في العالم العربي… السلطة بأي ثمن!!

لعل المنطقة العربية واحدة من المناطق القليلة في العالم، إن لم تكن الوحيدة، التي تتحرك وفق شعار عدمي قاتل ألا وهو: “السلطة بأي ثمن.. حتى و لو كان الوطن “. حتى لو كان الثمن دولا وأوطانا بكاملها، تتمزق وتتفتت ، ويموت فيها مئات الآلاف من الأبرياء، وتتعطل فيها مصالح الناس العاديين، وتدمر فيها المدارس والجامعات والمستشفيات والمصانع والمزارع، فقط لأن شخصا مفردا، أو حزبا واحدا، أو طائفة واحدة،أو مذهبا واحدا يريد أن يتمسك بالسلطة ولا يغادرها،أو يريد أن ينقض عليها و يأخذها، حتى لو كان الثمن كل هذا الدمار الذي نراه.. هل يوجد ما يشبه هذا في آسيا أو أمريكا اللاتينية؟ أو أفريقيا أو أوروبا؟ أو حتى التجمعات البدائية؟ هل يمكن لشعوب وعقول وأحزاب وطوائف وجماعات و أشخاص و قيادات أن تنزلق إلى هذه الدرجة من الأنانية ومن العدمية ومن اللانسانية ؟ حتى الأحزاب السياسية التي يفترض أن تكون العقل السياسي للشعوب، تسيطر عليها نفس الأنانية و عبادة الذات، فتسلك ذات السلوك. والطامة الكبرى أن لا احد من هؤلاء يفكر بوطنه ودولته وشعبه، وإنما يفكر فقط في” كرسي و مغنم و سلطة” يريد أن يصل إليه، أو تم تنحيته منه و يريد العودة إليه. ولتحقيق ذلك، فإن الطرف المعني مستعد لفعل كل شيء، و أي شيء، حتى لو بقي ملعونا ومكروها أبدا. مستعد لأن يكون عبدا لأسياد خارج وطنه، وذنبا لقوى أجنبية تملي عليه كل شيء وأي شيء.لأجل الكرسي والمغنم مستعد للانبطاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي وحتى يصل إلى الحكم أو ينزع غيره من الحكم ، لديه الاستعداد لان يصبح ألعوبة بيد الأجنبي، يتلقى التعليمات وينفذها بخضوع تام، ويدفع الأموال من دم الشعب أو من المساعدات الأجنبية ولسان حاله يقول: “نعم ذئب عليكم وعلى الغريب نعامة”.الم يكونوا كذلك أمراء الطوائف؟ و كأن العرب لم يتقدموا على خطى التاريخ إلا مظاهر استوردوها من العالم المتقدم . فعاد القتل والقتال على الرئاسة و السياسة و الاستعانة بالأجنبي كما كان زمن العباسيين والمماليك والأتراك فأصبحت البلاد العربية مرتعا للغزاة والطامعين على مدى مئات السنين. و ها هم اليوم يعيدون نفس المأساة. هل يعقل أن تتعطل حكومة لسنوات، ويفرغ منصب الرئاسة في بلد لمدة سنة أو أكثر، فقط لان كل فريق سياسي تحركه أصابع أجنبية وتدفع له رواتبه الشهرية؟! هل يعقل أن تذهب جماعة ترفع شعارات دينية إلى العمل على تدمير بلد بحجم مصر و تأثيرها في المنطقة العربية فقط لأنها فقدت الحكم؟ هل الحكم لديهم يساوي مستقبل الدول بملايين المواطنين الأبرياء؟ هل يعقل أن يتحرك متطرف ديني فيفجر المسجد ومن فيه من المصلين ؟ هل يعقل أن يتم تدمير الآثار النادرة والوثائق التاريخية والمتاحف والمساجد والكنائس باسم الدين؟ هل يعقل أن يذهب رئيس حكم اليمن 30 سنة و لم يشبع، فيتحالف مع حزب متطرف يطمح إلى السلطة، ويستعينوا بالأجنبي ، فقط ليستعيد الكرسي والحكم والسيطرة حتى لو أدى ذلك إلى تدمير اليمن بأكملها ؟ و الأمثلة لا تنتهي.. فهي أكثر مأساوية و وحشية و دموية في العراق و سوريا والسودان. . ما الذي يفقد العقل العربي التوازن؟ ما الذي يمسح من عقله الحدود بين الخير و الشر؟ بين الممكن وغير الممكن ؟ بين الوطني وغير الوطني؟ بين الإنساني و الهمجي؟ بين الحكم وبين الدولة؟ بين السلطة وبين الوطن؟ بين الحزب وبين الأمة؟ أي رسالة ستصل إلى الجيل القادم؟ و ماذا سيتعلم أطفال اليوم من ما يشاهدون و يعايشون؟ و أي قيم و مثل سوف يؤمنون بها ؟هل هي التربية والتعليم؟ أم هي الثقافة المجتمعية؟ أم التربية الدينية؟ أم هو الإرث التاريخي الذي لم ينفك العربي منه منذ أكثر من ألف عام؟ أم هي الأنانية المطلقة التي ينشأ عليها الصغار أم هي كراهية الأخر و النهم إلى التحكم والمال؟ هل نستغرب نشوء الحركات الإرهابية المتطرفة ،في طول البلاد العربية وعرضها، وتحريكها و تمويلها من قبل القوى الأجنبية؟ أليس ما تقوم به بعض الأنظمة من قتل وتدمير لبلدانها ولشعوبها أشد قسوة؟ لكن انتشار الإرهاب والتطرف و انخراط آلاف الشباب في الحركات المتطرفة، وآلاف العقول والألسنة في تبرير ما تقوم به تلك الحركات لدليل على أن المرض منتشر و الجرثومة متغلغلة في المجتمع. إن الظلم السياسي، وعدم احترام المواطنة،و التهميش الإقتصادي، والإقصاء الاجتماعي, والالتفاف على الإصلاح والتحديث والتهرب منه، واحتكار الحقيقة، والتزمت والإكراه الطائفي والتسلط الديني(الدين بريء)، وغياب الديموقراطية والمشاركة، واحتكار السلطة، كل ذلك يعمل على توفير المناخ الملائم و التربة الخصبة للتطرف والقسوة والهمجية لتكون على أوسع مدى، من الجلاد ومن الضحية التي تسعى إلى تبادل الأدوار . و مع هذا فلا بد من مواجهة الحقيقة والإعتراف بأن النشأة العربية المعاصرة والتربية والثقافة المجتمعية تخترقها نقاط الضعف وأمراض اخطر مما يبدو على السطح. لقد آن الأوان لوقف عمليات التدمير الذاتي كما جاء في “النداء العربي”، وأن تنشأ دعوة جماهيرية إلى السلم والتوافق وأن تدرك الأحزاب والجماعات والسياسيين والحكام أن الأوطان أغلى من الحكم والمنفعة، والدولة أحق بالبقاء من الفرد أو الحزب. و أن على كل دولة أن تعجل من برامج الإصلاح السياسي والإقتصادي، وأن تضع لنفسها برنامجا وطنيا بعيد المدى تشارك فيه مؤسسات التربية والثقافة و أللإعلام و الشباب ومنظمات المجتمع المدني و المفكرون وقادة الرأي، يتيح للمواطنين وللأجيال القادمة أن ترى أوطانها بصورة أكثر ايجابية وجمالا وقيمة، وأن تعمل على بناء مستقبل بعيدا عن الإرث التاريخي الدموي. مستقبل أكثر وطنية وإنسانية .