الباص السريع…. واسطوانة الغاز

عاد الحديث عن الباص السريع وقرار وزارة النقل إحالة الموضوع على المستشار لاستكمال الدراسات، حيث يتوقع أن تبلغ كلفة المشروع (67) مليون دينار. وهذا أمر جيد بعد أربع سنين من النفي والتشكيك، والذهاب والإياب، وافتراض سوء التخطيط ،و القول  عن الرشوة والفساد. ومع هذا فإن المواطن حتى الآن، لا يعرف ماذا كانت المشكلة الحقيقية إزاء الباص السريع؟ وما هي نتائج البحث والدراسة والتحقيق؟ وهل ما كان يشاع بأنه أخطاء قاتلة قد تم التعرف عليها وتداركها؟ وهل كان هناك شبهات فساد أم لا وهل المشروع بديل للقطار الخفيف؟ أم أنه مكمل له في إطار منظومة نقل قادرة على الانتقال بالعاصمة إلى مرحلة جديدة من النقل العام المنظم والحديث؟.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مسألة النقل عموماً، والمواصلات في عمان بشكل خاص، أصبحت بالغة التعقيد، بسبب إهمال النقل العام لفترة طويلة، حتى تكدست شوارع المدينة بالسيارات الشخصية والشاحنات و الباصات و”الكوسترات “العمومية التي سيطرت على العاصمة، لتنطلق بسرعات جنونية، وتتوقف في أي مكان يحلو لسائقيها، ولو أدى ذلك إلى وقوع حوادث مؤلمة. ويقال أن واحداً من أسباب إهمال النقل العام المنظم، هو نفوذ المالكين لتلك الأساطيل من الكوسترات. وفي هذه الحالة من الأفضل أن يتم تعويض هذه الشركات مقابل إنهاء أعمالها بشكل تدريجي بدلاً من الاستمرار على وضع لا يخدم مستقبل المدينة أبداً. ويستغرب الباحث ونحن لدينا من المهندسين ما يربو على (110) ألف مهندس، كيف لا تنجح البلاد في بناء خبرات وطنية موثوقة في النقل لتتولى هذه الخبرات التخطيط والتصميم، وتتولى شركات وطنية مهمة التنفيذ. إن قطاع النقل واحداً من القطاعات المهمشة، على الرغم من كلفته العالية والتي تقترب من (3) مليارات دينار سنوياً، يذهب (1500) مليون منها للوقود بأنواعه و (1500) مليون دينار أخرى ما بين معدات وقطع غيار وصيانة وأوقات عمل مهدورة وحوادث وغيرها. هذا إضافة إلى التلوث الذي تتأثر به العاصمة. فهل يشكل الباص السريع جزءً من منظومة متكاملة أم انه مشروع قائم بذاته ؟
ينبغي أن تصدر الحكومة كتاباً أبيضاً إزاء مشروع الباص السريع، وتبين فيه الحقائق كاملة، حتى تطوى تلك الصفحة، وتبدأ عمان صفحة جديدة خالية من شكوك الماضي. وهذا من شأنه آن يمنح أمانة عمان ووزارة النقل والحكومة الثقة والدعم من المواطنين وهي مسألة هامة في مثل هذه الظروف.
و في موضوع آخر يغيب فيه دور الدولة عن المبادرة والتوجيه، فقد مضى أكثر من (3) أشهر والحديث عن اسطوانات الغاز المستوردة من الهند لا ينقطع، ولا يصل إلى نتيجة حاسمة . هل الأسطوانات المستوردة مطابقة للمواصفات أو غير مطابقة ؟ وهل دائرة المواصفات المقاييس على حق أم أن شركة المصفاة على حق؟
لكن السؤال الذي لا يجد المواطن له إجابة: هل صناعة اسطوانة الغاز صعبة ومعقدة إلى الدرجة التي نضطر معها إلى استيراد الأسطوانات بمئات أللآلاف من الهند أو من أي مكان آخر؟ هل عمليات قص الحديد ولحامه بطريقه صحيحة مسألة أعقد وأكبر وأضخم من أن تتناولها الصناعة الأردنية؟ هل المهارة الهندية متفوقة بمرات ومرات على المهارة الأردنية حتى في صناعة الاسطوانات الغاز؟ ألم تفكر الحكومة بتشجيع المصفاة أو أي مستثمر آخر على إنشاء مصنع لأنابيب الغاز بأنواعها المختلفة؟ أم أن الاستيراد أصبح يمثل الإجابة الأسهل على كل شيء؟ حتى وصل سعر أنبوبة الغاز المنزلي إلى (60) ديناراً. وأصبح السطو على أنابيب الغاز من الجرائم الشائعة في المدن والقرى والمنازل والمزارع. وأصبحت اسطوانات الغاز مساحة مرغوبة جداً لدى محترفي السرقة ومقتحمي البيوت والمصانع و المزارع . من يشتري الاسطوانات المسروقة ؟ لا أحد يعرف ..ومن يبيعها؟ و هل يتم تهريبها على خارج البلاد؟ لا أحد يعرف.
ومن جانب آخر فإن مجتمعنا يعاني من البطالة(14%)، وتشكو المحافظات من البطالة المرتفعة وغياب فرص العمل. ولكن ابسط مبادئ التنمية  تقول أن لا حل لمشكلة البطالة سوى المشاريع الإنتاجية، وخاصة الكثيفة الاستعمال للأيدي العاملة، والصناعات الحديدية كذلك. فلماذا لا تفكر الحكومة بوزاراتها و مؤسساتها المختلفة بهذا المشروع و أمثاله الكثير ؟وحتى بعد إعادة الاسطوانات إلى الهند، هل سنبقى نعتمد على الاستيراد في كل شيء؟ أم أن هناك فرص للتصنيع وللصناعات الإحلالية نهدرها يوما بعد يوم، و آن لتجاهلها أن ينتهي.
و أخيرا فإن أهمية الصناعات الكبرى مثل مصفاة البترول ليس فقط في فرص العمل لدى المصفاة ذاتها، وإنما في فرص العمل الجديدة التي تولدها الصناعات الصغيرة و المتوسطة المنبثقة عنها .وهذا يشمل جميع الصناعات الكبيرة مثل المصفاة والاسمنت والفوسفات والبوتاس والحديد والجلود والاتصالات والكهرباء والبناء وغير ذلك الكثير..
أين مسؤولية “الإدارة الرسمية” إزاء كل ذلك؟و أين خبراؤها و علماؤها و مفكروها و باحثوها و مهندسوها ؟ . هذا هو السؤال. أن المطلوب أن تكلف الحكومة مجموعات من الخبراء لدراسة الصناعات والخدمات الكبرى والتعرف على الصناعات القبلية والبعدية والمتفرعة والمنبثقة عنها لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة جديدة تخفف من الاعتماد على الخارج هندسياً ومالياً وسلعياً وتتيح فرص عمل جديدة . فذلك أحد المداخل الرئيسية لبناء مستقبل أفضل للاقتصاد الوطني و الوطن بكامله.