التسليم بالحقائق…. في المشروع النو ي

أحسنت الحكومة بقرارها تصفية شركة الطاقة النووية التي كان يفترض أن تقوم بإنشاء محطة نووية باستطاعة 2000 ميغاواط. والمتتبع للتفاصيل يلاحظ أن الموضوع قام على افتراضات غير واقعية، وأخطاء هندسية، واستخفافات اقتصادية أضافة إلى أهمال الأبعاد الاستراتيجية واللوجيستية . والأهم من كل ذلك عدم تتبع التطورات السريعة و الرائعة في تكنولوجيا الطاقة المتجددة واقتصادياتها بعد أن هبطت كلفة الكيلو واط ساعة من الطاقة الشمشية إلى 20 فلسا مقارنة ب 140 أو 180 فلسا من النووية. ومع هذا فالتصريحات تتوالى بأن المشروع النووي لازال قائماً، وأن المحطة الجديدة ستنزل من 1000 ميغاواط إلى 250 ميغاواط أو إلى 70 ميغاواط بكل ما تعني هذه القفزات بالأرقام من استبعاد العلم والهندسة والتفكير ،بل و القفز بكلفة الطاقة إلى اكثر من الضعف . فالشبكة الوطنية لا تحتمل مفاعلين كل منهما 1000 ميغاواط، و لا تصبح في وضع أفضل بعدة مفاعلات 250 ميغاواط ، ولا عشرات المفاعلات الصغيرة 70 ميغاواط التي تستخدم في السفن والغواصات. وستتطلب تكاليف اضافية للحماية و الأمن إضافة إلى مشكلاتها البالغة الخطورة في حالة الكارثة النووية. ومؤخراً سمعنا من هيئة الطاقة النووية الحديث عن المفاعلات المبردة بالغاز بدلا من الماء .وهذا النوع من “المفاعلات لم تثبت كفاءته و اعتماديته بعد، إضافة إلى ارتفاع كلفة انتاج الكهرباء و انخفاض درجة الأمان فيها”. هذا القفز من نظام إلى آخر ومن حجم إلى آخر بغض النظر عن جدواه التكنولوجية والاقتصادية و المكانية والاستراتيجية و مناعته البيئية، يكشف إصرارا غير مبرر على مشروع دون جدوى فنية أو إقتصادية.و دون الأخذ بعين الاعتبار الامكانات الاقتصادية والأمنية واللوجستية والعلمية للدولة الأردنية، و لا حالة المنطقة المحيطة بنا ، كما ولا يأخذ بعين الاعتبار موضوع الطاقة من منظور وطني واقعي وكأننا نعيش في بلاد لا شمس فيها ولا رياح. إن انفاق 3 مليار دولار يكفي لتزويد مليون بيت أردني بالطاقة الشمسية للكهرباء ولتسخين المياه لتنخفض فاتورة الطاقة لهذه البيوت بنسبة 85% . هذا الذي يترك أثره على المواطن ويعزز الأمن الوطني للطاقة . هذا في حين لا تكفي 3 مليار دولار لمفاعلين نوويين باستطاعة 250 ميغاواط لا يحلان أي مشكلة.
كذلك فإن الربط بين المحطة النووية واليورانيوم خادع وخاطئ. وقد طلبت اللجنة الاستشارية العليا أن يتم فك هذه العلاقة باعتبار أن كل منها يمثل مجالاً تكنولوجيا واقتصادياً منفصلاً. فأسعار اليورانيوم لا تتجاوز 65 دولار لكل كغم ،أي أن انتاج 1000 طن سنوياً لن تتعدى قيمته 65 مليون دولار والعائد الفعلي بعد خصم تكاليف الإنتاج والتلوث لن يتعدى 20 مليون دولار.
إن واحدا من متطلبات لجنة استخراج المعادن في استراليا ( جورك) التي يشير اليها رئيس الهيئة ومدير شركة تعدين اليورانيوم هو ” عدم خداع أو تضليل الراي العام بأية معلومات عن المواد المراد استخراجها وعن النتائج والأرقام وكافة التفاصيل التي تتعلق بالمشروع “. وما نريده أن يتم الإلتزام بذلك. إذ صرح مدير عام شركة تعدين اليورانيوم الأردنية بأن أول مصنع للكعكة الصفراء من اليورانيوم الأردني سيتم انشاؤه في عام 2019 . إن ما سيتم انشاؤه مرفق تجريبي Pilot Plant حتى يمكن وكما يقول مدير الشركة نفسه الحصول على ” البيانات والقياسات الضرورية لاستكمال التصاميم الهندسية التفصيلية وتغذية الأعمال المتعلقة بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع. ” إن كلاً” من مشروعي المحطة النووية وتعدين اليورانيوم لم تتم دراسة الجدوى الاقتصادية لأي منهما حتى الآن . وبالتالي فالحديث عن الحلم النووي والحلم اليورانيومي بطريقة توهم أنها مشاريع مجدية أمر غير صحيح. ولا أحد يدري كيف يمكن لمشروع محطة نووية يتأرجح بين 1000 ميغاواط و70 ميغاواط بينهما ولم يتم الاستقرار لا على التمويل ولا الموقع ولا الجدوى الاقتصادية والتكنولوجية واللوجستية كيف يكون مؤكداً .

و أخيرا ،دعوا الدولة و بشكل حاسم تركز على الطاقة المتجددة الشمسية و الرياح وعلى السكة الحديد و الصخر الزيتي واستخراج الغاز، وعلى تصنيع الإقتصاد الوطني وتنمية المحافظات و التمكن من التكنولوجيا اللازمة، فذلك هو المستقبل الحقيقي .