انعقدت يوم الاثنين 14/8 قمة ثلاثية في مدينة العلمين المصرية ضمت الزعماء الثلاثة الأكثر اهتماما والتحاما مع القضية الفلسطينية، وهم جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس محمود عباس.
وصدر عن الاجتماع الذي استغرق عدة ساعات بيانا تضمن أهم النقاط المتعلقة بالقضية، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، واحترام الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، ووقف الاستيطان، واستئناف مفاوضات السلام لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وأكد البيان أن السلام يمثل خيارا إستراتيجيا للدول الثلاث، والدول العربية عموما، بل ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها. وأن استقرار المنطقة بكاملها يعتمد على الحل العادل و الشامل و الدائم للقضية الفلسطينية. وبالتالي فقد كان البيان تأكيدا و تجديدا لخطة السلام العربية التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002.
وفي الوقت الذي ينظر الجميع بعين التقدير للجهود التي تبذلها الأردن ومصر وفلسطين في هذا الاتجاه، فإن السؤال الكبير هو: ماذا عن إسرائيل و من وراءها في ضوء السياسات الإسرائيلية وحكم اليمين المتطرف… ماذا بعد؟
لقد اعتمدت إسرائيل على مدى الـ 75 عاما سياسة شراء الوقت والخداع والمماطلة في كل شأن. وخلال ذلك تمعن في تنفيذ برامجها الاستعمارية التهويدية، وتطلعاتها التوسعية، وبناء قدراتها لتتفوق على الدول العربية المحيطة مجتمعة، مستندة الى الدعم الأميركي الأعمى والمساندة الأوروبية المرتبطة بالسياسة الأميركية. كما أن القرارات الدولية والاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الثنائية والإنسانية لا تعني لها شيئا مع الإطلاق بفضل الغطاء الأميركي المتصهين لغايات إنتخابية. وإذا كان العرب قد أخذوا السلام خيارا إستراتيجيا، فإن إسرائيل أخذت التوسع والتهويد الكامل خيارها الإستراتيجي. ولم تستجب لأي تحرك عربي أو فلسطيني أو دولي رغم الجهود الأردنية المتواصلة بالدعوة الى السلام وإنهاء النزاع . بل إن موجات التوحش العنصري الإسرائيلي تتزايد سنة بعد سنة، حتى أصبح قتل الشباب الفلسطينيين وانتهاك حرمة الأماكن المقدسة، وبناء المستوطنات، وتدمير المنازل الفلسطينية، يمثل برنامجا يوميا للكيان الصهيوني بجيشه وشرطته ومستوطنيه و سياسييه.
ماذا بعد العلمين؟ هل ستنتظر الدول الثلاث الموقعة على البيان 20 عاما أخرى؟ سؤال يطرحه كل مواطن عربي، و تقتضيه المصلحة الوطنية لكل دولة قريبة من إسرائيل.
و حتى تكون قمة العلمين نقطة انعطاف حقيقية في مسار القضية الفلسطينية، و في تأمين السلام الإستراتيجي للدول الثلاث، إضافة إلى سورية و لبنان و العراق التي كان لإسرائيل دور في تفكيكها، خاصة وأن الأردن وجلالة الملك عبدالله الثاني يتمتع بثقة دولية واسعة، وأن مصر دولة لها وزنها الإستراتيجي في المنطقة، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية تتمتع بقبول واسع دوليا، فإن الأمر يحتاج الى التحرك في عدة اتجاهات، لعل من أبرزها ما يلي: أولا: تكليف فريق من الخبراء لوضع خطة عمل للدول الثلاث ثم الدول العربية وخاصة السعودية والكويت والجزائر، وللدول الصديقة على ضوء البيان الختامي لقمة العلمين ثانيا: الضغط على الفصائل الفلسطينية بكل الوسائل وخاصة حماس وفتح لإنهاء الانقسام الفلسطيني ثالثا: السير في الترتيبات لانتخابات رئاسية و تشريعية فلسطينية تشمل الضفة الغربية وغزة لتشكيل حكومة وطنية تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني على أرضه، وبذلك يكتسب التمثيل الفلسطيني مصداقية حقيقية واسعة. رابعا: التوجه نحو الدول العربية لاكتساب تأييدها لبيان العلمين وللخطة المرسومة. خامسا: الضغط على الولايات الأميركية بشتى الوسائل السياسية والاقتصادية لتغيير سياستها إزاء الموضوع الفلسطيني خاصة وأن توجه العالم نحو “القطبية المتعددة” غدا يتنامى بتسارع كبير بعد الانفتاح على الصين وروسيا من السعودية وغيرها من الدول العربية و الصديقة. سادسا: وقف الانخراط في أي تشبيك اقتصادي أو تكنولوجي أو لوجستي مع إسرائيل، خاصة وأن نتنياهو ما يزال متمسكا باستبدال السياسة بالاقتصاد، أو على الأصح بالمال، وتحويل الصراع الى مسألة مالية اقتصادية يمكن التوافق عليها من خلال المعونات، ومن خلال السيطرة على المفاصل الإستراتيجية للمنطقة العربية وفي مقدمتها الطاقة والمياه والسكة الحديد و أنابيب النفط و الغاز. ويحاول من خلال دولة الإمارات تعميق هذه السيطرة. سابعا: العمل العربي المتضامن على المستوى الأميركي والدولي لرفع فصائل المقاومة الفلسطينية من قوائم الإرهاب باعتبار أن هذه القوائم تشكل المستند الرئيسي لبقاء الانقسام خوفا من اتهام الجميع بما فيها السلطة الوطنية بالإرهاب ثامنا: الدفع القوي باتجاه توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني باعتبار أنه يواجه ظروفا لا إنسانية تحت الاحتلال و هجومات عسكرية وإرهابية من المستوطنين بشكل متواصل. تاسعا: العمل على تفعيل دور الاتحادات العربية من برلمانية وحقوقية وأكاديمية وغيرها لنقل خطة العمل ومبادئ إعلان العلمين الى نظرائهم العرب والدوليين و خاصة الدول الإسلامية وتلك المتعاطفة مع القضية الفلسطينية واعتبار ذلك محطة انطلاق لأي برامج مستقبلية. عاشرا: وضع برنامج عربي منظم و دائم لدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
وأخيرا فإن إعلان قمة العلمين حمل جميع النوايا الطيبة والسلمية الصادقة للدول الثلاث الأردن ومصر وفلسطين ولكن الكيان الصهيوني و من ورائه الولايات المتحدة لن يغير من برامجه الاستعمارية العنصرية المتوحشة إلا إذا تغيرت موازين السلام، و إلا إذا أصبح الاحتلال مكلفا لإسرائيل على مستوى فلسطين والمنطقة والعالم.