موجة عابرة…. أم سلسلة متصلة ؟؟

بداية لا بد من التأكيد ، بكل اعتزاز و ثقة، أنه في كل مرة يقع فيها حادث إرهابي جبان، يلتف الأردنيون جميعاً حول بلدهم الذي يحبون،مدافعين عنه بكل امكاناتهم ،متعاطفين مع الضحايا من الجرحى، ومثمنين للشهداء تضحيتهم العالية، ومقدرين للأجهزة الأمنية والعسكرية دورها وقيامها بواجباتها.
على أن مسألة الإرهاب والتطرف يجب أن ينظر اليها من زوايا أخرى .

(1) الحلقات المتصلة

بوصول الحركات الارهابية إلى ما وصلت اليه من وحشية عمياء ، وظلامية مغلقة ،وعمليات مأجورة ،, و كراهية للحياة، فإن العالم يتحرك بسرعة إلى نوع من التوافق على مواجهة التطرف والقضاء على المنظمات الإرهابية في أطراف العالم، وخاصة في الأماكن الساخنة العراق وسوريا وليبيا . ولذا فمن المتوقع أن لاتستسلم تلك الحركات و تعترف بوصولها إلى حائط مسدود، و إنما ستتبنى سياسة العمليات الإرهابية المبعثرة في كل مكان و لعدة سنوات قادمة. وسيلجأ مجتمع التطرف و الإرهاب إلى استراتيجية بديلة . أولاً : اختراق أي بلد متاح من خاصرته الضعيفة . والثانية : تكثيف عمليات التدمير والقتل العشوائية المعروفة بإسم الذئاب المنفردة.والثالثة إستعمال شتى الوسائل و الآليات غير التقليدية للقتل و الترويع مثل السيارات والمفخخات و الألغام و الحرائق والكيماويات غيرها. والرابعة : تكثيف الجهود للتغرير بالشباب و غسل عقولهم بمقولات الكراهية و التكفير و الإنتقام ،المغلفة بالمقولات الدينية.
وهذا يضع على الحكومة وأجهزتها، وعلى المواطنين ومنظمات المجتمع المدني “مسؤولية وطنية للمواجهة المبرمجة”. ويتطلب أن تكون هناك “خطة طوارئ أمنية لمدة 5 سنوات على الأقل بادارة مركزية” تشمل البلاد جميعهاً، وفي مقدمتها الأماكن الضعيفة اقتصادياً أو سكانياً أو اجتماعياً، بما فيها مخيمات اللاجئين الجدد. وينبغي أن تكون هناك “ميزانية محددة لخطة الطوارئ” هذه. سواء كنا نتحدث عن مراكز أمنية مؤقتة جديدة في الأحياء والقرى والأطراف، أم نتحدث عن حراس يتجولون في الشوارع الصغيرة للتعرف على ما يجري فيها ، أو تدريب كلاب لكشف الكيماويات الخطرة والمتفجرات، أو إحكام شبكات الاتصال والكشف الليلي، وغير ذلك الكثير. فأي “انفاق على الاستعداد و التجهيز والحيطة والمراقبة والتدقيق سيكون أقل كلفة بعشرات المرات من حادثة واحدة تنجح فيها تلك المجموعات الإرهابية.
(2) النوم الطويل

وقد تعمد خلايا الفئات الإرهابية إلى تكتيك ” النوم الطويل “، حتى يطمئن المواطنون وتطمئن الأجهزة المسؤولة أن خطر الإرهاب قد زال، فترخي من قبضتها و يقظتها. وفي هذه الأثناء تتغلغل فكرياً ونفسياً بين المجموعات الشبابية لتعاود تلك الخلايا اليقظة والنشاط من خلال المفاجأة. وهذا يستدعي برامج متابعة ومراقبة طويلة المدى وخاصة في الزوايا المعتمة و المشبوهين من جهة، و برامج توعية و تثقيف موسعة و عميقة من جهة أخرى. وان تكون هناك “شراكة وفق ترتيب عملي واضح بين المواطنين والأجهزة المعنية”. كما يتطلب تفكيراً جديداً في التعامل مع اللاجئين والوافدين الجدد الذين تدفقوا ليصلوا إلى ما يقرب من 3 مليون شخص ،خاصة وأن الحدود السورية والعراقية من المتوقع لها أن تستمر رخوة قابلة للاختراق لسنوات عديدة قادمة نتيجة لحالات الانهيار هناك. و نظرا لأن متوسط بقاء اللاجئ في أرض اللجوء هو في حدود 17 عاماً فإن الرحلة مع دهاليز الإرهاب لا تزال طويلة .

(3) التحصين الداخلي

لقد قيل الشئ الكثير عن الفقر والبطالة والإحباط و الغضب لدى الشباب ،وعلاقة كل ذلك بالانزلاق نحو التطرف والإرهاب بهدف الإنتقام. ولكن لم تتبلورحتى الآن أية استراتيجيات وبرامج وطنية متماسكة لتغيير كل ذلك. أن الاكتفاء بالقول بصعوبة الظروف المحيطة لا يفيد شيئاً، والاعتماد على المساعدات لن يغير جذرياً من الأحوال،ناهيك انها في تراجع مستمر. والحقيقة أن هناك سباق غير معلن بين التطرف والإرهاب من جهة والذي يبحث عن بيئة عميقة حاضنة ومصدراً متواصلاً للمجندين، وبين الاصلاح السياسي و الاقصادي و الثقافي لذي يجفف الينابيع التي يبحث عنها أولئك . وهاذ يعني أولاً : أن برامج التغيير في بنية الاقتصاد والإفادة من الفرص الضائعة الكثيرة وإقامة المشاريع الانتاجية المولدة لفرص العمل والتنمية في الأرياف والمحافظات ينبغي الشروع فيها بكل جدية.ثانيا: أن انجاز الإصلاح السياسي القائم على الديموقراطية و المشاركة و المواطنة و الدور الحقيقي للأحزاب و منظمات المجتمع المدني، هو الطريق الأمثل لإزالة الإحباط، و القهر، و “دعوى المظلومية “التي تدفع كلها الى الرغبة في الإنتقام و التدمير. كل ذلك في إطار إصلاح عميق “للروح و العقلية الإدارية” للدولة. ثالثا : إن البرامج التثقيفية و خاصة للشباب في المدارس والجامعات والمراكز الشبابية و معسكرات الشباب وعلى القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي و المستندة إلى العقل و العلم و الوطنية و التفكير الديني المستنير و الإنجاز و الإبداع، لازالت غائبة إلى حد كبير. وهذا ما يسهل على القطاعات المتطرفة مهمتها. ولا بد من الإنتهاء من هذه الحالة والشروع في خطط التوعية ،التي يشارك في إعدادها المفكرون و العلماء، بالعمل والعقل والفكر المستنير والآداب والفنون. و كلها أدوات لمواجهة الفكر الظلامي. ودون برامج فعلية يتم تنفيذها فإن الأمور تسير في صالح الخلايا النائمة يوماً بعد يوم . رابعاً : إن خدمة العلم و تدعيم المراكز الشبابية والجمعيات الثقافية و الجمهور بالفكر التنويري والكتب والمجلات والأفلام وبالنشاطات العملية و المشاريع التي تخدم المجتمع ،وتحقق للشباب فرصا واسعة لتفريغ طاقاتهم وإظهار ابداعاتهم على مختلف أشكالها، أمر في صميم مواجهة التطرف ، بدلاً من إغراءات الجماعات الظلامية للشباب بالكشف عن عبقرياتهم، و إطلاقها من خلال العمليات الإرهابية. و هذا يضع على المدارس و المعاهد و الجامعات مسؤولية كبيرة للبدء في نشاطات منهجية و لا منهجية للإبداع والإبتكار و الأعمال الفنية و الإستكشافية .خامسا:. أن ” صحوة واستيقاظ الجهاز الإداري الرسمي” ليتفاعل مع حالة الطوارىء فيكون على “مستوى المسؤولية في خدمة المواطنين لا للتحكم بهم” وعلى شتى المستويات،و وضع حد للفساد المالي و الإداري و السلوكي، يمثل الطريق الرئيس لتجفيف منابع الإحباط و اليأس و الغضب و المظلومية التي تعتبر طرقا مؤدية للتطرف.
إن التعجل للانتهاء من مقولة التطرف والإرهاب بعيدا عن العمل الصبور، والإفتراض بانها موجة عابرة لا تستدعي كل الاستعدادات التي يتحدث عنها الخبراء، والتي هي أصلا واجب وطني واجتماعي طال استحقاقه، هذا التعجل من شأنه أن يؤدي إلى التراخي ،و يضيع الفرص، ويحيط المستقبل بالغموض والترقب . ولا ينجلي المستقبل أبداً و يزول ضباب التطرف وتنتهي شرور الإرهاب، الا بالتكاتف الوطني ،و بالعمل الحقيقي المبرمج و المبدع على كل صعيد.