كان هناك تأكيد شديد الوضوح والأهمية في الكلمة الإفتتاحية للملك عبد الله الثاني في الدورة الثامنة للمؤتمر الإقتصادي العالمي في البحر الميت يوم الجمعة 22\5 على الدور المركزي لمشاريع الطاقة بالنسبة للتنمية الإقتصادية، و خاصة الطاقة المتجددة. و إذا كان هناك من ميزة “شعبية ” تنفرد بها الطاقة المتجددة، فهي الأثر الفوري على المواطن. إذ يستطيع مباشرة تخفيض فاتورة الكهرباء بنسبة 25% أو ما يعادل 35 دينار شهريا لكل كيلو واط مركب. فالمواطن الذي يركب محطة شمسية صغيرة بقدرة (2) كيلو واط و بكلفة 3 آلاف دينار وهذا كاف لأي بيت صغير أو متوسط فإنه يخفض من فاتورة الكهرباء حوالي70 دينار شهريا. وبذا يسترد ما دفعه خلال أقل من 5 سنوات.
وجميل أن الملك عبد الله الثاني افتتح بنفسه أول مشروع للطاقة الشمسية بالديوان الملكي، حتى يكون قدوة ومثالا يحتذى. ومن شأن ذلك أن يخفض نفقات الكهرباء في الديوان بما يقرب من (240) ألف دينار شهريا. وهذا ينبغي أن يكون محركا قويا لوزارة الطاقة ووزارة المالية آن تركزا في الوقت الحاضر على تشجيع المواطنين على تركيب وحدات توليد شمسية خاصة بهم، وان تساعدا بالتمويل ووضع ترتيبات تمويلية مع البنوك لتمويل المشاريع المنزلية والصناعية والتجارية، إضافة إلى إنشاء المحطات الكبيرة. فذلك أسرع بالوصول إلى المواطنين و إلى الإقتصاد من انتظار تركيب محطات ضخمة ،أو الركض وراء” محطة نووية ليس لها مبرر اقتصادي أو تكنولوجي أو لوجستي، لتأتي بعد سنوات تكون البلاد قد خسرت خلالها مليارات الدنانير، وانتظار أن يتم تعديل التعرفة أو تقليل خسائر شركة الكهرباء، وغير ذلك مما ليس للمواطن علاقة به أو مسؤولية. إن (71%) من المنازل في بلادنا هي منازل فردية، وعدد المستهلكين المنزليين ومن في حكمهم يتجاوز (600) ألف مشترك .وهذا يعني أن المشاريع التجميلية المتمثلة في تركيب (4) وحدات شمسية في هذه القرية و (5) وحدات في قرية أخرى من خلال برنامج مساعدات خارجية، لن يترك أثرا حقيقيا على المستوى الوطني.
و لا بد من القول بصوت مرتفع أن الإجراءات الخاصة بتركيب وحدات توليد الطاقة الشمسية لا زالت طويلة ومعقدة و بطيئة، وشركات توزيع الكهرباء لا تجد لديها أي حافز لتركيب مثل هذا الوحدات. فتحاول دائما التأخير والتسويف إلى حد “التطفيش”. فأرباحها لا تعتمد على أدائها، و إنما مرتبطة فقط بموجوداتها ونفقاتها الخاصة، بما في ذلك الرواتب المبالغ فيها أحيانا، وليس بمقدار الانجاز الحقيقي أو حجم الطاقة المتداولة على الشبكة. أما توفير الاستهلاك وترشيده من قبل المستهلك، فلا يحقق لشركة التوزيع أي مكسب، بل ربما العكس. هذا في حين أن شركة توليد الكهرباء يترتب عليها خسائر إضافية نتيجة لعدم الترشيد، ونتيجة لعدم تركيب الوحدات الشمسية، ونتيجة لعدم مسؤوليتها عن اختيار الوقود. فالحكومة هي التي تتعاقد على الشراء. وهكذا نجد أن ما بين الأطراف الأربعة: “التوليد والتوزيع والحكومة والمستهلك” فجوات كبيرة لم يتم تجسيرها حتى الآن.
إن ما تخسره شركة توليد الكهرباء، وبالتالي وزارة المالية وبالتالي المواطن يتجاوز مئات الملايين من الدنانير سنويا. ومجرد تركيب وحدات شمسية للعدد الأكبر من المستهلكين يوفر ما يقرب من 400 مليون دينار سنويا، تتحقق للمواطن وللخزينة مباشرة. أما شركات التوزيع التي لا يعنيها الأمر فينبغي إعادة صياغة المعادلة الخاصة بها، بما في ذلك إعطاؤها حافزا إضافيا لتشجيع المستهلكين على تركيب الأنظمة الشمسية، كأن يحسب لها ربح سنوي يتناسب مع الزيادة في الوحدات الجديدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها، أو يتناسب مع كمية الوقود التي يتم توفيرها لدى شركات التوليد.
إن (85%) من خسائر شركة الكهرباء الوطنية التي تجاوز مجموعها 4 مليارات دينار تعود إلى الوقود. وأي عاقل يدرك أن ليس هناك من طريق لتخفيض الخسائر إلا من خلال تقليل استهلاك الوقود عن طريق البدائل التي يمكن أن تدخل فيها الحكومة ويشارك فيها الجمهور. إن سياسة وزارة الطاقة ووزارة المالية إزاء تكاليف الطاقة بحاجة إلى مراجعة كاملة، فلا يجوز أن تستمر الخسائر هكذا إما أن تتحملها الخزينة و إما أن يتحملها المواطن. وفي نفس الوقت تم رفض عروض لمحطات شمسية بكلفة معقولة للكيلو واط ساعة لإن هناك إصرار على كلفة منخفضة تماما ،هذا في حين أن كلفة التوليد بالديزل تتعدى الآن (14) قرشا. ويبدو أن وزارة الطاقة تفضل أن تخسر في كل كيلو واط ساعة (8) قروش أو أكثر يتحملها المستهلك لأنها تطمع بكهرباء أرخص بكثير.
لقد أكد الملك للمستثمرين والمشاركين في المؤتمر الإقتصادي في البحر الميت على الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في المشاريع .و الترجمة العملية لهذا التوجه السليم ، “أنه لا بد من المشاركة والاستثمار الرسمي في الطاقة البديلة، سواء كانت الشمسية أو الرياح أو الصخر الزيتي لان هذا الاستثمار هو الذي يوقف الخسائر ويمنع تفاقم المديونية، و في نفس الوقت يولد عشرات الآلاف من فرص العمل التي نحن بأمس الحاجة إليها، وخاصة لدى الشباب”. ولا يعقل أن تقف الوزارتان هكذا مكتوفة الأيدي تتفرج على الخسائر، وتهدد المواطن برفع التعرفة الكهربائية، ولا تبدي الحكومة أي استعداد للمساهمة في مشروع حيوي جدا كمحطة “الصخر الزيتي بالحرق المباشر”، باعتبار أن التعجيل في المشروع هو توفير في استهلاك الوقود بمئات ملايين الدنانير سنويا. إن عدد المشتركين في الكهرباء على مختلف أنواعهم يقترب من (2) مليون عداد، ولكن عدد اللذين استفادوا من الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية والرياح) فقط (750) مشترك يتوقع أن يصلوا مع نهاية العام إلى (1000) مشترك من (2) مليون، وعدد المشتركين المنزليين أكثر من (600) ألف و لكن الذين استفادوا من الطاقة البديلة اقل من (500)، فهل هذا معقول والشمس لدينا يتفوق إشعاعها على كل دول أوروبا والصين واليابان؟.
وبعد لقد آن الأوان للحكومة، و لوزارتي الطاقة و المالية بشكل خاص، أن تعيد النظر كلية في سياستها إزاء الطاقة، وفي العلاقة بين أطراف المعادلة ابتداء من الحكومة المستوردة للوقود وانتهاء بالمستهلك الذي عليه أن يتحمل تبعات الخيارات الخاطئة لجميع الحلقات التي تسبقه بما في ذلك تأخير ميناء الغاز أكثر من سنتين و تأخير مشروع الصخر الزيتي لأكثر من 5 سنوات و إحباط كل من يريد أن تكون لديه محطة شمسية خاصة به. إن مستقبل التنمية في البلاد ، و الأردن 2025، و تطلع الملك لتصدير الطاقة من المصادر المتجددة، وقدرة المواطن والاقتصاد على التحمل، أخطر بكثير من هذه الحالة التواكلية وغير المترابطة السائدة في القطاع.