الدولة والمجتمع… حالة السعادة

قد يبدو الحديث عن السعادة في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، والحرائق المشتعلة في دول الجوار، والضائقة الاقتصادية التي يمر بها الوطن، يبدو وكأنه سفسطة في الوقت الضائع ولكن المسألة أخطر من ذلك بكثير.
ففي التقرير العالمي للسعادة لعام 2018 ظهرت فنلندا على رأس قائمة الدول في دليل السعادة ،تبعتها الدنمارك ثم أيسلندا وسويسرا وهولندا وكندا ونيوزيلاندا وأستراليا. والدول الأكثر سعادة ،ليست الأعلى دخلاً،وإنما هي الأشمل ديمقراطية، والأوسع مشاركة في صنع القرار،والأدنى في الفساد، والأكثر تركيزاً على الأبعاد المجتمعية للاقتصاد والسياسة. وهذا ما تفتقده المنطقة العربية بكاملها وما ينادى به دعاة الإصلاح. إن المحرك الرئيسي للسعادة هو رضا الإنسان عن تسيير حياته و بناء مستقبله وتفاعله مع الدولة و مؤسساتها. وهذا يتضمّن عناصر رئيسية ستة هي: الدخل وتوقع الحياة الصحية السليمة والتأمين الاجتماعي ثم الحريات والثقة بالإدارة وأخيراً التسامح. وهذه تقع في صميم مسؤوليات وزارات الصحة والتربية والتعليم والثقافة والبرلمان والأحزاب والتنمية السياسية والضمان الاجتماعي. و عليه فإن سعادة المجتمع تتحقق من خلال انجاز برامج إدارية وسياسية واجتماعية ناجعة تقوم على مشاركة المجتمع واكتساب ثقته. و لذا فالدولة مطالبة برفع مستوى السعادة من خلال قيامها بمسؤولياتها الأساسية، بما فيها تغيير السياسات تجاه الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني و الحريات، الأمر الذي يجعل الالتزام بالقانون والنظام أكثر ضرورة. و هذا ينعكس على ثقة الإنسان بنفسه ووطنه، وينعكس إيجابياً على أدائه المهني والاقتصادي و الإبداعي والوطني.
أما الثقة في كفاءة الإدارة وقدرتها على معالجة المشكلات فهي مدخل رئيسي لاطمئنان المواطن إلى المستقبل. وعكس ذلك، حين يتم ترحيل المشكلات دون حلول ناجعة ،فهذا يترجمه المواطن بعدم الاكتراث وخيبة الأمل التي تتأزم بمرور الزمن ،سواء كان ذلك يتعلق بالبطالة، أو تنمية المحافظات ،أو بركة ماء آسن لا تزيد مساحتها عن 170 دونما عمرها 40 عاماً مثل بركة البيبسي. مكرهه صحية لم تفكرأي حكومة باستشارة أهل العلم والاختصاص للتخلص منها.
كيف سيشعر المواطن بالرضا وهو يرى الأوراق النقاشية تتحدث عن الحكومة البرلمانية والحريات والأحزاب دون ترجمة عملية، ويسمع عن عقد اجتماعي جديد كأنه لا دستور ولا ميثاق ولا دراسات متراكمة، وكأننا نريد اختراع العجلة من جديد.و كيف يشعر المواطن بالسعادة وهو يرى دخله يتناقص بالقوة الشرائية وبالضرائب الإضافية والبطالة المتزايدة؟ دون أن تضع الحكومات الآليات اللازمة للمواجهة سواء كان بالمشاريع الإنتاجية الجديدة أو تخفيض كلف الاستثمار والإنتاج على المستثمرين والمنتجين أو التوسع في الجمعيات التعاونية وصناديق الإدخار والاستثمار.
إن السعادة ليست فرحا وترفيها بقدر ما هي حصيلة عمل حقيقي من الدولة بمشاركة المواطنين لكي يحققوا ما يتطلعون إليه من أمن وحياة اقتصادية وصحية مريحة.. إن أكبر درجات التعاسة التي تصيب المواطن تتمثل في فقدان الأمان الاقتصادي والاجتماعي وضبابية المستقبل وشعوره بأن مردود الضرائب المستوى المطلوب.
ولأن السعادة تحفزالإبداع الفردي والجمعي، وترفع الاستعداد للمنافسة، وتعزز القدرات الاستجابية عند التحدي، وهي مدخل للتسامح وقبول الآخر، فإن المردود الاقتصادي للسعادة على الناتج المحلي الإجمالي قد يصل إلى أكثر من (8%). وهي تعني أرقاما كبيرة تماما. وحين تكون الحرية واحدة من الأعمدة الرئيسية للسعادة فإن البعد السياسي والقانوني يلعب دوراً بالغ الأهمية.
فهل تنظر الإدارة الحكومية والمؤسسات والسياسيون والمثقفون و المفكرون إلى الموضوع بجدية واهتمام؟ فتزيد من الكفاءة والإنتاج وتضمن الدخول في مستقبل أرسخ استقراراً وأفضل أداء وأكثر سعادة؟.