العدوان على غزة… والموقف العربي

بعد إلقاء أكثر من (8) آلاف طن من المتفجرات والقنابل الفسفورية والنابالم و العنقودية والمسمارية على غزة، واستشهاد أكثر من (850) مواطن، بينهم مئات الأطفال والنساء، و جرح أكثر من (45) ألف إنسان، و تدمير المدارس على من فيها من أطفال والمستشفيات والمساجد والكنائس، و تهجير 170 ألف مواطن،و إعلان إسرائيل أن 40% من أراضي القطاع  هي مناطق مفتوحة للعمليات العسكرية، بعد كل ذلك، لم تعد هناك من كلمات كافية لوصف العدوان الوحشي الذي يقطر حقدا و كراهية، الذي تقوم به إسرائيل على غزة المحاصرة جوا وبرا وبحرا، والمعزولة عن العالم بأبنائها وبناتها أل (2) مليون منذ أكثر من (6) سنوات. وتتحرك آلة القتل الإسرائيلية بدم بارد و شهوة للقتل و الإبادة ،وهدفها المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ،وغايتها تدمير الإنسان و البيئة، وجعل غزة طاردة لسكانها حتى يخرجوا آو يستسلموا، فيستريح ذلك الوحش الهمجي الكامن في الضمير الإسرائيلي.
ويخرج نتنياهو في كل يوم على الإعلام الدولي بكل غطرسة و استعلاء ليعلن انه يدافع عن سكان إسرائيل و أمنهم، ولا يقول انه مستعمر يغتصب أرضا ليست له، وان الفلسطينيين يدافعون عن أرضهم كما أقر بذلك القانون الدولي. أي دفاع يقوم به الغازي المستعمر القاتل في كل يوم؟ وأي أمن يمكن أن يتحقق مع العدوان والإغتصاب و الإحتلال حتى بعد مئة عام؟
وللأسف ،و دون أية مفاجآت فإن الإعلام الغربي، وبشكل خاص الأمريكي لا يرى المنطقة أبدا إلا بعيون إسرائيلية، رغم التعاطف الشعبي في أوروبا و حتى أمريكا مع الفلسطينيين وحقهم في الحياة والاستقلال. أمريكا الإعلام تبكي، ورئيسها يتألم ويولول، والدموع في عينيه لأن الأطفال في إسرائيل بعضهم لم يذهب إلى المدرسة، والبعض الآخر لم يمارس ألعابه المعتادة. أما أطفال غزة الذين حولهم القصف إلى أشلاء على شاطئ البحر، فذلك لا يثير أي مشاعر لدى كثير من السياسيين في أمريكا أو أوروبا أو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يساوي بين الضحية والجلاد. والإعلام الغربي نفسه لا يرى أبدا جثث الفلسطينيين في غزة ولا دماءهم التي تملأ الشوارع، ولا يرى المنازل التي تدمر والمستشفيات التي تهدم.. صحيح أن هناك قلة من السياسيين في أوروبا وأمريكا يستنكرون جرائم إسرائيل حتى في وسط مجلس العموم البريطاني ويستحقون الثناء، ولكن الإعلام يغطي على هذه الأصوات الحرة و يكبتها.
والسؤال للعرب: أين الفعل العربي؟ أين هذه الدول التي يصل عددها إلى 22 دولة؟ أين الجامعة العربية؟ لقد فقدت الجماهير العربية الأمل، فلم تعد تتوقع من دولها أي إجراء خارج الشجب والإدانة.

والإدارة الإسرائيلية المتغطرسة تعلم ذلك. ومن يراقب نتنياهو وهو يتحدث أمام الإعلام يلاحظ هذه الثقة المطلقة بأن أحدا في المنطقة لن يحرك ساكنا، بما في ذلك الخلفاء الجدد، و إيران وحزب الله وغيرهم من الجبهات والتشكيلات . فهؤلاء يبدو أنهم لا يستسيغون إلا دماء العرب، و هدم مساجدهم و كنائسهم، ولا تطيب لهم إلا لحوم المسلمين والمسيحيين في العراق وسوريا وليبيا واليمن وسواها. أي مهزلة سوداء تعيشها المنطقة؟
نعم تستطيع بعض الدول العربية أن تضغط على الولايات المتحدة وعلى الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل لإيقاف هذه الحرب القذرة. وتستطيع الدول العربية ليس بالضرورة مجتمعة أن تذهب إلى محكمة العدل الدولية.ودول أخرى تذهب إلى محكمة جرائم الحرب الدولية. ألا تستطيع عدة دول عربية أن تنشئ منابر إعلامية دائمة باللغات الأجنبية؟ وعلى مستوى متقدم يكشف وحشية النازي الصهيوني؟ ألا يمكن إعلان مقاطعة سياسية واقتصادية حقيقية لإسرائيل وللشركات الكبرى التي تدعمها؟ ألا يمكن للبرلمانيين العرب أن يتحركوا؟ ألا يمكن لمنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية ؟ ألا يمكن للدول العربية أن تفك الحصار عن غزة كما قررت الجامعة العربية قبل (7) سنوات حين كان عمرو موسى أمينا عاماً للجامعة؟ ويمكن لحماس أيضا أن تلتحم مع منظمة التحرير الفلسطينية لحمة دائمة يمكن البناء عليها،و بالتالي تسقط واحدا من أهداف نتنياهو وذلك تكريس الإنقسام الفلسطيني و تجريدها من سلاحها.    كل ذلك ممكن وينبغي أن يتم اليوم قبل غد.
قد تقع الهدنة الإنسانية في أي لحظة و لكنها ليست هي الحل. و على الجميع أن يتذكر إن إسرائيل التي تقتل وتدمر وتحرق الفلسطينيين في غزة، هي نفسها التي ستتجرأ في المستقبل على الضفة الغربية والقدس و بلدان عربية أخرى في هذا البحر الساكن في المنطقة العربية. فإسرائيل تدرك أن العرب لا يقاتلون أعداءهم، وهم يشترون السلاح لمواجهة شعوبهم، ولقتال بعضهم البعض. ولكن المدافعين عن حقوقهم في غزة والضفة وكامل الأراضي الفلسطينية سيستمرون في المقاومة والنضال، حتى يتوقف هذا العدوان اللا إنساني الذي يحمل ألويته نتنياهو وليبرمان وجموع المستوطنين المتعطشين للقتل والتدمير، وحتى يتم رفع الحصار عن غزة و ينتهي الإحتلال الصهيوني البشع عن فلسطين.
صحيح أن ما يفعله نتنياهو هو  استرضاء للمستوطنين الغزاة، وشراء تأييدهم في الانتخابات القادمة،إضافة إلى حقده الأسود على كل ماهو عربي، وصحيح أنه يقود سفينة شعبه في بحر من دماء الفلسطينيين، ولكن حقيقة التاريخ تؤكد أن مستقبل فلسطين ومستقبل المنطقة لن تحدده إسرائيل. وان إسرائيل تبحر في ثقب اسود سيبتلعها بعد عام، أو عشرة أو مئة من الزمان أو أكثر. إذ لا بقاء أبديا للعدوان والكراهية والهمجية التي تمثلها إسرائيل في يمينها الإستعماري المتطرف، بعد أن مات اليسار. إن المستقبل سترسمه شعوب المنطقة وسيرسمه المناضلون في فلسطين كلها وفي كل مكان.