مستقبل الأونروا… مسؤولية دولية وعربية

في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عدوانها الاستعماري الممنهج على الشعب والأراضي الفلسطينية دون اكتراث بالقانون الدولي أو الإنساني فإنها ،ومنذ أكثر من 60 عاماً، تعمل على التخلّص التدريجي من القرارات والالتزامات الدولية التي تدين إسرائيل أو الصهيونية أو اليهود، وتثبت حقوق الفلسطينيين بوطنهم ،بما في ذلك حقوق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم والتعويض لمن لا يرغب العودة حسب المادة (11) من قرار الأمم المتحدة (194) لسنة 1948. كما تعمل إسرائيل على محاربة المؤسسات الدولية ذات العلاقة باللاجئين مثل الأونروا ،أو تلك التي تدعم حقوقهم مثل اليونسكو والعديد من المنظمات الإنسانية. وخلال العقود الماضية نجحت إسرائيل والقوى الصهيونية المساندة في إصدار عبارة من الفاتيكان عام 1963مفادها تبرئة اليهود من دم المسيح .   وفي عام 1991 تم سحب قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1975بمساواة الصهيونية بالعنصرية.وكذلك عملت على إدراج عدد من الفصائل الفلسطينية في مجموعات الإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وفي الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من اليونسكو والتضييق على الأونروا من أجل تقليص خدماتها تمهيداً لحل هذه المنظمة الدولية الهامة.
و تنبع أهمية الأونروا التي أنشأتها الأمم المتحدة بالقرار 302عام 1949 من مداخل رئيسية أربعة: الأول: أنها المنظمة الدولية الوحيدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين ،وبالتالي فهي تعطي موضوع اللاجئين البعد السياسي الدولي المتمثل  بحقهم بالعودة إلى ديارهم. الثاني:إن لدى الأونروا سجلات تفصيلية منذ عام 1949 وحتى اليوم بأعداد اللاجئين الذين تجاوزوا 5 مليون لاجىء في بلدان اللجوء الثلاثة الأردن (42 %) وسوريا (10 %) ولبنان (8 %) ،إضافة إلى فلسطين 40 % . وهذا ما تحاول إسرائيل طمسه والقفز عليه. الثالث: إن الأونروا تساعد اللاجئين فعلاً في عدد من الخدمات من أهمها الإغاثة والتعليم والصحة والتدريب والتشغيل.
و تأتي ميزانية الأونروا ليس من الأمم المتحدة وإنما من الدول المانحة  وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية 364 مليون دولار لعام 2017 والاتحاد الأوروبي 43 مليون وألمانيا 76 مليون  والسويد 62 مليون وبريطانيا 60 مليون والسعودية 51 مليون واليابان 43 مليون وسويسرا 27 مليون والنرويج 26 مليون وهولندا 21 مليون دولار. أما مساهمة الأردن فهي عينية وتتجاوز قيمتها 350 مليون دولار سنوياً. وتسعى إسرائيل  إلى الضغط على الدول لتقليص مساهماتها ،ومن خلال طرح بدائل وهمية مثل: شركة مقاولات تتولى أعمال الأونروا، أو ضم أعمالها إلى المنظمة الدولية لشؤون اللاجئين ،أو إعطاء إغاثة مجمعة مقابل التنازل عن بطاقة اللاجئ وشطب الاسم من السجلات، أو إعطاء تعويضات للدولة المضيفة، أو غير ذلك لكي يتم حل الأونروا.
إن الأردن والذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين وأكبر مساهم في تقديم الخدمات لهم، حريص على استمرار الأونروا حفاظاً على حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، ومنعاً لإسرائيل أن تمحو سجلاتهم. وفي ضوء إرتماء الإدارة الأمريكية في أحضان اللوبي الصهيوني ليضمن ترامب عودة ثانية إلى البيت الأبيض، فإن الأمر يتطلب سلسلة من الإجراءات في مقدمتها أولا:تشكيل فريق متخصص يعمل على توضيح الموقف للدول الأجنبية وتشجيعها على الاستمرار في دعم الأونروا. ثانياً: دعوة الأمم المتحدة و الجامعة العربية إلى الانعقاد لبحث الموضوع على وجه التحديد، وتعزيز وتوسيع الاتصالات العربية مع الدول والمؤسسات الحقوقية والبرلمانية العربية والدولية. ثالثاً: أن تساهم الدول العربية جزئياً في موازنة الأونروا إلى جانب الدول الأخرى ، للمحافظة على خدماتها حتى لو انسحبت الولايات المتحدة كلية من دعم الأونروا، وهي ستفعل ذلك.رابعا:أن تنشط الأحزاب والبرلمانات و منظمات المجتمع المدني العربية في التواصل مع نظرائها في دول العالم لحشد المساندة للحقوق الفلسطينية في بقاء الأونروا.
و تهدف إسرائيل في الفترة القادمة إلى استكمال السيطرة على القدس، واستبعاد حل الدولتين ، والانتهاء من قضية اللاجئين بحل الأونروا وطمس الأرقام المعتمدة للاجئين، والدعوة إلى توطينهم حيث هم ، و استمرار الضغط على الفلسطينيين في الضفة و غزة. الأمر الذي يتطلب برنامج عمل فلسطيني أردني عربي مشترك لمواجهة المؤامرة على مستقبل الشعب الفلسطيني.