في موقفه الثابت من القضية الفلسطينية، يؤكد الأردن وعلى لسان الملك عبدالله الثاني وفي جميع المحافل الدولية، قبل وبعد طوفان الأقصى، أن الأردن يرفض بشكل قاطع تهجير الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية ويرفض تجزئة القضية الفلسطينية، وأن الحل العسكري لن يوصل إلى أي نتيجة، وأنه لا استقرار ولا أمن في المنطقة ،بما فيها اسرائيل، إلا بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة حسب القرارات الدولية، والمتمثلة في اقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة القابلة للحياة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، وخروج الاحتلال من كافة الأراضي التي احتلها في حزيران عام 1967 وما بعدها. وبالمقابل ترفض إسرائيل هذا المدخل بشتى الوسائل والإجراءات والتصريحات. وكان آخر تصريح لنتنياهو قبل طوفان الأقصى بأيام قليلة قوله ” لا يوجد دولة فلسطينية ولن يكون هناك دولة”. وقد سبق وأن قالت جولدا مائير” لا يوجد شعب فلسطيني”. وفي الجانب العملي تستمر إسرائيل في مصادرة الأراضي الفلسطينية ومحاولة ابتلاع أكبر مساحة ممكنة من فلسطين من خلال التوسع في بناء المستوطنات، وانشاء الطرق الالتفافية لتقطيع أوصال الضفة الغربية وتحويلها إلى مجرد تجمعات سكانية. هذا إضافة إلى تدمير المنازل في القدس ومصادرتها، واقتحام الأماكن المقدسة وتدنيس الأقصى، بل ومحاولة القضاء على التراث الفلسطيني الإسلامي والمسيحي في غزة والضفة على السواء.
وفي نفس الوقت، ترفض إسرائيل بشكل قاطع فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة التي يعيش فيها اليهود والفلسطينيون كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات. وهذا الرفض تم تجسيده عمليا وتقنينه بإصدار الكنيست لقانون يهودية الدولة، الذي يعطي حق تقرير المصير فقط لليهود، وكل من هو غير يهودي أصبح بموجب هذا القانون مجرد “مقيم”.
وفي هذا الإطار راحت وسائط الإعلام الإسرائيلية والسياسيون الإسرائيليون يروجون لفكرتين الأولى ان حل الدولتين قد انتهى ولم يعد ممكنا إقامة دولة على الضفة الغربية وقطاع غزة نظراً لما تضم من مستوطنات ومستوطنين وطرق ومواقع عسكرية. والثانية أن الدولة الواحدة الديمقراطية مرفوضة قطعا لأنها تتناقض مع مفهوم الدولة اليهودية. وراحت دولة الاحتلال تتصرف على هذا الأساس.
وقد تلقى الفكرة هذه الكثير من السياسيين والإعلاميين العرب وراحوا يصدقونها بل ويرددونها في كل مناسبة. يضاف إلى ذلك أن الدول الغربية وفي مقدمتها الدول الحاضنة للمشروع الصهيوني، أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا تقبلت المقولات الإسرائيلية وتغاضت عن كل ما تقوم به إسرائيل وخاصة بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، وإن كانت تجامل العرب دبلوماسيا بترديد عبارة حل الدولتين. ومؤخرا أضاف الرئيس بايدن ” أنه مع حل الدولتين.. وإن كان التحقيق صعبا”.
وعلى ضوء ذلك يتساءل الناس: ما هومصير الفلسطينيين إذن؟ الوزير اليميني المتطرف سموتريتش قال بكل وقاحة وفجاجة: “امام الفلسطينيين 3 خيارات: الرحيل أو الاستسلام او الموت.” والسؤال ايضاً للعرب الذين يقولون ان حل الدولتين قد انتهى. ماذا يفعل الفلسطينيون؟ وما هو الأفق أمامهم للمستقبل؟ هل يتبعون نظرية سموتريتش وبن غفير وغيرهم من النازيين الجدد في إسرائيل؟ ام يتبعون نظرية نتنياهو بأن يقتنعوا بالإجابات الاقتصادية إلى أن تنتهي المسألة؟ أم يقبلون بالتهجير الذي أطلق عليه أحد المسؤولين السابقين عبارة “حل واقعي”.. وربما يقصد “أنه تحت التنفيذ من طرف إسرائيل”.
وحقيقة الأمر أن إمكانات حل الدولتين ما تزال قائمة وبقوة، لأسباب عديدة منها: أولا نحن نتحدث عن 5 ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع و2.5 مليون في فلسطين داخل الخط الأخضر، و1600 قرية وبلدة ومدينة فلسطينية في طول فلسطين وعرضها، وفلسطينيين ثابتين على أرضهم منذ آلاف السنين. كل هذا مقابل عدد من المستوطنات التي تم استحداثها خلال 30 أو20 أو10 سنوات أو أقل، ولا يقيم فيها الا مستعمرون مستأجرون وصلوا إليها حديثا ويتسلمون رواتب وتعويضات من حكومة الاحتلال مقابل اقامتهم في المستوطنات ولا تزيد أعدادهم على 600 ألف حسب الأرقام الدعائية الإسرائيلية المضخمة، وجزء منهم من المتقاعدين العسكريين.ثانيا: لم تتبلورالغالبية الكبرى من تلك المستوطنات ولم يتداخل ساكنوها لتصبح قرى وبلدات بنسيج اجتماعي متماسك لها تاريخها وتراثها الذي يربط القاطنين فيها بالأرض لتكون وطنا حقيقيا فهي أشبه بالمنتجعات أو الفنادق. ثالثا: إن تفكيك المستوطنات وإرجاع ساكنيها إلى بيوتهم وراء الخط الأخضر لا يشكل اقتلاعا لهم من جذور تاريخية غير موجودة كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين. وقد سبق لإسرائيل أن فككت مستوطنات في سيناء وفي قطاع غزة. رابعا إن هذه المستوطنات في الجزء الأكبر منها هي غير قانونية بموجب الإتفاقيات الدولية. وكذلك الطرق والاراضي المصادرة فإنها إجراءات يقوم بها المحتل مخالفا بها القانون الدولي واتفاقيات جنيف.
اما إذا كان الجانب العربي سيستسلم لكل مصادرة تقوم بها إسرائيل، ويقبل المقولات الإسرائيلية “كدولة احتلال”، فهذا من شأنه أن يجعل “الأسرلة والتهويد” أمرا هينا على إسرائيل. هي فقط تعلن المصادرة وتمارسها وانتهى الأمر. هذا طبعا غير مقبول لا في القانون الدولي ولا في الواقع الفلسطيني أوالإنساني ولا يفتح أفقا لإنهاء الصراع. وقد صدق بعض العرب ان إسرائيل حين ترجع إلى التوراة والتلمود كمبرر للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية (أو السورية أو اللبنانية أو المصرية) ان المحرك لديهم هو الدافع الديني. وهنا لا بد من التأكيد على مسألتين رئيسيتين: الأولى ان الدين لدى الصهيونية وبالتالي في العقل الإستراتيجي الإسرائيلي هو مجرد محرك أو أداة لتحفيز وتبرير استكمال المشروع الصهيوني الاستعماري على نمط الاستعمار التقليدي. الثانية: إن الإعلام الإسرائيلي يتبع منذ سنين نفس المبدأ الذي انتهجه جوبلز في المانيا النازية: “اطلق القصة أو الخبر الذي تريد واستمر في الإعادة والتكرار سيصدقك الناس”وهذا ما تفعله إسرائيل حين تقول يهودا والسامرة أو تقول هيكل سليمان وغير ذلك.
وأخيرا إن فلسطين، بمواطنيها ومدنها وقراها وأراضيها وتراثها ومقدساتها، هي التي يجب أن يفكر الجميع فيها، ويساعد الفلسطينيين في نضالهم وصمودهم وتضحياتهم لتحريرها رغم الأفعال والإدعاءات والجرائم الصهيونية، فذلك طريق النضال والأمان لمستقبلهم ومستقبل المنطقة بأسرها.