العقول المهاجرة…. وبطالة المؤهلات العليا

أصدر مجلس هيئة اعتماد التعليم العالي قراراً يقضي بتخفيض الأساتذة غير الأردنيين في الجامعات الأردنية من حد أعلى معمول به هو 50% إلى حد أعلى أخر هو 25% خلال السنتين القادمتين . هذا وقد رحبت وزارة العمل بالقرار المذكور واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح للحد من البطالة . ومع هذا فإنه لا بد من التفكير بهدوء في هذا الأمر رغم التعاطف الدائم مع الكوادر الوطنية على مختلف مستوياتها . إذ يصعب على المرء أن يتفهم المنطق والفلسفة والرؤية وراء مثل هذا القرار، إذا أردنا الابتعاد عن التعميم والتبسيط وذلك في ضوء الحقائق الرئيسة الآتية : أولاً – إن أساتذة الجامعات في جميع أنحاء العالم هم يمثلون النخبة العلمية والمهنية التي يقوم عليها التعليم العالي والبحث العلمي . وهم فئة متميزة تشبه السلعة النادرة في معظم أنحاء العالم. ثانياً – إن الدول المتقدمة تعمل باستمرار على جذب العقول إليها، وتعظيم الإفادة منها، وتقديم مختلف وسائط الجذب لها، بما في ذلك منح أو تسهيل الحصول على جنسية البلد الذي يستقرون فيه، خاصة وان التكوين العلمي والمهني لأساتذة الجامعات يتطلب استثمارات ضخمة لا تقل عن (0.25) مليون دينار لكل عضو هيئة تدريس تمتد لفترة زمنية تتعدى الـ (20) عاماً . ثالثا- إن العقول المهاجرة إلى عدد كثير من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا وبريطانيا وغيرها هي التي تساعد تلك الدول على تخطي أزماتها الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحروب. ومن هنا فإن أساتذة الجامعات ليسوا مجرد عمالة وافدة مع كامل الاحترام والتقدير للعمالة الوافدة، وإنما هم عقول وخبرات يمكن بل ينبغي الإفادة منها . رابعاً – إن البطالة التي يعاني منها بعض حملة الدكتوراه محدودة العدد بمعنى أننا نتحدث عن عشرات أو مئات . ومع هذا فلا ينبغي أن تعالج بهذه الطريقة أبداً. فكل جامعة تحاول الحصول على أفضل الأساتذة لها، وهي تلقائياُ تعطي الأولوية لأبناء الوطن حين تكون المؤهلات حسب ما هو مطلوب. وبالتالي على وزارة التعليم العالي وهيئة الاعتماد أن تبحثا بعمق أسباب هذه البطالة ؟ والمبررات التي تمنع الجامعة التعاقد مع أستاذ مؤهل من أبناء الوطن. خامساً – أن التمازج والاختلاط والتفاعل بين الخبرات والثقافات والخلفيات المختلفة والمتنوعة من شأنه يعطي الجسم الأكاديمي حيوية إضافية تنعكس ايجابا على الجسم الطلابي .سادساً –  إن حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل هم بحاجة إلى إضافات من نوع ما، وليس بسب تفضيل غير الأردنيين والذين يكلفون أكثر من الأردنيين. ليس المطلوب أبدا اهمال أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل، وإنما المطلوب من وزارة التعليم العالي 1- دراسة الحالة بالتفصيل والأرقام والتخصصات والجامعات التي تخرجوا منها . 2- وضع برنامج مناسب لكل مجموعة لإثراء خبراتهم و لجعل هؤلاء أكثر تنافسية وأفضل مهنية سواء في اللغات أو مهنية التدريس أو البحث العلمي أو غير ذلك. وبعض التخصصات قد تكون غير مطلوبة لتوفر أعداد كافية . 3- عقد سلاسل من ندوات أو ورشات عمل لهؤلاء وزملاء لهم للتعرف على ما يمكن أن يفتح لهم آفاق جديدة للعمل ليس بالضرورة في سلك التعليم الجامعي و غنما في الدوائر والشركات والمؤسسات و غيرها. 4- وهو الأهم أن تضع الوزارة و هيئة الإعتماد “دليلاً إرشاديا لطلبة الدراسات العليا” يتناول طبيعة السوق والفرص المتاحة والمهارات المطلوبة والأبواب المختلفة للإفادة من المؤهل العالي . 5- أن تدرس وزارة التعليم العالي القطاعات غير الجامعية التي يمكن لأصحاب المؤهلات العالية أن ينخرطوا فيها مستفيدين من دراساتهم . خلاصة المسألة أن معالجة المواضيع بالمنع أو السماح أو فتح الأبواب أو إغلاقها ليس هو الحل الأمثل ولا يقبل على مستوى الدراسات العليا. وهو حل يمكن أن يتم بأي لحظة وبدون نتائج ذات قيمة ايجابية. الأهم من كل ذلك هو التعامل الموضوعي البناء وفتح نوافذ جديدة وارتياد آفاق غير تقليدية. هذا إضافة إلى أن التعليم الجامعي والبحث العلمي ليس مجرد وظيفة . هل يمكن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة العمل أن تدخل في أعماق أكثر لترى كيف يمكن استثمار العقول والخبرات المتاحة إلى أقصى مدى في بناء مستقبل أفضل يكون فيه للعلم والعلماء دور أكبر ؟ ذلك هو التحدي.