الموجة الثانية.. هل تختلف الأقطار العربية؟

حين انطلق الربيع العربي في موجته الأولى في تونس العام 2010، كان التعليق الأول للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك “مصر ليست تونس… نحن مختلفون”. وبعد أيام قليلة حذر العقيد القذافي الزعماء العرب “إن الدور سيأتيكم واحداً واحداً… أما نحن في ليبيا فنختلف تماماً”. وكذلك استعمل الزعماء نفس العبارة في سورية واليمن وبعد سنوات في السودان والجزائر والمغرب واليوم في لبنان والعراق…
هل تختلف الدول العربية حقيقة الواحدة عن الأخرى، أم أنها تتشابه؟ ولماذا نشاهد أن ما يقع في بلد يقع ما يشبهه في بلد آخر، ولو بعد حين؟ لعل الإجابة البسيطة هي: إن الدول العربية تختلف جميعها الواحدة عن الأخرى في معظم التفاصيل الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والجهوية والطائفية وغيرها من المفردات العديدة، ولكنها جميعها تلتقي عند منعطف واحد: الإخفاق الاقتصادي وغياب الديمقراطية والاعتماد على الآخرين الأجانب…
ومن هنا ،فإن مقارنة التفاصيل ليست هي المسألة ،وليست سوى مدخل للوهم،والتصوّر الزائف بأن الاختلاف في التفاصيل يعني الأمان والاختلاف في النتائج. إن الأحداث التاريخية المهمة لا تعتمد على التفاصيل وإنما تنبثق عن التوجهات الكلية… التفاصيل قد تشعل الشرارة اليوم أو بعد عام أو خمسة، ولكنها لا تصنع التاريخ.نعم الفساد في لبنان يختلف تماماً عنه في العراق وفي مصر وفي الأردن، ولكنه في النهاية سوس ينخر في جسم الدولة. والتسلّط في الجزائر يختلف عنه في تونس ويختلف عنه في مصر، ولكنه في النهاية يمثل كبتاً وحجباً للمشاركة الشعبية، وتكريساً لاحتكار السلطة، سواء تم بالقوة الخشنة أو بالقوة الناعمة ،وسواء قام به القذافي أو علي صالح أو تشاوتشيسكو.ومعاناة المواطن العربي من انخفاض دخله وتدني مستوى معيشته هي معاناة واحدة ،وتوصل إلى نفس النتيجة ،سواء كان ذلك المواطن مسلما أم قبطياً أم كردياً أم أمازيغيا أو عربياً، جنوبياً أو شمالياً، بدويا أم ريفيا. وكل ذلك بسبب سوء الإدارة أو الفساد أو نهب أموال الدولة أو تحكم فئات دون أخرى. والبطالة في الأقطار العربية (15.7 %) ضعف المعدل العالمي، سواء كان سبب البطالة العمالة الوافدة، أو انفصال التعليم عن سوق الإنتاج، أو عدم الاستثمار في المشاريع الإنتاجية ،أو إهمال الأرياف والأطراف ،أو غياب مشروع وطني، أو أي سبب آخر.
عند النظر إلى المسار التاريخي والتوجهات المستقبلية فليس المهم أبداً متابعة كل بلد بتفاصيله سواء كان البلد اليمن أو زمبابوي أو تونس أو تشيلي… وإنما المهم سؤال واحد: هل نجحت إدارة الدولة في تحقيق طموحات المواطن؟ وهل نجحت في الأداء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟ أو أنها فشلت…؟ ومقياس النجاح أو الفشل هو ليس ما يصدر عن الدولة من تصريحات وإعلاميات وافتراضات، وإنما هناك واقع يعيشه المواطن يومياً بكل مرارته وشقائه، وهناك أرقام ومؤشرات دولية تتناول كل هذه التفاصيل.
فحين تكون هذه الأرقام سيئة فمعنى ذلك إن إدارة الدولة فشلت أو على حافة الفشل. وبالمناسبة فإن جميع الدول العربية تصنف دولياً أنها على حافة الفشل أو أنها في حالة إنذار alert state باستثناء الدول التي تورطت في حروب أهليه إذ تصنف على إنها دول فاشلة.
والآن، وحتى نتفهم ما يجري في لبنان والجزائر والعراق،وما هو متوقع أن يجري مستقبلاً في أقطار عربية أخرى ،علينا أن ننظر إلى النتائج الكلية للأداء، لا أن ننشغل فقط بتفاصيل التكوينات والاتجاهات، أو قصص المؤامرات الأجنبية، والتدخلات التي تبحث دائما عن نقاط الضعف لتتسلل من خلالها.
وبالتدقيق في الأداء الكلي، يكاد لا يتبقى شيء من الاختلاف ،بين قطر عربي وآخر، يحمل مضامين يمكن أن يطمئن صانع القرار فيها أنه “مختلف”، وبعيد عن الربيع العربي وموجته الثانية وربما الثالثة أو الرابعة.
لقد حان الوقت، بل منذ سنوات، لإدراك الإدارات والقوى السياسية العربية ،إن العالم قد تغير، والمجتمعات قد تغيرت جذرياً،.فهناك مساءلة و محاسبة في كل مكان، والعاقل من استعد برغبته وإرادته وعمل على التغيير بالتراضي والعقل والعلم والمشاركة، لا بالإكراه والاضطرار.فهذا في النهاية الطريق الذي لا مفر و لا بد منه .
هل تتعلم الإدارات العربية الدرس من الدول الأخرى؟ و يلتقط كل بلد عربي الإشارة اللبنانية ، ناهيك عن إشارات الجزائر والسودان والعراق، وإشارات الربيع العربي وموجته الأولى ،ويشرع ،بالتشارك الصادق في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي سياسي اجتماعي حقيقي وفوري ليضمن أن المستقبل لن يفاجئه في الموجة الثالثة؟ ذلك هو التحدي.