الالتزام المتسرع والغاز الاسرائيلي

على الرغم من استفراد حكومة نتنياهو بالقدس والمقدسات ،وإطلاقها جموع المستوطنين لانتهاك الاقصى كجزء من عملية الترويض النفسي للعرب والمسلمين، وعلى الرغم من شبكة الانفاق التي تم حفرها تحت الاقصى لتكون أداة لعمليات عدوانية قادمة، إلا ان حكومتنا منذ ما يزيد عن عامين، وبتشجيع من الولايات المتحدة الامريكية ،وقعت اتفاقا لاستيراد الغاز من اسرائيل من خلال شركة نوبل انيرجي الامريكية الاسرائيلية. والتزمت بشراء الغاز الاسرائيلي بمعدل (1) مليار دولار سنويا على مدى (15) عاماً اعتباراً من عام 2018. ولم تعلن الحكومة تفاصيل الاتفاق وبقيت البنود فيه سرية، ولم تعرض على البرلمان للموافقة عليها أو اقراراها، على الرغم ان الاتفاقية لها ابعاد سياسية ،وتؤثر في «أمن الطاقة» الأردني Energy Security. وبالمقابل فإن المحكمة الاسرائيلية العليا رفضت في الاسبوع الماضي الاتفاق الذي وقعته حكومة نتنياهو مع الشركة الامريكية الاسرائيلية، وأعطت البرلمان الاسرائيلي فرصة لتعديل الاتفاق إذا شاء خلال عام. «هناك» كان للبرلمان وللمحكمة العليا كلمة الفصل، ورأي القطع في الاتفاقية . والتعديلات يدخلها البرلمان إذا شاء ،في حين ان «الإدارة»في بلدنا العزيز ، عادة لا تزعج البرلمان ولا المحكمة بل ولا الخبراء في مثل هذه المواضيع ،وتبقي الاتفاقية سرية لإراحة الجميع.
أما موقف وزارة الطاقة فليس فيه من الوضوح شيء ،ولا يعلم أحد ما هي المبررات للإصرار على التعلق باتفاقية مع شركة لم تستقر امورها في بلدها. كما أن حقول الغاز هي محل نزاع فلسطيني اسرائيلي.
وتعود وزارة الطاقة لتقول «ان الغاز المصري سيبقى الخيار الأول للمملكة». ثم غاز الريشة ثم الغاز السائل والغاز الاسرائيلي هوالخيار الرابع. أي غاز مصري يتحدثون عنه؟ ان مصر لم يعد لديها من الغاز ما يكفي احتياجاتها .فاحتياطياتها من الغاز لا تتجاوز 2.6 تريليون مترا مكعبا، وهي مرشحة للاستيراد خلال بضع سنوات، و قد وقعت اتفاقية لاستيراد الغاز الإسرائيلي عام 2015 . بل انها تستورد حالياً كميات محدودة، وليس من المنتظر ان تعيد التصدير على ضوء احتياجاتها الشديدة وقلة الاحتياطي لديها.
أما غاز الريشة فيكاد أحد لا يعرف الحقيقة. في عام 2012 وحين كانت شركة برتش بتروليوم تعمل على تطوير الغاز صرح وزير الطاقة انذاك اننا سنصبح عام 2020 مصدرين للغاز، وبعد خروج برتش بتروليوم الفجائي اصبحنا نبحث عن الغاز في كل مكان. وفي عام 2015 صرح وزير الطاقة بان الأردن على استعداد لبيع الغاز السائل الى مصر بعد تشغيل ميناء الغازفي العقية. واذا كانت شركة الكهرباء الوطنية المستوردة الوحيد للغاز مرتبطة مع شركة شل باتفاقيات تغطي احتياجات الأردن لغايات الكهرباء حتى عام 2020 وأي كميات اضافية سيتم استيرادها من السوق العالمي من خلال 21 شركة عالمية كما يقول أمين عام الوزارة فلماذا الغاز الاسرائيلي يكون الخيار الرابع؟ ومن يضمن أنه لا يصبح الخيار الاول عند عجز مصر عن التصدير ؟وتأخر غاز الريشة أو خروج الشركة العالمية اي بي جي في ليلة ظلماء.؟
إن الضباب والغموض والسرية والتناقض لا تصلح في هذا العصر، و لا تقنع احداً، وهي ليست في مصلحة الدولة اطلاقاً. ذلك ان اي اتفاق مع اسرائيل ، في ظل عدوانيتها و نواياها المبيتة، معرض للنقض أو الإستغلال، قضائيا او برلمانيا او سياسيا في أي لحظة، و من المؤسسات الاسرائيلية نفسها. فأين أمن الطاقة؟ وهل يقوم أمن الطاقة على التزود من طرف لا يلتزم بأي عهد ويضمر الغدر دائماً.؟ هل يصعب ان نضع برنامجا واضحا للغاز يقوم على الواقع العملي وليس على السياسة الموجهة والارتباطات الخطرة؟ اذا كنا متأكدين من غاز الريشة الا تستطيع الكوادر الاردنية بعد 30 سنة من اكتشاف الريشة أن تعمل على استخراجه؟ واذا كانت المديونية وصلت 24 ملياردينار والميزانية الرسمية 8700 مليون دينار الا نستطيع استثمار 50 أو 100 مليون دينار اضافية في الغاز؟ بدلا أن تتركنا الشركات الاجنبية في منصف الليل و متى تشاء؟
ان «أمن الطاقة الوطني» يتطلب أن تكون الخيارات في الغاز في الإطار التالي أولاً: الغاز السائل عبر الميناء. وهذا بحد ذاته كاف لسنوات غير محدودة. وثانيا التفاوض مع قطر والسعودية و العراق و من منظور استراتيجي بهدف إنشاء خطوط غاز ،ومع الجزائر لعقود طويلة الاجل . وثالثا غاز الريشة الذي يجب تطويره بالامكانات الاردنية و الإستثمار الوطني فيه بما يكفي للوصول إلى نتائج حاسمة . ورابعا الغاز المصري اذا ما تمكنت مصر من استخراج كميات كبيرة جديدة قابلة للتصدير خلال (10) سنوات. أما الغاز الاسرائيلي فهو من اسوأ الخيارات سياسيا و أمنيا و استراتيجيا ،ولا مبرر له. ناهيك أنه يعرض المصالح الوطنية للابتزاز، ويزيد عامل المخاطرة في أمن الطاقة الذي هو مسألة مستقبلية بامتياز. فهل تستقر الدولة على نسق عملي ومقبول ومعلن وموافق عليه من البرلمان في اطار «خليط للطاقة» المتوازن ؟ الخليط الذي يأخذ في الاعتبار الصخر الزيتي والطاقة المتجددة بتوسع اضافة الى النفط والغاز وحتى الفحم.؟ تلك هي المسألة التي يجب أن تحسم.