النضال الفلسطيني بين الوطني والسياسي

ليس هناك أصعب و أعقد من الظروف الوطنية والعربية والدولية، التي يمر بها نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال وإجلاء المحتل الإسرائيلي عن أراضي الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة.  فالشعب الفلسطيني المتواضع الإمكانات، المحاصر من كل مكان، باستثناء الأردن الذي يمثل الرئة التي يتنفس من خلالها  و لم تغلق أبدا تحت كل الظروف ، و مصر بالنسبة لقطاع غزة، هذا الشعب المتمسك بوطنه ووطنيته يصارع أعتى دولة عدوانية عنصرية توسعية، متاح لها جميع أنواع الأسلحة والمعدات دون استثناء، ومتاح لها التغطية الإعلامية والقانونية في كل مكان ومحفل دولي. وهي مدعومة بدون شروط من قبل أقوى دول العالم الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا .  أما المجتمع الدولي فهو موزع ، كل في مشكلاته الخاصة، والمنطقة العربية منقسمة مشتتة، تنهار فيها الدول، ويتحرك فيها التطرف، وتتزاحم فيها المجموعات والعصابات من المرتزقة، تتاجر بإسم الدين وباسم القومية والوطنية. والجامعة العربية تحولت إلى مشاهد مسلوب الإرادة .
في ظل هذه الأجواء على الفلسطينيين الذين عانوا من الانقسام وضياع الوحدة الوطنية لسنين طويلة، لأسباب كثيرة و منها تقديم الحزبي على الوطني، عليهم أن يشقوا طريقهم وسط الصعاب الداخلية والجرائم الإسرائيلية، والضغوطات والتداخلات العربية والانحيازات الدولية. وعليهم أن يتقدموا بكل حكمة على طريق الاستقلال بقدراتهم المحدودة و تضحياتهم التي لا حدود لها. ولذا فهم بأمس الحاجة إلى الأصدقاء و الدعم العربي والدولي.
إن المضمون الوطني الإنساني لهذا النضال لا يوجد حوله بشكل مطلق أي خلاف أو تشكك. والمقاومة ضد القوة العسكرية للاحتلال هي من الأساليب التي أقرها القانون الدولي. وليس من المفيد أن تتداخلها الشوائب حتى لا تعطي الغاصب الإسرائيلي فرصة للاستغلال والتشويه، وإظهار النضال الفلسطيني على غير صورته الحقيقية الإنسانية المشرفة.
ولكن الإشكال دائماً في المسألة السياسية. بمعنى كيف تستطيع حركة التحرر الوطني الفلسطيني، بما فيها المقاومة، أن تواصل مسيرتها في حقول الألغام السياسية، التي تمثلها الحالة الدولية بشكل عام، والحالة العربية بشكل خاص والحالة الفلسطينية بشكل أخص؟ كيف تستطيع جذب المؤيدين الداعمين وكسب الأصدقاء؟ وكيف تنجح في عدم الاستعداء وفي تحييد الأعداء؟ كان الراحل ياسر عرفات من أبرع من أتقنوا هذا المسار. إذا كان يعرف انه في منطقة دائبة التقلب والانقسام والتوتر والتمحور، وكان يعمل أن يخرج ربما بدون محبين، ولكن الأهم بدون أعداء للقضية . والى حد كبير سار محمود عباس على ذات الطريق ولكن بأسلوب أقل دراماتيكية وإثارة.
وجاء الهجوم الوحشي على غزة و بدرجة أقل في الضفة الغربية، ليضع مسألة السياسة في الواجهة، نتيجة للتوترات التي شهدتها المنطقة خلال الربيع العربي. ولا جدال في أن حماس التي تحكم غزة في قلب هذه التوترات. ومن هنا فإن حماس والفصائل جميعها في غزة والضفة ، بحاجة إلى وقفة مراجعة و تأمل . أولاً : لأن يتذكر الجميع أن نضال الشعب هو الأساس، وهو نضال الإنسان البسيط و ليس نضال فصيل بعينه. ولذا ينبغي أن يكون التواصل العربي والدولي من خلال هذا المفهوم، وتقديم المسألة الوطنية على أي شيء آخر . ثانياً : إن إنهاء الإنقسام، والعمل جبهة موحدة تحت مظلة منظمة التحرير و حكومة الوحدة الوطنية،أمر يتطلع إليه الفلسطينيون والعرب كالتزام صادق لا رجعة عنه على جميع المستويات. ثالثا: أن الفصائل الفلسطينية التي لها ارتباطات ومرجعيات وتحالفات سياسية خارج فلسطين، ينبغي أن لا تطغى تحالفاتها على مصلحة شعبها، بل تكون الأولوية للجانب الوطني قبل الجانب الحزبي السياسي. وهذا ينبغي أن يكون مستقراً بين كوادرها و بارزا في خطابها الإعلامي وفي مواقفها وعلاقاتها.  رابعا :إن حلفاء وأصدقاء حماس وغيرها لا ينبغي أن يتنكروا لمواقف الدول الداعمة للعمل الفلسطيني بسبب الخلفيات والخلافات السياسية مع تلك الدول. ولا يحق لهم أبداً أن يستعدوا الدول على حماس وعلى النضال الفلسطيني من خلال مواقف سياسية خاصة بهم، و خارجة عن المسألة الفلسطينية، كما يجري الآن. فاستعداء مصر من خلال “الأخوان” والجزيرة و تركيا وغيرها بسبب الضربة القاصمة التي لحقت بهم في مصر لا يخدم المصالح الفلسطينية. كما أن الإساءات المتجنية الظالمة إلى الأردن، رغم اعتراف القاصي والداني و أولها إخوتنا في غزة والضفة، بالجهود السياسية والإنسانية والإعلامية  و على كل صعيد التي يبذلها الأردن لدعم العمل الفلسطيني الوطني، وليس الحزبي أو ألفصائلي ،هذه الإساءات لا قيمة لها ولا تقدم للجهد الفلسطيني إلا الأذى والضرر. خامسا: إن عدداً من الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس قد عانت من تصنيفها ظلماً وعدواناً كمجموعات إرهابية على القوائم الأوروبية والأمريكية. وقد آن الأوان لهذا الأمر أن ينتهي. وهو لن ينتهي إلا بالجهود الفلسطينية الموحدة، والمساعدة الدولية و العربية، وفي مقدمتها الأردن ومصر والسعودية. وهي الدول التي تعمل “الجماعة” على نكران جهودها واستعدائها ظلما وعدوانا. سادساً : بالنسبة لغزة فإن مصر هي بوابتها إلى العالم، وهذا يتطلب الحكمة والعقلانية من حماس، والإدراك السياسي بمسؤولية الدولة، وليس بإطلاق الشعارات الجوفاء، من أصدقائها وأنصارها. وعليهم، و بطلب من حماس، ولمصلحة العمل الفلسطيني  التوقف عن تجيير النضال الفلسطيني لصالحهم، والتوقف عن إسقاط مواقفهم السياسية وأطروحاتهم الإعلامية على الموضوع الفلسطيني ذاته. فيحققوا خسارة مزدوجة: التقليل من المناصرة للنضال في وقت الأزمات، وإصباغ الصبغة السياسية الحزبية الضيقة على نضال وطني خالص ومتسع.
وأخيرا فإن التفوق في النضال، الذي يتحمل أعباءه وتضحياته المواطن الفلسطيني من حياته وأمواله وأبنائه و بناته ومستقبله، والدعم والمساندة التي يقدمها المواطن الأردني و غيره من المواطنين العرب، كل ذلك يتطلب الرؤية السياسية الحصيفة ،و الإدارة المحنكة ، التي تحافظ على ما تحقق و تبني عليه ، وتتسارع نحو انتصار الحق الفلسطيني،  في المستقبل القريب.