تقـريـر الكـونـغـرس…. الإشارات و الاستجابة

صدر قبل شهرين تقريبا، عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي  تقرير حول الأردن، من إعداد الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط “جيرمي شارب” .تناول التقرير عدة مواضيع بالغة الأهمية ينبغي النظر فيها، أولا حتى نصحح ما لدينا من نقاط ضعف، و ثانيا حتى لا تكون الإشارات والأحكام الواردة في التقرير عائقاً أمام الدعم الذي تعهد به ترامب للأردن خلال لقائه الملك عبد الله الثاني في واشنطن يوم الأربعاء الماضي، خاصة وأن ترامب أشاد بالدور المتميز الذي يقوم به الأردن لمواجهة الإرهاب وحفظ استقرار المنطقة والجهد للوصول إلى سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وكذلك لشجاعة الجنود الأردنيين، وبالحكمة والجرأة التي يتمتع بها الملك.

ففي مجال السياسة الخارجية أشاد التقرير بدور الأردن في جوانب عديدة من أبرزها: الاعتدال والمشاركة الفاعلة في محاربة الإرهاب، وأهلية الأردن ليكون شريكا رئيسيا للولايات المتحدة في التعامل مع شؤون المنطقة، والعمل على الوصول إلى السلام ،إضافة إلى المهنية العالية للأجهزة العسكرية والأمنية الأردنية. و هذه النقاط نفسها، أكد عليها الرئيس ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد لقاء القمة بينه وبين الملك عبد الله الثاني، الأمر الذي يبين أهمية هذه التقارير في تشكيل الرؤية السياسة الأمريكية.

و من جانب آخر، تناول التقرير عددا من المسائل الداخلية في بلادنا ليس من الحكمة والحصافة السياسية تجاهلها، بل لا بد من  قراءتها من منظور مستقبلي وطني و استراتيجي صحيح. المسألة الأولى تتناول حجم انضمام الشباب الأردنيين إلى داعش (4000)  منطلقين من عدد من المدن الأردنية، لتكون الأردن ثاني أكبر مساهم في المتطوعين الأجانب بعد تونس . وهذا يعني أن البرنامج الثقافي التنويري الذي كان يدور الحديث حوله لم يغير شيئاً يذكر. وأن على الدولة أن تراجع المسألة بعمق، وأن تستعد المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية والشبابية والدينية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لمسيرة طويلة حتى تصل إلى الهدف. الثانية : الفساد وبطء الإصلاح وبطء النمو الاقتصادي، وتتكرر هذه الكلمات في التقرير أكثر من مرة،  وذلك يدفع بالشباب إلى الإحباط واليأس، حين لا يرون تحركا نحو مستقبل أفضل، وإذاك تتلقفهم الجماعات المتطرفة ليتم استدراجهم للانضمام إلى داعش أو سواها، بعد أن يتم غسل عقولهم بالمقولات الدينية الطابع والزائفة، حيث لا تجد مخزونا ثقافياً و فكريا قوياً ومعاصراً لدحضها، ولا ركائز تربوية متينة لمواجهتها، ولا نشاط سياسيا اجتماعيا متاح لتخطيها. ومن ثم يتم التغرير بهم بالمال والوعود و التمتع بالقوة . الثالثة : “الفقر والبطالة و الاغتراب بحثاً عن فرص العمل في الخارج. ويعود ذلك بالدرجة الأولى الى تدني معدل النمو الاقتصادي (2%) وصغر القاعدة الصناعية “. وهكذا يؤكد التقرير ما يكرره أهل العلم والخبرة باستمرار:  أن لا فرصة لزيادة النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة كافية وبالتالي تقليص مساحة الفقر والبطالة الا من خلال التوجه الجاد نحو تصنيع القطاعات الاقتصادية و إنشاء المشاريع الإنتاجية و خاصة في المحافظات، وتحفيز الصناعات المحلية لتحل منتجاتها محل السلع المستوردة، و العمل على رفع معدل النمو الاقتصادي ليتجاوز 6% سنوياً .الرابعة : هجرة الأدمغة والمهارات. وهذه مسألة بالغة الأهمية والخطورة، وإن كان تأثيرها بطيئاً وطويل الأمد. فالهجرة للأدمغة والمهارات من شأنها أن تفرغ البلاد من “مجتمع المؤهلين المتمرسين”،وبالتالي تؤثر سلبا على الإنتاج والانتاجية و تخفض من اقتصاديات الاستثمار، ومن امكانات الإبداع والتميز ،ما ينعكس سلبياً على النمو الاقتصادي إن عائدات العقول والمهارات المغتربة على الاقتصاد الوطني لا تتعدى 20% من القيمة المضافة التي يحملها اولئك المغتربون. كما أن العمالة الوافدة والعمالة المتغيرة والمتقطعة لا تستطيع أن تستجيب لمستويات المهارات والتفوق والإتقان التي يطلبها القطاع الصناعي، أو الزراعي ولا لمتطلبات المنافسة .الخامسة : “إن الوظائف الحكومية تغطي بالمتوسط 42% من قوى العمل”. وهذا بحد ذاته عبء ثقيل على الخزينة، وعلى كفاءة الجهاز الحكومي، غير أن الخروج من هذه الحالة غير الاعتيادية والهبوط بموظفي الدولة إلى 12% أو 15% من القوى العاملة يتطلب برنامجاً طويل الأمد ركائزه الرئيسية؛ التصنيع والتكنولوجيا والانتاج في شتى القطاعات . ودون ذلك ستبقى الدولة و الخزينة تدور في حلقة مفرغة . السادسة :ضعف الثقة بالحكومة. إن الصورة التي يرسمها التقرير لحالة الفساد وفقدان الثقة بالحكومة لاصلاح الاقتصاد وتوفير الخدمات هي صورة سلبية للغاية. ومع هذا فإن المصحلة الوطنية تقتضي أن تأخذ الحكومة الأمر مأخذا جادا،و تباشر التصحيح من خلال الإصلاح الفعال الملموس للمواطن، والنهج الإعلامي التواصلي الأكثر علمية وعمقا و موضوعية وسرعة و إقناعا.

و مهما كان تقييمنا للتقرير،فإنه “يرسم الصورة أمام العقل السياسي الأمريكي والدولي”، ويؤثر في مواقف الكونغرس والمؤسسات الدولية، و ينبهنا إلى أخطاء قد نتناساها أو نتجاهلها، وكل ذلك يتطلب منا الإصلاح الجوهري المبدع من أجل المستقبل الذي نريد.