عام 2030.

 

  • التعاون العربي:

يعتمد التعاون العربي الثنائي أو الجماعي على نجاح الخطط الوطنية للنهوض اذ يصعب على الدول المتخلفة او المتعثرة او ذات الاقتصادات الهشة ان تجتمع في تكتل اقتصادي قوي ودائم وتقوم فلسفة التعاون العربي على مرتكزين اساسيين:

  • ان المنطقة العربية منطقة حضارية واحدة تتداخل فيها مختلف العوامل والقوى والمؤثرات
  • تعظيم الجوامع المشتركة للتعاون التدريجي يبدأ بالثنائية والجوارية ليمتد الى المنطقة بكاملها انطلاقا من مبدأ الشراكات وليس المساعدات.
  • وستعمل الدولة العربية على اصلاح وتطوير وتحديث المؤسسات العربية المشتركة وبشكل خاص المجلس الاقتصادي العربي وانشاء المؤسسات التي تتخصص بالمسائل المشتركة والاساسية للتنمية المستدامة وفي مقدمتها: الطاقة والمياه والبيئة والتغيرات المناخية والتصحر وسلالات المناطق الحارة الجافة. واذا ما اخذت هذه المواضيع الاربعة بالجدية الكافية فقد تكون مدخلا جديدا للتكتل الاقتصادي العربي على غرار الحديد والفحم في اوروبا.
  • وستكون التوافقات والانسجامات في التشريعات المالية والمصرفية والجمارك وحركة القوى البشرية وتكنولوجيا المعلومات وافضلية الاستثمار العربي الانتاجي هي القاعدة التي تضمن استمرارية التعاون وتعاظمه. وقد يتطلب ذلك انشاء مؤسسة متخصصة لهذه الغابة.
  • وستعمل الدول العربية على الخروج من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد الانتاجي من خلال وسائل عديدة مثل الاطلس العربي للمشروعات المشتركة والصندوق العربي للزكاة واستثمار ثروات الاوقات وتشجيع الرياديين والتعاونيات والشركات الخاصة والمشتركة.
  • وستعمل الدول العربية على التعاون لجعل (5) جامعات عربية على الاقل ضمن افضل (200) جامعة في عام 2025 بكل ما يلزم من دعم البحث العلمي وتطوير التأهيل التكنولوجي وضبط الانفاق العسكري والتوسع المشترك في الصناعات العسكرية .
  • وستعمل الاقطار العربية على تنظيم العمالة العربية لتعظيم العائد فيها على البلد المصدر والبلد المضيف على حد سواء .
  • وستعمل الاقطار العربية على اصدار التقارير السنوية النوعية الموثوقة التي تحل البيانات والمؤشرات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والثقافية.
  • ونظراً لأهمية التعاون الدائم والمضطرد مع دول الجوار نستعمل الاقطار العربية على تعزيز العلاقات مع دول الجوار الصديقة والمجموعات الدولية واعطاء اهتمام خاص لافريقيا جنوب الصحراء.
  • ان الدول الحديثة تستند الى سيادة القانون والشفافية والمساءلة والمساواة بالحقوق والواجبات والمواطنة الكاملة ومحاربة الجريمة و التطرف وتخفيض مساحات الفقر والامية الى اقل من 5% مع حلول عام 2030. وسيتم تنسيق الجهود لمحاربة الجريمة المنظمة وخاصة الجرائم الاقتصادية وتجارة المخدرات والاعضاء والاطفال والنساء.
  • وتدرك الاقطار العربية انها تتباين بالثروات الطبيعية والقوى البشرية والمساحات والامكانات وهذا التباين ينبغي ان يستثمر في شراكات متكافئة وليس تطلعا نحو المساعدات التي لا تبني اقتصادات مستقرة. الشراكات بين صاحب المال او التكنولوجيا والمستثمر الوطني او العربي .
  • والشراكات العربية نفتح آفاقا لا حدود لها من فرص العمل وتقليص البطالة واحياء الاراضي الزراعية وبناء شتى انواع المشاريع الكبيرة لتكون الاقطار العربية سوقا مشتركا مفعمة بالانتاج العربي من السلع والخدمات
  • وستعمل الدول العربية على التغلب على مشكلة نقص الثروات اللازمة لانشاء المشاريع من خلال مداخل الاقتصاد الاجتماعي وتشجيع القطاع الثالث من تعاونيات وصناديق ادخار لصغار المستثمرين وستعمل الدولة عىل تجسير التمويل اللازم للمشاريع.
  • وتدرك الاقطار العربية انها وعلى المدى البعيد تسعى للتحول الى كتلة اقتصادية متماسكة ربما بحلول عام 2040 وسيكون التكتل العربي دعما للقوة الاقتصادية للدولة الوطنية وللدول العربية من  خلال التشارك في المشاريع والاستثمارات والاسواق ومراكز الابحاث والتكنولوجيا وتعزيز الرأسمال البشري في الاتجاهات المختلفة.

 

  • الخلاصة:

ان الاقطار العربية على يقين راسخ بأن التحول الى الاقتاصد الصناعي الاجتماعي هو حجر الزاوية لاستقرار الدولة الوطنية منفردة والدول العربية مجتمعة وتقدمها لتكون جزء فاعلا في الحضارة الانسانية لا مستهلكة لمنتجاتها ولا يتحقق كل ذلك الا بالمشاركة المجتمعية وبالتوافق والتكافؤ بين مختلف الشركاء والقوى حيث يستحيل على الحكومات أو أية قوى سياسية منفردة الاضطلاع بمهام النهضة والتحديث . ويترتب على السياسيين والمفكرين والعلماء والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني والاعلام دور تاريخي في تعزيز مفاهيم هذا الميثاق والعمل على تنفيذه بالصورة الافضل حتى يكون للمنطقة مستقبل اكثر ازدهارا واعلى شأنا.