خرج نتنياهو في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء 7/2/ ليقول بكل تبجح «حققنا انتصارات كثيرة في غزة، ولن نوقف الحرب حتى نقضي على حماس، لأن انتصار حماس يمثل كارثة لإسرائيل، وانتصار إسرائيل هو الطريق لعلاقات إسرائيلية جيدة مع مصر والدول العربية». وكالعادة، لم يبد نتنياهو أي اكتراث لفظاعة المجازر التي ذهب ضحيتها أكثر من 28 ألف شهيد و70 ألف جريح، ولا لقسوة القصف وتدمير 86 % من المرافق الصحية في القطاع، وبالتالي انتشار الأمراض بسبب منع إسرائيل للماء والغذاء والدواء والوقود والمأوى عن 2.3 مليون مواطن فلسطيني. ويصر نتنياهو وبكل عنجهية خبيثة على موقفه بأن الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل هو إخراج حماس من غزة وتحويل القطاع إلى منطقة منزوعة السلاح وإدارتها بإشراف إسرائيلي مباشر وتحرير الأسرى الإسرائيليين. وعلى أرض الواقع فقد تم تدمير البنية التحتية والفوقية للقطاع وتم نزوح اكثر من 1.6 مليون نسمة من شمال القطاع ووسطه الى الجنوب. ومع هذا، قال نتنياهو بأنه سيوجه القوات الإسرائيلية لتكثيف عملياتها في خان يونس والتوجه بالعمليات نحو رفح باعتبارهما المركز الرئيس لحركة حماس. وهذا ما تم في اليوم التالي بهدف الضغط على الغزيين باتجاه مصر ومن ثم السيطرة على محور فيلادلفيا بين مصر وغزة. وهذا يعني أن عمليات التدمير ستشمل الوسط والجنوب بعد أن تم تدمير الشمال. أين سيذهب المواطنون في القطاع بعد كل هذا القتل والتشريد والتدمير والإصرار عليه، رغم قرار محكمة العدل الدولية بضرورة حماية المدنيين؟ الواضح أن الهدف الرئيسي غير المعلن للكيان الصهيوني العنصري ليس حماس بالدرجة الأولى، بقدر ما هو تهجير وإخراج الفلسطينيين من بلادهم. ويأمل نتنياهو واليمين المتطرف أن يكون نجاح التهجير في غزة نموذجاً للاستفادة منه في تهجير مماثل في الضفة الغربية، وإذاك يتحقق الهدف الصهيوني في إقامة دولة يهودية في فلسطين. إن ما تشهده غزة اليوم، وعلى مدى الـ 130 يوما الماضية من مجازر وإبادة جماعية وتدمير، يمثل شريطا سريعا لتاريخ إسرائيل منذ عام 1948. والخطة الإسرائيلية هنا تتمثل في السيطرة العسكرية على الحدود المصرية الغزية لتقوم إسرائيل بعد أيام بفتح ثغرات من رفح الفلسطينية إلى الأراضي المصرية واتهام المقاومة بذلك ومن ثم الضغط على السكان ليتدفقوا إلى الأراضي المصرية عبر تلك الثغرات. باستثناء الأردن، فإن البلاد العربية لازالت تقف متفرجة وعند حدود الشجب والاستنكار، وتنتظر أن يصل الطرفان إلى هدنة أو وقف لإطلاق النار وكفى الله المؤمنين.. ولكن المقاومة بل الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية راحت تتحدث اليوم عن دولة فلسطينية كطريق وحيد لاستقرار المنطقة وسلامة إسرائيل ايضاً. ولكن أحداً لا يتحدث عن برنامج زمني للتنفيذ. إن الضغط الأميركي على إسرائيل لا زال ضغطاً رقيقا إعلاميا خجولا وليس جادا، وبطبيعة الحال تخفف من جديته المساعدات الأميركية التي لا زالت تنهمر على إسرائيل في كل مجال، ابتداء من الجنود المرتزقة وانتهاء بأحدث المعدات والمستشارين، مرورا بتعطيل أميركي لجميع القرارات والمؤسسات الدولية التي توجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، وانتهاء، وبموجب وثيقة رسمية أميركية، بتخصيص جزء من مساعدات أميركا لإسرائيل «لمساعدة» الفلسطينيين الراغبين في الهجرة.
وهنا يجب أن يؤخذ موضوع التهجير والذي لا تعترض عليه أميركا وحلفاؤها عمليا وفي الغرف المغلقة، وإن كانت ترفضه دبلوماسيا، يؤخذ بكل الجدية الممكنة والخطورة المتوقعة. بل هو بمثابة إعلان حرب كما أشار الملك عبدالله الثاني في بداية العدوان على غزة. ذلك أن الترجمة العملية لما تقوم به إسرائيل من دفع السكان في غزة للنزوح نحو الجنوب ثم الجنوب حتى رفح وانخراط الجيش الإسرائيلي للعمليات العسكرية حتى تنفجر رفح باتجاه مصر فيهرع الغزيون الى سيناء بحثا عن الأمان هو التهجير القسري المنشود.
من جانب آخر، فإن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من مصادرات للأراضي وتوسع جنوني في بناء المستعمرات وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وتهديم للمباني وحرق للأشجار والتضييق الاقتصادي والمالي على السكان، واعتداء المستعمرين المتواصل على القرى والمخيمات الفلسطينية، كل ذلك يهدف إلى تحويل حياة المواطنين الفلسطينيين الى جحيم ليبحثوا عن مكان خارج الضفة بحثا لأنفسهم عن العمل والأمان. وهذا في المشروع الاستعماري الإسرائيلي يهدف الى تحويل التهجير إلى أمر واقع، قد يأخذ صورة العمل الانساني، خاصة وان المجتمع الدولي لا زال صامتا إزاء ما يجري في غزة والضفة. ولكنه سيخرج عن صمته حين يصل الفلسطينيون إلى حدود الدول المجاورة وخاصة مصر والأردن، فيصبح فتح الحدود أمامهم إنقاذا لهم من الجحيم الذين هم فيه.
وهنا لا بد من التحرك الوطني والعربي وخاصة للدول المجاورة، الأردن ومصر وسورية ولبنان والعراق والسعودية، للعمل نحو إيقاف بل مسح هذا المشروع الإسرائيلي الاستعماري وفي الاتجاهات التالية:
أولاً: التواصل الحثيث والجاد مع دول العالم واحدة فواحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة وحدود 1967 وعاصمتها القدس. ثانياً: الضغط المتواصل على الولايات المتحدة الأميركية للعمل على إيقاف الحرب في غزة وإيقاف خطوات التهجير والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ثالثاً: الذهاب الى المؤسسات الدولية والقانونية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، والاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد البرلماني الإسلامي للضغط على الحكومات للتدخل لوقف الحرب والانتهاكات الإسرائيلية والإبادة الجماعية.
رابعاً: دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه بكل الوسائل المادية والمعنوية الممكنة.
خامساً: تقديم العون والإغاثة للشعب الفلسطيني في غزة بشكل دائم ومنظم ومن خلال هيئة مساعدات عربية مؤقتة.
سادساً: البدء بالاستعداد لمتطلبات إعمار غزة من الناحية الهندسية واللوجستية والمالية وإنشاء صندوق لهذه الغاية.
وأخيراً فعلى الجميع أن يتذكر بأن إسرائيل قد قامت على ركائز أساسية أربع: الأولى الدعم الأميركي الأوروبي الأعمى والمطلق، الثانية القتل والمجازر الجماعية والتشريد والتهجير، الثالثة الدهاء والتضليل والخداع وطول النفس، الرابعة العمل على تشتيت وتحطيم كل تكتل عربي واستثمار كل نقطة ضعف لدى الفلسطينيين والعرب.
إن مشروع التهجير هو حرب على كل من فلسطين وأهلها وحرب على الدول المجاورة التي سيطرد إليها المهجرون، وستنزلق المنطقة إلى حالة خلخلة واضطراب وفوضى لعدة عقود قادمة. إن انتصار المقاومة، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم، وإنهاء الانقسامات والتجديد السريع للإدارة الوطنية الفلسطينية، هو الطريق الوحيد لإفشال المشاريع الصهيونية الاستعمارية وفتح نافذة مضيئة نحو المستقبل.