المشروع الصهيوني.. من ترامب إلى بايدن

إذا كان ترامب أعلن صفقة القرن بكل صلف وعنجهية وافقت مزاج نتنياهو المتعجرف، وغير المعترف بأي حقوق للفلسطينيين، فإن بايدن تسلم الراية ليتيح الفرصة للمشروع الصهيوني بكل عدوانيته وتطلعاته التوسعية ليواصل المسيرة، ولكن في غلاف من الدبلوماسية الهادئة وبشيء من التواضع الزائف، وتكتيك يقوم على التغاضي عن أعمال إسرائيل مهما كانت. وغدت الرؤية الأميركية للصراع العربي الإسرائيلي تتجسد في نظرية نتنياهو: «الذهاب إلى الحل الاقتصادي بعيدا عن السياسة، ومع الزمن تتغير الأمور لصالح إسرائيل».. إن ما تسعى اليه الولايات المتحدة الأميركية بعد فشلها في العراق وأفغانستان وسورية، هو الانسحاب سياسيا من المنطقة مع المحافظة على قواعدها العسكرية فيها، لتتولى إسرائيل دور قيادة المنطقة والسيطرة على مفاصلها من خلال: القوة العسكرية والأسلحة المتطورة، والمال، والطاقة والمياه، واللوجستيك والتكنولوجيا. وبالتالي تتولى تحريك الدول في المنطقة العربية سواء ضد روسيا أو الصين، أو ضد ايران باعتبارها العدو البديل للعدو الإسرائيلي. وكما صرح ترامب أكثر من مرة، صرح بايدن قبل أيام من اجتماع جدة المنتظرفي 15 تموز المقبل، أن «أمن إسرائيل» يشكل فصلا رئيسا في زيارته للمنطقة. وكما أرسل ترامب كوشنر اليهودي الصهيوني ليرسم صفقة القرن، أرسل بايدن كبير مستشاريه لأمن الطاقة، وهو اليهودي الصهيوني آموس هوخشتاين المولود في فلسطين المحتلة عام 1973، ليكون الوسيط بين إسرائيل ولبنان في مسألة الغاز اللبناني الذي تسعى إسرائيل للاستيلاء عليه . وتعمل الولايات المتحدة الآن على تحشيد أكبر عدد من الدول لتستخدمها كقوة ضغط على روسيا أو إيران أو أي طرف آخر. ولأن المسار الاقتصادي الذي قدمه نتنياهو كان يتحرك ببطء رغم تطبيع البحرين والإمارات والمغرب والسودان، وعُمان بشكل غير رسمي، فقد ارتأت إسرائيل وأمامها الإدارة الأميركية تسريع الحركة من خلال «فبركة» تهديدات وأخطار عسكرية وهمية أو شكلية أو مضخمة أو ثانوية تستلزم التحشيد والتحالف والاصطفاف. ومن أجل تسويق الفكرة لدى الشعوب العربية انطلق دعاة الرؤية الأميركية الإسرائيلية ينشرون ويروجون ان المنطقة تحيق بها الأخطار، وهي مهددة من دول الجوار وسبيلها إلى مواجهة التهديدات هو بإنشاء تكتلات عسكرية، أو تحالفات شرق أوسطية، على غرار الناتو الذي تم إنشاؤه ليقف ضد الاتحاد السوفياتي في حينه، واليوم ليقف ضد روسيا. لقد عملت إسرائيل على تضخيم الخطر الإيراني حتى تبتز الولايات المتحدة من جهة، ويستبدل العرب الخطر الإسرائيلي بإيران من جهة ثانية، ويلجأون إلى أميركا لحمايتهم من جهة ثالثة. هذا، على الرغم من أن إيران لا تملك اسلحة نووية، وهي موقعة على اتفاقية حظر الأسلحة النووية، بينما تمتلك إسرائيل رؤوساً نووية أميركية بالمئات مخزنة فيها، ولم توقع اتفاقية حظر الأسلحة النووية . كذلك فإن التفاوض بين أميركا وإيران وصل إلى مراحل متقدمة نسبيا، وتم كسر الجليد بين السعودية وإيران، ومن المصلحة العربية منفردة ومجتمعة ان تكون العلاقات طيبة معها. ثم يروجون للمخاوف من التهديد الروسي، والإرهاب، بل والحروب السيبرانية، وحروب المخدرات والحروب الشعبوية. حتى ان البعض ذكر أن الأردن يخوض حاليا حربا سيبرانية شرسة، ولم يتنبه إلى أن المشكلة في المسألة السيبرانية لدينا هي انخفاض» الدليل الوطني للأمن السيبراني» وهو 28.5 % وترتيبنا 104 بين دول العالم، وواجبنا الوطني أن نرتفع من خلال التكنولوجيا الرقمية بدليل الأمن الوطني السيبراني ، والذي هو في مصر 57.1 % و إسرائيل 67.5 % وترتيبها 34. وينادون بالتالي بأنه لا بد من حماية دول المنطقة والمحافظة عليها من خلال تحالفات تحت شعار مواجهة الإرهاب، هذا مع العلم أن أميركا وإسرائيل أكبر الممولين للحركات الإرهابية في سورية وغيرها.
هل المنطقة العربية في مواجهة اخطار داهمة؟ ولماذا أصبحت مستباحة للدول الإقليمية القوية ولشتى القوى السياسية العالمية؟
بالتأكيد ان دول المنطقة العربية تقف في مواجهة جملة من الأخطار. ولكن الحقيقة التي ينبغي عدم التهرب منها هي: ان الأخطار المحيطة بالمنطقة نابعة من دول المنطقة ذاتها… من ضعفها وانانية السياسيين وفردانية القوى السياسية، وعدم الاستعداد للتوافق، ومن الحكم الفردي والسلطوي، ومن ضعف أداء إداراتها واخفاقاتها الاقتصادية والسياسية، والاستئثار بالسلطة ورفضها مشاركة شعوبها في صنع القرار. والغريب انه رغم التجارب التاريخية التي لا تنقطع، فإن العقل العربي الرسمي لا يريد ان يقتنع بأن «قوة أي دولة تنبع من داخلها بل من تماسك الشعب وتوافقه عن رضا وقناعة مع السلطة التي تدير شؤونه وثقته بها». ولا تأتي قوة الدولة من الخارج ابداً. فالقوة الأميركية بكل امكاناتها لم تمنع سقوط فيتنام الجنوبية التي كان يحكمها الفساد، ولم تمنع سقوط حكومة افغانستان بعد عشرين سنة من التدخل والدعم من حلف الأطلسي. لقد اعتمدت الدول العربية على الآخرين على مدى أكثر من 70 عاماً، في الغذاء والدواء والتكنولوجيا والتمويل والدفاع والسلاح والمشروعية بل والبقاء. وكانت نتيجة هذا الاعتماد مزيدا من الضعف والتفكك الداخلي والفشل الإداري والفساد، وليس اكتساب القوة والمناعة رغم الإنفاق العالي على التسليح. لقد تحرك العالم نحو الديمقراطية في موجتها الثالثة والمنطقة العربية ما تزال تتلكأ وتتحدث عن « إمكانية توجهات ودراسات واستعدادات ومباحثات ولقاءات ودراسات واستنتاجات.. يمكن أن تصل اليها يوما.. ما.. على طريق الديمقراطية «. هذا علما أن دليل الديمقراطية في المنطقة العربية متوسطة أقل من 40 %. كيف تتوقع دول المنطقة العربية أن تنجح في إدارة شؤونها ومواجهة التحديات على أشكالها بعيداً عن المشاركة وبعيداً عن الدعم الشعبي والقناعات الوطنية؟ هل من الصعب ان نفهم نحن العرب في زمن الحروب بالوكالة، والحروب عن بعد، والتكنولوجيا المتقدمة، ان ما من دولة ضمنت مستقبلها إلا من خلال حسن الجوار والحيادية في السياسة، والإدارة الصحيحة لشؤونها، وإبداعات ابنائها وبناتها في العمل والإنتاج والعلم والتكنولوجيا؟ في الوقت الذي نبحث كيف نصدر رأسمالنا البشري إلى الخارج.
عام 1955 انشأت الولايات المتحدة الأميركية حلف بغداد وسلمت ادارته لبريطانيا، ليقف ضد الاتحاد السوفياتي، ولكن الشعوب العربية رفضت ذلك الحلف وسقط عام 1961. وليس من المعقول ان تقبل الشعوب العربية اليوم احلافا جديدة توجهها أو تشارك فيها إسرائيل علنا أو من وراء ستار.. لقد وافقت الدول الكبرى بقيادة أمريكا وبريطانيا في ختام «قمة السبع» على مواجهة الصين وروسيا ولكن من خلال الآخرين. وهي لذا تريد تجنيد من وما تستطيع لهذه المواجهة، وقد بدأت بالمنطقة العربية لأنها الأضعف والأكثر طاعة واعتماداً على الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية. ان ما يريده بايدن من دول المنطقة العربية يتلخص في مسائل رئيسية خمس الأولى: ضخ المزيد من النفط والغاز إلى أوروبا بشكل خاص، وإلى السوق الدولي بشكل عام، لمواجهة نقص النفط والغاز من روسيا ثانياً: التعاقد على صفقات اسلحة بالمليارات لتعويض التراجع الاقتصادي في اوروبا وامريكا ثالثاً: تثبيت اسرائيل بشكل غير مباشر كعضو رئيس في المجموعة العربية التي اطلقوا عليها اسم ميسا MESAرابعاً: غض النظر عن ما تقوم به اسرائيل في فلسطين وعن ما تبيته من غدر للأردن ولبنان، وعن ضم الجولان ،وعن السير في الإستيلاء على الأقصى ،واستبدال ذلك فقط بالخطر الإيراني أو الروسي أو أي جهة اخرى بعيداً عن اسرائيل خامساً: تعزيز مكانة إسرائيل باعتبارها البوابة الأوسع للإدارة الأمريكية، ومن ثم السير في مزيد من الإعتماد على اسرائيل سواء في المياه او الغاز أو السكة الحديد أو التكنولوجيا.
نعم إن التعاون العربي مطلوب جدا وفي كل مجال، واتفاقيات الدفاع العربي المشترك تعود إلى 1950 ولكنها لم تفعل، لأن كل دولة مرتبطة بخيوط خارجية. والعمل العربي المشترك مطلوب بشدة،ولكن هل يعقل ان لا يتحقق ذلك الاً بالتوجيه والدعوة الامريكية؟ ما الذي يمنع الدول العربية ان تتعاون عمليا فيما بينها؟ تتعاون في المشاريع الانتاجية في الزراعة في الصناعة و ليس في البيانات و التصريحات. ما الذي يمنع انشاء مراكز عربية للبحث في تكنولوجيا المياه؟ والتغيرات المناخية والزراعة المتقدمة؟ هل تنتظر التوجيه الأميركي لذلك أم الوسيط الإسرائيلي؟
واخيراً هل نحن في الأردن بحاجة إلى أحلاف تحت المظلة الأميركية الخفية أوالعلنية؟ بالتأكيد لا.. ان مستقبل وطننا لا تصنعه الأحلاف أو المساعدات أو التكتلات أو الاعتماد على الآخرين، وإنما تصنعه عقول وسواعد الأردنيين الأردنيات ومشاركتهم في كل مجال، في إطار من العروبية والحيادية مع الدول.