ما تقوم به إسرائيل من اقتحامات بالقوة للمسجد الأقصى وللاماكن المقدسة الأخرى الإسلامية والمسيحية، ليس بمفاجأة لأي دارس للعقلية الصهيونية،و لنمط التفكير الإسرائيلي ولنهج القيادات الإسرائيلية في التعامل مع المسألة الفلسطينية والعربية برمتها. ويقوم هذا النهج على مبدأ التوسع و القضم التدريجي للأرض والتراث والثقافة، والإلغاء الممنهج للتاريخ العربي المسيحي و الإسلامي على حد سواء، و تصعيد الضغوط المتواصلة على الوجود الفلسطيني بكل مكوناته، حتى يتحول الفلسطينيون من شعب يعيش على تراب وطنه، إلى أقلية محصورة في تجمعات مبعثرة، لكي يستسلم يوما تمهيدا لأن يرحل. وقد وجدت إسرائيل في الحالة العربية الراهنة ،التي تساهم فيها بالخفاء بتمويل و تجهيز المجموعات التدميرية العدمية في كل من سوريا والعراق، وجدت فرصة ذهبية لتسارع من عدوانها، وتضرب في المفاصل الرئيسية للموضوع الفلسطيني و”تكبر حجم القضمات”، والهجوم على الجزء الأصعب و الأكثر إثارة للمشاعر وهو الأماكن المقدسة. و يقول اليمين المتطرف المسيطر على الشارع و على صنع القرار: “أي حالة مواتية أكثر لتوسيع العمليات الإسرائيلية من الحالة الراهنة ؟: فالانقسام الفلسطيني أصبح حالة انكسار دائم ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة،و القيادات الحمساوية غير مستعدة لإنهاء الإنقسام مهما كان الثمن ،والحروب الأهلية تغرق خمسة أقطار عربية بالدمار و الدماء،والجماعات المتطرفة بأفكارها الدينية الظلامية أغرقت شعوب المنطقة في نزاعات طائفية ودينية ومذهبية تعود إلى مئات السنين، و غياب الديموقراطية و الفشل في الإصلاح الشامل و بناء دولة القانون والمواطنة فجر نزاعات قومية وعرقية وجهوية و قبائلية في أكثر من مكان،و ساعد على تدمير و تفكيك دولتين رئيسيتين كانت تحسب الإستراتيجية الإسرائيلية لهما كل حساب وهما سوريا والعراق، و تم تشتيت و تهجير سكانهما في كل اتجاه، فانشغلت أوروبا و أمريكا بمسألة اللاجئين العرب، والذين أصبحوا الخطر الذي تفكر فيه أوروبا. لكل ذلك، يقول اليمين الإسرائيلي : لن يلتفت أحد لما نفعل ، ولن يتحرك أحد من اجل الأقصى أو القدس أو غزة أو إي جزء من فلسطين. من الذي سيتحرك لوقف الهمجية الإسرائيلية التي تحرق أطفالا رضعا في مهودهم؟ وتقتل أمهاتهم وآباءهم، وتحاصر 2 مليون فلسطيني في غزة على مدى عشر سنوات؟ يبدو أن لا أحد. إن إسرائيل تحاول إنهاء أكبر فصل من مشروعها الإستعماري الإحتلالي في اقصر فترة زمنية ممكنة، حتى تبدأ بالفصل العربي المجاور،بكل أساليب الغدر و الخداع و سوء النوايا الإسرائيلية. إن الأردن هو الدولة العربية الوحيدة التي بقيت على تماس واتصال فعلي ويومي بالمسألة الفلسطينية، في جوانبها السياسية والاجتماعية والإنسانية. وهو الذي يقف مع الفلسطينيين ليواجه الأعمال الإسرائيلية المخالفة لمعاهدة السلام ،والمنتهكة للقانون الدولي والإنساني على حد سواء. وهي أعمال مبرمجة في إطار إستراتيجية عدوانية توسعية لا ترى في العرب إلا أعداء، ولا ترى في الفلسطينيين ألا سكانا أصليين ينبغي طردهم واستئصالهم. ولا ترى في الأردن إلا عقبة أمام طرد الفلسطينيين في المرحلة الثالثة. ولذا لا تحمل إسرائيل تجاه الأردن وطنا وشعبا ونظاما ودولة أية نوايا حسنة، وأية رغبة صادقة في التعايش السلمي، إلا في أطر مرحلية ضيقة. وهذا ينبغي أن يكون واضحا في العقل الوطني الشعبي والرسمي. الأمر الذي يستدعي التوقف عن أية شراكات إستراتيجية تحاول إسرائيل جر الأردن إليها. سواء كانت اتفاقية للغاز، أو اتفاقية للمياه، بكل ما فيهما من غموض وسرية وغياب مبررات الشراكة، أو مشروع المحطة النووية الذي يمكن لإسرائيل أن تتدخل فيه بقصد التهديد والابتزاز في أية لحظة تشاء. إن ما تعمل إسرائيل على تنفيذه الآن هو مبدأ نتنياهو في “السلام الاقتصادي”. والذي تترجمه إلى خلق ترابطات اقتصادية حيوية مثل الطاقة والمياه و النقل، وتعميق هذا الترابط، واهمال الحقوق الفلسطينية سواء في الغاز أو البحر الميت، حتى تجعل التصدي للانتهاكات الإسرائيلية غير ممكن، لان بيدها مفاتيح رئيسية تجبر الجانب العربي الأردني والفلسطيني على السكوت أو التغاضي عن عدوانها، سواء كان ذلك اقتحام الأقصى أو تقسيمه زمانيا ومكانيا أو حتى افتعال زلزال من خلال تفجير تحت الأرض يؤدي إلى انهدام الأقصى وما حوله. وهي في إهمالها الحقوق الفلسطينية تهدف إلى إشراك الأردن في النزاع حول هذه الحقوق وبالتالي تصدير جزء من صراعها إلينا. إن الخصم الإسرائيلي يفيض بالغدر واللؤم والنوايا الخبيثة، ولا ينبغي لأي شراكة أن تقوم معه،لأنه سوف يستعملها كتهديد عند أي خلاف .تماما كما يتحكم بالسلطة الفلسطينية من خلال حجز أموال الجمارك والرسوم و الضرائب والمساعدات بين الفينة و الأخرى. فما الذي سيمنعه من إيقاف الغاز أو المياه مستقبلا إذا أخذ الأردن موقفا من أي إجراء غير قانوني أو انتهاك تقوم به إسرائيل؟ و يعلم الخبراء في المياه و في الطاقة أن الشراكة مع إسرائيل في هذين القطاعين الإستراتيجيين ليست ضرورة اقتصادية ولا لوجستية ولا تكنولوجية. و يعرف الخبراء في السياسة و القانون الدولي أن إسرائيل أقل دول العالم إلتزاما بالقانون الدولي، و أكثرها عنصرية و انتهاكا للإتفاقيات و الحقوق الإنسانية. و يعرف الخبراء في الدبلوماسية أن إسرائيل لا تحترم أية تعهدات حتى لو كانت مع أقرب أصدقائها و حلفائها. إنه كيان متوحش، غريب عن الجوار والمنطقة ،مستغرق في عقد التاريخ و الإضطهاد والكراهية، يعمل على تدمير المستقبل، وإعادة تشكيله لمصلحته فقط، و لو كان ذلك على جماجم الأطفال،و قباب المساجد و الكنائس، و أنقاض المستشفيات والمدارس، و أغصان الزيتون التي التهمتها حرائق المستوطنين. ومع كل هذا، فلا ينبغي السكوت أبدا على جرائم إسرائيل في الأقصى و في القدس وفي فلسطين بكاملها.ولا بد من لقاءت قمة عربية وإسلامية بمن حضر للتوافق على خطة عمل ،ولا بد للجنة القدس من العمل والتحول إلى منظمة جماهيرية فاعلة. ولا بد للجامعة العربية أن تتحرك ،وللدولة الفلسطينية أن تأخذ المسألة إلى المحافل الدولية و الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. إن الإتحادات العربية، من برلمانية و حقوقية و منظمات مجتمع مدني و حقوق الإنسان كلها مطالبة بالعمل وفق خطة طويلة المدى و ليس الإكتفاء بالشجب و الإستنكار.أما الفلسطينيون فلعل ما يجري في القدس يكون صدمة كافية ليعودوا عن الإنقسام فيتوحدوا، فذلك هو الذي سيصنع لهم مستقبلا أفضل.