قانون الإنتخابات…. البطء في عالم متسارع

صدرت مسودة مشروع قانون الانتخابات النيابية الجديد الذي طال انتظاره، و تم إدخال عدة تعديلات على المسودة قبل إرسالها إلى مجلس النواب. ويحمل المشروع الجديد تغييرات ملحوظة عن قانون الصوت الواحد الذي طالب الأردنيون بالإنتهاء منه منذ سنوات. ولكنها تغييرات محسوبة بعناية مفرطة و حذر شديد ،تجعل قطار الإصلاح السياسي يسير ببطء، وسط عالم شديد التغير، سريع الحركة، وبيئة إقليمية غير مستقرة، و مطالب مجتمعية ضاغطة.
أن الجوانب الايجابية في المشروع عديدة، و لعل من أهمها، كما هو متوقع في نظام تقسيم الدوائر الإنتخابية، تقليص عدد الدوائر من 52 إلى 23 دائرة حيث ستتحول (9) محافظات إلى دائرة واحدة لكل منها. وهذا من شأنه أن يعطي الفرصة للبلاد للخروج من الدائرة الضيقة التي فرضها قانون الصوت الواحد، إلى المحافظة كدائرة واحدة تضم مختلف المكونات الفرعية. والجانب الإيجابي الثاني هو تقليص عدد النواب من 150 إلى 130 نائبا. وهو تقليص و إن كان مطلوبا إلا أنه ضئيل وغير كاف أبدا. إذ أن عدد 80 هو الأنسب أو 100 كحد أعلى، إذا ما أخذنا عدد السكان بعين الاعتبار. كذلك فإن تركيز القانون على منع المال السياسي، و اعتبار دفع المال أو طلبه للتأثير على إعطاء الأصوات مخالفة قانونية تستوجب العقوبة يمثل نقطة ايجابية في الإتجاه الصحيح.
غير أن مشروع القانون تضمن نقاط ضعف ينبغي معالجتها. الأولى: الإهمال الكامل للأحزاب وعدم الإشارة إليها، و تجاهل تخصيص قوائم على مستوى الوطن والمحافظة للأحزاب. وقد آن للدولة أن تقتنع نظريا و عمليا، انه ليس هناك من استقرار سياسي اجتماعي و ليس من بيئة مشجعة للانطلاق الإقتصادي إلا من خلال الديمقراطية. و أن لا ديمقراطية بدون أحزاب.و أن لا تداخل ولا تماسك للنسيج المجتمعي ولا تلاحم لمكونات المجتمع المختلفة إلا من خلال الأحزاب و منظمات المجتمع المدني والتعليم والثقافة، و المشاركة في القرار. ولا تقوى الأحزاب و لا تنتعش إلا من خلال الاعتراف العملي والقانوني بها من الدولة، وتيسير مشاركتها في الوصول إلى البرلمان على طريق تداول السلطة في دولة ديمقراطية. وإذا صبر الأردنيون 23 سنة على قانون الصوت الواحد حتى تم تغييره، فلا يعقل آن ينتظروا (23) سنة أخرى حتى يكون للأحزاب دور فاعل بحكم القانون و الممارسة.فتكون إذاك مسيرة التحول الديمقراطي قد استغرقت 50 عاما. و هنا يا حبذا لو تتم الإفادة من التجربة المغربية في هذا الشأن. أن القوائم الحزبية لا بد أن تأخذ مكانها بقوة بعيدا عن التأويلات بعدم دستورية القائمة الحزبية بحجة أنها تميز بين الأردنيين الذين هم متساوون . ذلك أن تحقيق المساواة قائم، طالما أن المواطن الأردني دون أي تمييز له الحق في الانتساب إلى الأحزاب والدخول في القائمة الحزبية.

الثانية: أن مشروع القانون لا زال في روحه وفلسفته يؤكد على الأفراد من المرشحين، و يؤكد على بعض مكونات المجتمع الأردني باعتبارهم فئات قائمة بذاتها، و يتم انتخاب المرشحين منها لكونهم من تلك الفئات ،وليس تشجيع الإنتخاب من منظور وطني على أساس الكفاءة والبرامج، كما هو وارد في المادة 4 من المشروع
.الثالثة:أن القوائم التي يشير إليها مشروع القانون غير معرفة و غير محددة . هل هي قوائم فردية؟ أم حزبية أم مجرد تجميع أسماء؟ هل تقوم على أشخاص أو برامج؟ وعلى أي أساس يختار المواطن هذه القائمة بدلا من تلك؟ وماذا تعني الأصوات بالنسبة للقائمة؟ و كان من المفروض أن يرد تعريف القائمة في المادة 2 من القانون و أن يشار إلى العلاقة بين القائمة والبرامج التي يتوقع أن تتم الدعاية الإنتخابية و من ثم إعطاء الأصوات على أساسها
.الرابعة:أن المادة 23 تشير إلى إعلانات و بيانات و أهداف و خطط و برامج عمل المرشحين التي ينبغي أن تحمل أسماءهم الصريحة ، ولا ذكر أبدا للقائمة لا قبل الإنتخاب ،ولا بعده في البرلمان. الأمر الذي يؤكد نفس الروح الفردانية التي كان يحملها قانون الصوت الواحد.
الخامسة: أن مشروع القانون لم يضع حدا أدنى( عتبة) لنسبة الأصوات التي ينبغي للقائمة أن تتحصل عليها حتى يكون لها مقاعد في البرلمان. بل ذهب إلى جواز نجاح القائمة أو الأفراد بالتزكية. و هذا ابتعاد واضح عن روح الديموقراطية و آلياتها.
السادسة: إن طريقة احتساب الأصوات قد تمت صياغتها بطريقة غامضة تذكرنا بالدوائر الوهمية، وتحتمل التأويل والتفسير المتعدد. وفي النهاية لا تقرب الناخب إلى مفهوم الاختيار على أساس البرامج قبل الأشخاص. كما أنه لا يتضح إذا كانت القوائم عابرة للدوائر الإنتخابية، أم أن كل قائمة محصورة في دائرتها الإنتخابية؟.
السابعة أن المادة 8 من مشروع القانون تتيح للمرشحين عن المقاعد المخصصة للشركس و الشيشان و النساء و المسيحيين أن يترشحوا منفردين أو ضمن قوائم. و يعامل المرشح المنفرد معاملة القائمة . والأفضل أن يكون ترشيح الجميع ضمن قوائم يختارونها حسب البرامج التي يتبنوها.
الثامنة: أن هناك إهمال تام للمغتربين وحقهم في التصويت والانتخاب.وهذه مسألة ينبغي التعامل معها بايجابية بمعنى أن تتاح الفرصة للمغتربين الأردنيين أن يدلوا بأصواتهم في بلد الإغتراب، خاصة وان الوسائل التكنولوجية الحديثة جعلت من عملية مشاركة المغتربين في الانتخابات شيئا يسيرا .
إن تطلع الأردنيين نحو الإصلاح الناجز ينبغي أن يكون دافعا قويا للحكومة و لمجلس النواب و للأحزاب على حد سواء لإدخال التعديلات الصحيحة اللازمة على مشروع القانون، خاصة و أن مؤشر الديموقراطية لدينا لا يزال متواضعا و في حدود 3.5 من 10 هذا من جهة، وأن المشروع ليس أصما و ليس هو الأفضل كما قال رئيس الوزراء من جهة ثانية.على أن المسألة الأهم على الإطلاق هي: كيف ستتعامل الدولة مع القانون بعد تعديله و صدوره؟هل ستتكرر تجارب البرلمانات السابقة من حيث “التدخل بطريقة أو بأخرى” خلافا للنص الصريح للدستور في المادة 67 منه للخروج ببرلمان ضعيف ؟ هل وصلنا إلى قناعة مطلقة “أن البرلمان القوي المتمكن المؤهل، المؤلف من كتل برامجية مستنيرة و متماسكة ،هو قوة للدولة و للحكومة” حتى لو كان التعامل معه أكثر مشقة و صعوبة من التعامل مع برلمان” فرداني” ضعيف ؟هل ينجح البرلمان في إعادة للفرصة للأحزاب لكي تأخذ دورها في بناء الديمقراطية؟ و إنهاء حالة الإزدواجية إزاءها ؟خاصة و أن الأحزاب حتى اليوم، و كما صرح بالأمس أحد وزراء التنمية السياسية السابقين،” تتعرض للضغط و التضييق في السر و تعطى الدعم و التشجيع في العلن “. إن قانون الإنتخابات البرلمانية و قانون الأحزاب يمثلان الدعامة الرئيسية لبناء مستقبل وطني سياسي راسخ يلتف حوله الأردنيون جميعا .