ازمة الكورونا… والمسارات الخمسة

تقوم الحكومة بدوائرها المختلفة وموظفيها ومسؤوليها وفي المقدمة أفراد الجيش العربي والأجهزة الامنية والموظفين والوزراء بجهود متميزة يستحقون عليها كل الثناء والتقدير. ولم يتركوا مجالا يمكن فيه مواجهة انتشار وباء الكورونا إلاّ واتخذوا الاجراءات الصحيحة الممكنة. وفي الوقت الذي يتطلع فيه الجميع للقضاء على هذا الوباء في اسرع ما يمكن ،إلا ان جميع المؤشرات تدل على ان ذلك سوف يستغرق اسابيع طويلة او أشهر، الامر الذي سيترك اثاراً سلبية في خمسة مسارات لابد من الإعداد لها، والتعامل معها بكل علمية وعقلانية وتشاركية،و ابتداع حلول و بدائل غير تقليدية، ألا وهي: المسار الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتربوي و الزراعي. إن  كل مسار يتطلب فريق عمل متخصص نرجو أن تشكله الحكومة من خبراء و شركاء و علماء من القطاعات ذات العلاقة، و بأسرع وقت ممكن  ليعمل من خلال “اجتماعات عن بعد” و ليضع الاقتراحات اللازمة حتى تكون هناك برامج و خطط مدروسة و مبتكرة لتجاوز الأزمة بأقل الأضرار الممكنة ،و الحفاظ على عجلة الاقتصاد و القطاعات الأخرى و منع التراجع.

ففي المسار الصحي، تسير لجنة الاوبئة، و الكوادر الصحية الخاصة و العامة، و المكلفة و المتطوعة، بشكل  متميز و تضحية و تفاني يمثل روح الأردن المتطلعة إلى الإنجاز و التفوق .ولكن نجاح الجهود حتى النهاية، وسلامة المواطنين ،عملية بالغة التعقيد من الناحية  اللوجستية .فنحن نتحدث عن 2 مليون عائلة في الاردن و 1.75 مليون بيت وعشرات الآلاف من الاحياء وآلاف القرى والتجمعات السكانية ومئات المدن. وهذه كلها متشابكة لا تستطيع دوائر الدولة وخاصة الصحية منها الوصول لكل حي وكل موقع في القرى والأرياف والبوادي. لذا فإن وعي المواطن وتجاوبه واعادة تشكيل أولوياته ،و رصانة الإعلام و مثابرته هو الاساس. ولكن كل ذلك يجب ان يكون مدعوماً بترتيبات تؤمن للمواطن الغذاء والدواء والوقود والماء والمعيشة المناسبة. وهنا يمكن لمنظمات المجتمع المدني ان يكون لها دور مساند وفاعل في دعم جهود الحكومة، والوصول إلى كل بقعة من بقاع الوطن. ولدينا اكثر من 2500 منظمة مجتمع مدني وعدد كبير منها تتوزع نشاطاتها خارج العاصمة وفي اماكن مختلفة.

وفي المسار الاقتصادي لا بد ان تبادر الحكومة فوراً إلى إنشاء صندوق خاص للأزمة، يشارك في تمويله القطاع الخاص والرسمي والأهلي ليبدأ العمل منذ الآن. ولعل وجود الصناعات المنزلية وآلاف الصناعات الصغيرة التي يمكن ان تعمل في نطاق عمالي محدود، يساعد في تطوير القدرات الانتاجية إذا تم العمل ضمن بروتوكولات مناسبة ينبغي ابتداعها. كذلك هناك مسائل التمويل والصناعات المتخصصة والصناعات المعزولة، و الخدمات ،جميعها بحاجة إلى افكار ومقترحات جديدة.

وفي المسار الاجتماعي والذي  يحتاج شراكة كبيرة من منظمات المجتمع المدني ليضع الحلول والبدائل للمساندة الاجتماعية، وفي مقدمتها موضوع الفقر والعمالة اليومية الفردية و الجماعية، وكذلك مشكلة البطالة التي يتوقع ان تتصاعد بسرعة. اما المسار التربوي، فإن فريقاً تربوياً متنوع الخلفيات عليه ان يضع اقتراحات محددة ،تتناول بالإضافة إلى تحسين الدراسة و”التعلم عن بعد” برامجً واقتراحات 1)لتحسين  اللغة والقراءة والكتابة لدى الطلبة 2)الاهتمام بالمهارات والهوايات المفيدة التي يمكن تنميتها بالمنزل، وكذلك 3)برامج الرياضة المنزلية 4) أساليب الزراعة المنزلية داخل المساحات المحدودة.

وفي المسار الزراعي فإن المحافظة على وتيرة الإنتاج و رفع الإنتاجية، و تكثيف إرشاد المزارعين ،و إدخال انماط جديدة، وحل المشكلات اللوجستية للقطاع، و توفير مدخلات الإنتاج يتطلب إضافة إلى تيسيرالتمويل جهودا خاصة.

ان اعتماد الاردن على الاستيراد بشكل كبير في فترة ما قبل الازمة، قد آن له ان يتغير، سواء فيما يتعلق بالغذاء او الدواء او الملابس أو غيرها والتي يمكن تصنيع الجزء الأكبر منها محلياً. ان الكثير من الاعمال الصغيرة قد تضطر للإغلاق ولكن البحث عن بدائل و الإفادة من النمط القبرصي هو جزء من مهام فرق العمل الخمس .وعلى الحكومة المبادرة للعمل من خلال خبراء بما فيهم الأكاديميين، فذلك افضل ضمان للمستقبل الذي لازالت ملامحه غامضة مع الكورونا، و لكن عزيمة الأردنيين قادرة على الوصول إلى بر الأمان.